You are currently viewing مخيم عين بيت الماء.. فصل جديد في متوالية التهجير

مخيم عين بيت الماء.. فصل جديد في متوالية التهجير

العربية فارسی كوردی‎ עִבְרִית Türkçe Français Deutsch Italiano Español English
شبكة فرح الاعلامية:

 بشار دراغمة- قبل أن يطل الفجر على مخيم عين بيت الماء، شق أزيز الرصاص وهدير المركبات العسكرية صمت الليل وهي تغزو طريقها بين الأزقة الضيقة، معلنة جولة جديدة من الألم، وجريمة أخرى تضاف إلى سجل الاحتلال في حملات التهجير القسري للمواطنين.

المخيم القابع في غرب نابلس، الذي طالما شهد على محطات الصمود، وجد نفسه في عين العاصفة، تحت قبضة المحتل الذي لا يزال يعبث بمصائر المواطنين، ويدفعهم نحو المجهول، وكأن قدر الفلسطيني أن يحمل وطنه في قلبه، وبيته على ظهره.

الزميلة في صحيفة “الحياة الجديد” حنين خالد التي تسكن مخيم العين أكدت أن عمليات الاقتحام تطال المنازل بشكل متتابع وسط عمليات تهجير متوالية، مشيرة إلى أن قوات الاحتلال تقتحم البيوت واحدا تلو الآخر دون تمييز، وتجبر المواطنين على الخروج دون إمهالهم لحمل أي متعلقات شخصية، وكأن الهدف هو محو المخيم من الوجود بكل تفاصيله.

وأضافت: “هذا ليس مجرد اقتحام، هذه حرب مفتوحة على سكان المخيم، كل شيء يتعرض للتدمير، البيوت، الشوارع، وحتى الذكريات”.

“استيقظنا على أصوات صراخ الجنود ودوي الانفجارات، وكأن حربا اندلعت فوق رؤوسنا”، هكذا وصف محمد بدوي اللحظات الأولى للاقتحام.

المواطن بدوي الذي اضطر مع عائلته للنزوح قسرا من المخيم، لم يكن وحده في ذلك المصير، إذ سرعان ما توافدت العائلات مجبرة على النزوح من منازلها تحت تهديد السلاح، والكل يحاول البحث عن مكان آمن بينما ينظر إلى المحيط بعيون مذعورة، تحاول الإمساك بما تيسر من حاجياتها.

يتابع بدوي بصوت متقطع يختلط بالحزن والغضب: “اقتحموا منزلنا، طلبوا منا الخروج فورا، لم يسمحوا لنا بأخذ أي شيء، دقائق معدودة، وكانت حياتنا كلها قد انقلبت رأسا على عقب”.

وهو حال أكده شهود آخرون، منهم أحمد علي، الذي قال: “حاصروا المخيم بالكامل، بدأوا بمداهمة المنازل واحدا تلو الآخر، لم يسلم بيت من الهدم والتخريب، حتى الأطفال لم ينجوا من الرعب الذي زرعوه في قلوبهم”. لم تكن حملة التهجير هذه سوى جزء من عملية عسكرية أوسع، طالت جميع جوانب الحياة داخل المخيم. ومع تزايد عمليات المداهمة، بدأت قوات الاحتلال في اعتقال مواطنين، دون أي تهم واضحة سوى أنهم فلسطينيون يعيشون على أرضهم.

أروقة المنازل تحولت إلى خرائب، نوافذ محطمة، أثاث متناثر، جدران مثقوبة برصاص الحقد، وكأن شوارع المخيم صارت مرآة تعكس وجه الاحتلال بأبشع صوره، وفق ما تناقله شهود العيان.

لم يكن القتل غائبا عن هذا المشهد المأساوي، حيث استهدفت قوات الاحتلال الشاب عدي عادل القاطوني، الذي كان داخل مركبته حين أطلقت عليه النيران بدم بارد، واحتجز الجنود جثمانه، وكأنهم يريدون أن يجعلوا من جسده رسالة ترهيب لكل من يفكر في التمسك بالبقاء.

وقف محافظ نابلس، غسان دغلس، أمام المخيم محاطا بأهاليه الذين يقفون بين صدمة الحدث ورغبة البقاء، ليقول بكلمات ثابتة وسط العاصفة: “الاحتلال يشن حرب إبادة ضد شعبنا في كل مكان، ما يجري هنا ليس مجرد عملية عسكرية، بل تدمير ممنهج لمحاولة فرض واقع جديد على الأرض، لكننا باقون ولن نرحل، ولن نسمح بأن يتحول مخيم العين إلى ذكرى أخرى في كتاب النكبات”.

لم تكن المؤسسات الإنسانية غائبة عن المشهد، فالهلال الأحمر كان في سباق مع الزمن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه حيث اخلى حالتين من مرضى غسيل الكلى إلى مستشفى النجاح، وحالة أخرى إلى المستشفى الوطني. وقال: “أجلينا عشرة أشخاص كانوا محاصرين داخل مسجد المخيم”.

أما غسان حمدان، مدير الإغاثة الطبية، فكان صوته يتهدج من الغضب: “عائلات بأكملها تطرد من منازلها بالقوة، مبان تضم أكثر من عشرين عائلة تم تفريغها بالكامل، المرضى يمنعون من تلقي العلاج، الجنود يتعاملون بوحشية في محاولة لإخلائهم. ما يجري هنا هو فصل جديد من فصول التهجير القسري، وجريمة حرب بكل ما تحمله الكلمة من معنى”.

اطبع هذا المقال