1

رمضان.. رئة تنفس لبلدة الخليل العتيقة

وسام الشويكي- مع كل رمضان، يرتد للبلدة القديمة والحرم الإبراهيمي الشريف بالخليل نفَساهما، وتبدو الأجواء في الأسواق والحارات والأزقة، كما لو أن الروح تعود من جديد للجسد المكبل بالاحتلال والاستيلاء.

الأجواء الروحانية التي تشهدها بلدة الخليل العتيقة، على امتداد السوق من باب البلدية القديمة وانتهاء عند الحرم الإبراهيمي، خلال شهر رمضان المبارك، على غير عادة بقية الشهور، تشحن الزائرين والمتسوقين شوقا جديدا للبلدة وحرمها المسلوب، اللذين تنكب عليهما القلوب خوفا من أن تنقض مشاريع الاستيطان عليهما بالكامل.

إلا أن هذا التدفق للمواطنين على الزيارة، سواء للبلدة أو الصلاة داخل الحرم الإبراهيمي، يشعرك بحجم التعلق لذات القلوب ببلدتهم العريقة، مهد حضارة المدينة ونشأتها، وبتشبثهم بكل ركن داخلها، وبكل حجر عتيق مصفوف بطريقة يكشف تاريخ المدينة، ويشي– بكل وضوح- عن مدى الالتصاق الذي يبديه المواطنون بمسجدهم الإبراهيمي وببلدتهم التي ترعرعوا داخل أزقتها في طفولتهم وشبابهم، على ما يوضح ذلك لـ “الحياة الجديدة”، المواطن “خليل عبد العزيز (52 عاما)”، الذي التقته في “سوق القزازين”، مؤكدا أن رمضان كل عام يشكل له فرصة ثمينة لزيارة البلدة القديمة والصلاة في الحرم الإبراهيمي، مصطحبا معه أولاده، وتذكر أيام الطفولة والشباب، والحسرة في قلبه – كما يقول- لعدم تمكنه من الوصول إلى باقي حارات البلدة القديمة وشوارعها المغلقة بقرار ظالم من الاحتلال، ومنعه من الوصول إلى شارع السهلة “الذي قضيت جل شبابي فيه”.    

رغم أن شهر رمضان يضفي على البلدة القديمة، رونقا مميزا وأجواء إيمانية، ويشكل رئة لها للتنفس بعودة الحركة فيها، إلا أن العديد ممن التقتهم “الحياة الجديدة”، يعبرون عن بالغ الحسرة والألم والوجع الذي يعشش في قلوبهم جراء الحال الذي آلت إليها بفعل انتهاكات الاحتلال من الاستيلاء والإغلاق شبه الكامل والتعرض للمضايقات والاستفزاز من المستوطنين وقوات الاحتلال على السواء.

ويقول المواطن توفيق مرقة، إن التدفق المتواصل والزيارة الدائمة للبلدة القديمة، بحيث لا تكون مقتصرة خلال الشهر الفضيل والمناسبات الدينية، يمكن أن تنعش الحياة فيها، وأن تسهم في الحفاظ على البلدة من غول الاستيطان.

ويعبر بائع المخللات، نسيم الشلودي، عن أمله في أن تكون كل أيام السنة مثل رمضان، لما تشهده البلدة من إقبال من الزائرين والمتسوقين.

ويضيف، خلف بسطته التي يعرض عليها أصنافا عديدة مما لذ وطاب من المخللات: “أسعارنا هنا معقولة ومقبولة مقارنة بأسعار البضائع في مناطق المدينة الأخرى.. ونحن نؤمن بسياسة “قليل دائم خير من كثير منقطع”. وفي ذلك دعوة منه للأهالي لارتياد البلدة على الدوام.

وينظر أحمد النتشة، إلى ضرورة أن تتخذ المؤسسات الرسمية في المدينة قرارات وإجراءات بتفعيل الحياة في البلدة القديمة، من خلال دعمها ماديا بشكل دائم، وتحفيز الزيارة إليها، سواء للصلاة أو التسوق وغيره، عبر إقامة الفعاليات والأنشطة وإنشاء مراكز تسوق وخدمات دائمة ويومية وليست موسمية.

منذ بدء ساعات ما بعد الظهيرة، تشهد البلدة القديمة حركة متزايدة في أعداد المواطنين الزائرين إليها، وتبلغ ذروتها وقت صلاة العصر، ويستغل كثيرون قضاء أوقاتهم خلال الصيام للتجوال داخل الأزقة والحارات والصلاة في المساجد القديمة؛ كالقزازين وأهل السنة والحرم الإبراهيمي، وقراءة ما تيسير من آيات القرآن الكريم. ويبدي التجار والباعة والسكان راحة وفرحة عامرة بهذا الإحياء ويتمنون “لو أن كل شهور السنة رمضان”.

وأكد مدير عام لجنة إعمار الخليل، عماد حمدان، إن لجنته تحرص على تنفيذ المشاريع التي من شأنها عودة الأهالي للسكن داخل البلدة القديمة، واستنهاض الحركة الاقتصادية والسياحية فيها، ومحاولات إعادة نبض الحياة على الدوام.

وتفوح من داخل أزقة البلدة وقناطرها روائح المخللات والحلويات، والعطور والبخور والعطارة، وتصدح أصوات الباعة، في مشهد يعيد للسوق حيويته قبل إغلاقه منذ عشرات السنين.

وتجذب المعالم التاريخية المواطنين لزيارتها؛ حيث متحف الخليل القديم ومعاصر الزيتون والسمسم والحمامات التركية ومصنع الزجاج والحلقوم، التي تشكل ملاذا للسكان والأهالي.

ورغم ما تعانيه البلدة القديمة من “انسداد شبه تام في شرايين أسواقها”؛ بسبب قرارات سلطات الاحتلال وانتهاكات قواتها ومستوطنيها باستمرار، إلا أن مسؤولية تحدي هذه القرارات ورفضها تقع، على السواء، على المواطنين والمسؤولين من مؤسسات وفعاليات وقوى، في الذود عن حمى المدينة التاريخية، ولأم جرحها النازف وتضميده؛ بضخ الحياة وحشد الزيارات إليها، وتنفيذ الدعوات بالحشود للصلاة في الحرم الإبراهيمي، وتوفير الحوافز وعوامل الجذب من النواحي الاقتصادية وغيرها.