رواية “اذهب حيث يقودك قلبك” .. ثلاث نساء وصمت طويل: تأملات في الحب والخذلان”

مهيب الب
1تعتبر في إيطاليا رواية “اذهب حيث يقودك قلبك”من أبرز الأعمال الأدبية المعاصرة التي لاقت انتشارًا عالميًا واسعًا منذ صدورها عام 1994. كتبتها الكاتبة الإيطالية سوزانا تامارو بأسلوب بسيط وشفاف، لكنّه يفيض عمقًا وتأملًا، وتُرجمت إلى العديد من اللغات، منها العربية، حيث لامست قلوب القرّاء عبر سردٍ حميميّ يحاكي الأحاسيس الإنسانية الكبرى: الحب، الخوف، الفقد، والندم.
تحاول الكاتبة أن تضع الرواية من الصفحة الاولى ضمن تصنيف السيرة الذاتية لتضع خلاصة رحلتها ورؤيتها للحياة من وجهة نظر مغايرة . تحاول الجدة أن تظهر سر النخبة وصراع القوى البرجوازية من خلال الرسائل التي تبعثها معتبرة أنها نوع من أنواع التمرد على الطبيعة،تلك الطبيعة التي فرضت الكثير من الحواجز الاجتماعية حيث على الكثير من الناس إخفاء الكثير من حياتهم وعدم مواجهةمشاعرهم أو إظهارها.
تطرح الرواية قضية صراع الأجيال بالطريقة التقليدية الرسائل المتبادلة
عتبة الرواية
تدور أحداث الرواية على شكل رسائل تكتبها جدة تُدعى “أولغا” لحفيدتها “مارتي”، التي غادرت إلى أمريكا إثر خلافات عائلية وصراعات داخلية. وبين طيات هذه الرسائل، تسرد الجدة ماضيها، وتعترف بأخطائها، وتعيد قراءة حياتها من منظور الندم والحكمة المتأخرة، محاولة أن تمنح حفيدتها ميراثًا غير مادي: وصايا القلب، ودفء التجربة.
تحكي الرواية عن علاقات متشابكة وممزقة بين ثلاثة أجيال من النساء، عاشت كل منهن صراعاتها بين الواجب الاجتماعي والصوت الداخلي للقلب. تحاول الجدة أن تُخرج مكنونات نفسها وتُكفّر عن صمتها الطويل، وأن تبوح بحقيقتها بعد سنوات من الكبت والخذلان والخوف من الحب الحقيقي.
ثيمات الرواية
– الاعتراف والتطهير الروحي:
تمثل الرسائل وسيلة تطهير للجدة، إذ تكشف عن الماضي بحلوه ومرارته، وتعترف بأخطائها في التربية والعاطفة
– الفجوة بين الأجيال:
ترسم الرواية بحساسية العلاقة المتوترة بين الأجيال الثلاثة من النساء، وتُظهر كيف يُمكن للصمت أن يكون أكثر قسوة من الكلمات الجارحة.
– صوت القلب مقابل صوت العقل:
العنوان نفسه يحمل رسالة الرواية الأساسية، بأن الإنسان لا يجب أن يخاف من اتباع قلبه، رغم العواقب، لأن الحياة الحقيقية تكمن في الشجاعة العاطفية.
– الخسارة والندم:
الموت، الرحيل، والأخطاء غير المغتفرة تتكرر في الرواية، لكن مع بصيص أمل دائم في الغفران والتصالح.
– الأسلوب واللغة
اعتمدت سوزانا تامارو على أسلوب الرسائل الذاتية، ما يمنح الرواية طابعًا حميميًا وصادقًا. اللغة شاعرية دون تكلّف، شفافة لكن عميقة، وهي تستدعي القارئ للتأمل في ذاته وعلاقاته الإنسانية. لا توجد حبكة درامية تقليدية، بل سيرة عاطفية تُروى ببطء، كأنها صلاة مكتوبة بعناية.
أهمية الرواية
أثرت الرواية في ملايين القرّاء حول العالم، واعتبرها كثيرون “كتاب الحياة” لما فيها من صدق وجداني ونفاذ إلى جوهر العلاقات الإنسانية. كما أنها تسلط الضوء على أهمية الإفصاح عن المشاعر، وعدم تأجيل الحب أو الاعتذار أو الغفران.
خاتمة
“اذهب حيث يقودك قلبك” ليست مجرد قصة عائلية، بل هي رحلة داخل الإنسان، داخل القلب، داخل الندم والمصالحة. وهي تذكرة مؤلمة ورقيقة في آنٍ معًا بأنّ الحياة قصيرة، وأن أكثر ما يؤلمنا ليس ما فعلناه، بل ما لم نفعله.
رغوثي