1

أبو سمرة.. ملك الدراجات منذ 50 عامًا

عبد الباسط خلف- يتفاخر بسام مشهور أبو سمرة بإكماله 50 عامًا في مهنة صيانة الدراجات الهوائية وبيعها.

ويلازم ابن السبعين عامًا، والمولود في قرية الجديدة، ورشته في شارع المحطة وسط جنين، منذ كان شابًا اقترن اسمه بعالم الدراجات الهوائية، وكان وجهة دائمة لفتيان المدينة وعشاق العجلات ورواد الصيانة.

 وينهمك أبو سمرة في فك الدراجات وتركيبها، ويملك براعة كبيرة وسرعة في إكمالها، ويقول بابتسامة عفوية إن عدد القطع التي أصلحها يفوق شعر رأسه.

دشن بسام ورشته مطلع آب عام 1975، وتغيرت من حوله جنين، فتمددت وارتفع بنيانها واتسعت طرقاتها، وتضاعفت مركباتها، وبقي هو الثابت فيها.

ويشير إلى أنه كان شاهدًا على انتفاضة 1987، وعاصر انتفاضة 2000، وواكب الاجتياحات المتلاحقة على المدينة ومخيمها، ومرت مئات جنائز الشهداء من أمام ورشته، مثلما عاش فترة إجبار الاحتلال له على إقفالها، وانقطاعه عنها مدة طويلة في الاجتياحات الطويلة وآخرها مطلع هذا العام.

والمتغير كما يبين أن جنين كانت تلتزم بالإضراب الشامل حال ارتقاء شهداء بغزة أو نابلس، قبل أن تتغير الأحوال اليوم.

وتصمد في واجهة متجر أبي سمرة عبارة قديمة، كتبها خطاط قبل 50 عامًا، فيما تتنازع ملصقات وإكسسورات قديمة وجديدة على شغل حيز من المكان.

ويسترد ذكريات سفره إلى غزة، بحثّا عن قطع غيار وملصقات لفنانين كفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ وعبارات كان رواد الدرجات يلصقونها على مركباتهم الهوائية.

ويقص: كنت أصل شارع عمر المختار في غزة بسياراتي، وأبحث عن معارض مصطفى الجبالي وماهر كحيل، التي كانت ذائعة الصيت، أشتري بضاعتي وأعود أدراجي إلى جنين.

ويستطرد أبو سمرة بابتسامته المعهودة: كان الشائع في الدراجات اللون الأحمر، وكنا نستورد الأنواع الألمانية واليابانية والإنجليزية، لكننا اليوم لا نتعامل إلا بالسلع الصينية، وللأسف ليست هناك صناعات محلية بعد، وعدة عملي من تايوان.

تغيرت أسعار الدراجات، وتبدلت أحوال النقود وتسميتها كثيرًا، وتطورت الأشكال والشركات، ودخلت على الخط الأنواع الكهربائية، لكن الثابت المعاملة الحسنة والاتقان والسرعة كما يقول أبو سمرة.

تعلم أبو سمرة حتى الثالث الإعدادي “التاسع بتسمية اليوم، ثم اختار مهنته الحالية، وحرص على تعليم ابنه البكر شادي هندسة الحاسوب، وأنهى نجله فادي الهندسة المدنية، ودرّس بناته الثلاث اللواتي أصبحن معلمات.

ويتفاخر بأن ورشته الصغيرة استطاعت تعليم أولاده كلهم في جامعة النجاح الوطنية، مثلما نقل أسرار المهنة لولديه، وكان يقدم الدراجات لبناته خلال طفولتهن، وأصبح يهديها لأحفاده العشرين، وآخرهم أبصر النور قبل أيام.

لا يخرج أبو سمرة في إجازات سنوية، وعمل مثل الساعة، باستثناء سفره العام الحالي لأداء فريضة الحج، وزيارته لأبنه المغترب المقيم في أبو ظبي، ورحلته إلى العمرة عام 2015.

ترخيص

ويضيف أن أسعار الدراجات كانت بنحو 100 ليرة، وهي اليوم بمبالغ أكبر، لكن تسعيرته لم تقفز كثيرًا، ولديه زبائن منذ نصف قرن، مثل السبعيني عصام زرد، الذي كان منهمكًا في صيانة دراجته، ويشيد بالمعلم وطيبة قلبه ومهارته وأسعاره المعتدلة.

واللافت، وفق أبو سمرة أن البلدية كان تطلب حتى اندلاع انتفاضة الحجارة 1987 ترخيصًا سنويًا للدراجات برسم 5 دنانير، وتصدر لوحة تسجيل لها، وتتقيد بشروط سلامة عامة كالإضاءة والفرامل والجرس، وتحرر مخالفات لغير المرخصين.

ولا يستخدم أبو سمرة غير الدراجة في تنقلاته داخل المدينة المزدحمة، لأنها أسهل وأسرع وأخف وأنظف.

والطريق كما يقول، إنه لا ينسى كيف أن عجوزاً جاء إليه واستخدم العجين بدل “الشحمة” لإجبار العجلات على السير.

يوالي: لي زبائن من الأطباء الذين يأتون هم وأولادهم لإصلاح الدراجات، ويمارسون من فوقها الرياضة، كما يوقفون سياراتهم في منازلهم، ويناصرون العجلات، التي لا تلوث البيئة ولا تحتاج للوقود، والأهم لا تعترف بالاختناقات المرورية.

وينهي بقصة دخول دراجته الخضراء السينما من بابها الواسع، فقد استأجرتها الشركة المنتجة لفيلم الفنان محمد عساف، واصطحبتها للناصرة، مثلما أغلقت الشارع المحيط بالمحل، ومثلت فيه مقاطع من الفيلم ليوم كامل.