عبد الباسط خلف- تعود نسرين أبو زينة، بشروط، إلى شقتها المحببة في مشارف حارة الحواشين بمخيم جنين، بعد نزوح قسري استمر 169 يوما، بفعل عدوان الاحتلال المتواصل.
وتأرجح قلب معلمة المرحلة الأساسية بين ناري الاشتياق لبيتها والخشية من مشاهدة مسقط رأسها ومسرح طفولتها وصباها كومة من الحجارة، وظلت طوال الليل تنتظر بفارغ الشوق منتصف النهار؛ للوصول إلى البيت.
وتصف اللحظات المختلطة من ظهيرة أمس الثلاثاء، فقد عادت رفقة 24 مواطنة إلى بدايات حي الحواشين بالمخيم، بعد تنسيق رسمي لإحضار مقتنيات شخصية من بعض بيوت المخيم.
وتقول لـ”الحياة الجديدة” بصوت مسكون بالأمل إنها وزعت الأربعين دقيقة إلى شقتها على تفقد بيتها، والعودة إلى ذكريات عائلتها في أركانه، والبحث عن مقتنياتها الخاصة، والحسرة على ما أصاب المخيم من تجريف وتدمير.
وتؤكد أبو زينة التي منحت عدة دقائق للتأمل في غرفتها وأزهارها وساحة المنزل، أن البيت ليس مجرد حجارة أو قطع أثاث بل مكان يفيض بالتفاصيل، التي تعيد صاحبه إلى شريط حياته.
وترسم مشهدا لأزهارها: السجاد، والنعناع، والمدادة التي جف معظمهما، أو تعرض للتكسير إثر سقوط جدار المنزل، لكن زهرة عرف الديك ظلت صادمة، ورصدت صور التدمير الذي طال البيوت والشوارع، وتوقفت عند بيت الجار حلمي ستيتي الذي أصبح أثرا بعد عين.
وتشير إلى أن جنود الاحتلال حذروا النساء من إدخال هواتفهن النقالة، ووضعوا لهن قائمة يمنع إخراجها من البيوت كاسطوانات الغاز والأدوات الحادة.
وتصف أبو زينة صعوبة اللحظة وقسوتها، فقد وجدت بيتها بلا نوافذ، فيما وصل التلف والتخريب للعديد من المقتنيات، وتحولت غرف المنزل إلى مكان مهجور اتخذته الحمام مكانا لبناء أعشاشه.
ولخصت: أجبرنا على النزوح في الشتاء، وها نحن نعود أقل من ساعة في الصيف؛ لتفقده وإحضار بعض المقتنيات، وفتح نوافذ الحنين واستذكار أجواء العائلة، قبل الاجتياح.
وتبين أنها فتشت عن أدوات مطبخ أساسية وملابس في منزلها لتصطحبها، رفقة أختها مريم إلى الشقة المستأجرة في أطراف المدينة، لكنها دخلت في لغة الحسابات والمفاضلة، فهي تعجز عن حمل ثقل كبير، كما أن الأجواء الحارة والطرق المدمرة وأكوام الركام تجعلها تحسب ألف حساب لما تخرجه من بيتها.
وينشطر بيت عائلة أبو زينة إلى 4 شقق، وكان يأوي الإخوة: علام، وسليمان، ومحمد والشقيقتين: نسرين ومريم، وسبق أن تعرض خلال اجتياح 2002 إلى تدمير كامل، قبل أن تعيد الأسرة تشييده من جديد، وفقدت بين جدرانه الأب والأم.
ووفق أبو زينة، فإنها كانت في الحادية عشرة من عمرها، حينما شاهدت بيت عائلتها المدمر تماما في الاجتياح الأول للمخيم.
وتستعرض تجربة النزوح خلال نحو نصف عام، فقد بدأت بالإقامة المؤقتة عند الأقارب، ثم الانتقال إلى بيوت مؤقتة، واستقر بها المقام في شقة مستأجرة.
وتصف كل يوم يمر في محنة المخيم بسنة كاملة، لكنها مسكونة بالأمل بالعودة والنهوض من جديد.
وتتابع أنها لم تخرج ملابس شتوية من بيتها، فهي تأمل بالعودة في القريب، وبانتهاء محنة النزوح القسري الذي يطال نحو 22 ألف مواطن، وسط معطيات غير نهائية تشير إلى تدمير قرابة 600 منزل في المخيم.
وتتوقف نسرين عند ابنة شقيقتها الطفلة حور، التي أحضرت لها والدتها دراجتها الهوائية بعد 6 أشهر من الانتظار.

