“جنين الحكومي”.. مستشفى على خطوط النار

عبد الباسط خلف- تسترد هيام عبد العفو أبو زهرة ذكريات قاسية عاشتها بعد وقت قصير من نكسة 1967، إذ منعت من الوصول إلى مستشفى جنين الحكومي لولادة ابنها البكر عماد، الذي شاءت الأقدار أن يصل المستشفى نفسه شهيدا بعد 30 عاما.
وتستذكر منع جيش الاحتلال المواطنين من التجول، بعد السادسة مساء، ما أجبرها على وضع ابنها في البيت، وليس في قسم الولادة حديث العهد وقتها.
وتقارن أبو زهرة، 78 عاما، بين الأوضاع السابقة للمستشفى الحكومي الوحيد في المدينة، الذي تغير اسمه لاحقا وارتبط بمدير الإسعاف والطوارئ في الهلال الأحمر الشهيد الدكتور خليل سليمان، وتتحدث عن صعوبة ظروفه الحالية.
وتقول إن أحوال المستشفى متشابهة في صعوبتها، فقد كان جيش الاحتلال يمنع المرضى من الوصول إلى المكان، واليوم يضايق عليهم أيضا، ويهدم المباني المجاورة.
ثمن يومي
ويشير مدير المستشفى، وسام بكر، إلى أن ما يتعرض له “جنين الحكومي” من مضايقات وتجريف وإعاقة منذ 21 كانون الثاني الماضي، لا ينفصل عن الظروف الصعبة التي يعيشها منذ خريف 2021.
ويؤكد أن المستشفى، الذي يضم 220 سريرا، يدفع ثمنا باهظا ويوميا بحكم موقعه، وقد جرى إغلاق مداخله عشرات المرات.
ويلاصق المستشفى في ساحته الخلفية مخيم جنين ودوار الحصان، ويعيش منذ يومين على وقع عمليات هدم وتجريف واسعة جدا للمباني في أطراف المخيم.
ويضم المكان 540 طبيبا وممرضا وإداريا وعاملا، وفيه العديد من الأقسام الجراحية والتخصصية، عدا العيادات الخارجية والأورام والأشعة والطوارئ.
ويبين أن المبني تعرض خلال السنوات الأربع الماضية للحصار وتجريف بنيته التحتية، وتدمير شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي والاتصالات، وعطلت خدمة جمع النفايات الطبية، عدا عن الاستهداف المباشر بالرصاص والغاز المدمع، كما أن الأجهزة والمعدات الخارجية وخزانات المياه طالها الرصاص، وزجاج المباني تعرض للكسر مرارا.
ووفق بكر، فإن الطاقم الطبي لم يسلم من الاعتداءات، إذ طال الرصاص الطبيب الجراح الشهيد أسيد جبارين، وأصاب 4 من طاقم المستشفى.
ويوضح أن وصول المرضى لم يكن طبيعيا في بداية العدوان الحالي، وتأخرت العمليات الجراحية، قبل أن يعود الوضع بالتدريج إلى سابقه، مع تراجع واضح في مظاهر الحياة خلال الليل؛ بفعل المخاطر المحتملة جراء قربه من المخيم.
ويستلقي “خليل سليمان” على 12 دونما تعود ملكيتها إلى خزينة الدولة ولبلدية جنين، ووضع حجر أساسه عام 1960، وبدأ بالعمل عام 1962.
وحسب حوار سابق لـ”الحياة الجديدة” مع المؤرخ المرحوم مخلص محجوب الحاج حسن، فإنه تعاقب على إدار المستشفى منذ انطلاقته الأطباء: وليد نجيب النابلسي، وحافظ أحمد الصدر، وعلاء الدين قاسم العورتاني، ومحمد إسماعيل أبو غالي، ثم نادر إرشيد، ونجي نزال، ووسام بكر.
ويتوقف مدير المستشفى عند اجتياح 2002 العصيب، إذ تحولت حديقته الخلفية إلى مقبرة جماعية للشهداء.
ويقول إن الجثامين وضعت في غرفة لثلاثة أيام، بعد انقطاع التيار الكهربائي عن المستشفى، وتوقف مولدات ثلاجات الموتى، ثم دفنوا في الحديقة، وأعيد تشييعهم بعد انتهاء الاجتياح.
ويشدد بكر على أنه رغم الظروف القاسية، فإن المستشفى يعتبر مركزا تدريبيا لدارسي الطب والتمريض والتخصصات الأخرى.
ويشهد “جنين الحكومي” حاليا عمليات تطوير في البنية التحتية لتوسعة قسم الكلى، وإضافة بناء جديد من 3 طوابق بـ1800 متر مربع؛ لاستيعاب الزيادة السكانية وتضاعف أعداد المرضى.
تحديات وجهود
ويفيد رئيس جمعية أصدقاء المستشفى، يوسف القاروط بأن المستشفى يواجه تحديات صعبة منذ 4 سنوات، يتسبب بها التجريف والخصار والاستهداف المباشر.
ويشير إلى أن المستشفى يواجه خلال الأشهر الستة الماضية انقطاعا متكررا للمياه بعد تجريف الخطوط الناقلة المتاخمة لمنطقة دوار الحصان.
ويوضح أن الجمعية التي تأسست عام 2012، ساهمت بتمويل المستشفى بتبرعات كبيرة قدمها أهالي المحافظة، ودفعت اشتراكا للتزود بالمياه من الجهة الشرقية، الأقل استهدافا، وبفعل عدم انتظام المياه بدأت تتكفل بنقل الصهاريج على نفقتها؛ لتعبئة خزانات قدمها مركز العمل التنموي/ معا.
ويذكر بأن “أصدقاء المستشفى” أجبرت على وضع حواجز معدنية مكلفة؛ خشية وصول الرصاص للمطبخ وللثلاجات وللعاملين فيه، كما أجرت صيانة لأكثر من 30 لوحا زجاجيا هشمتها الطلقات النارية.
ويبين القاروط بأن الأسوار الغربية تعرضت للهدم مرتين سابقا، ولم تستطع الجمعية بعد التقييم النهائي لأضرار هدم المباني الملاصقة به.
ويفرض استهداف المستشفى تحديات كبيرة أمام الجمعية التطوعية، التي تسعى لتطوير مرافقه، ولتوفير دعم وصيانة دائم له.