1

قتلة ولصوص في وضح النهار

بشار دراغمة- في لحظة، حول الاحتلال صباح نابلس الذي بدا عاديا في مطلعه إلى جنازة، مبددا نهار المدينة التي طوت ليلتها متأهبة كعادتها، واستعدت ليوم جديد من حياة تقبع على حافة الترقب.

في طرفة رعب، انقلب صباح نابلس من رائحة الخبز التي بدأت تشق طريقها في أزقة البلدة القديمة إلى رائحة الدم التي فاحت مع اقتحام جديد لقوات الاحتلال تركز في منطقة السوق التجاري.

في مدخل بناية تجارية، احتمى محمود الخراز مع مجموعة من المواطنين، يهرع العشرات عند مدخل تلك البناية بعد أن اقتربت منهم آلية احتلالية، ينجو البعض ويسقط محمود مصابا برصاصة في رقبته وفق روايات متطابقة لشهود عيان.

يصل مسعفون إلى المكان، يحملون محمود المصاب بينما نزيف الدم يتناثر من رقبته، لحظات ويعلن الأطباء في مستشفى رفيديا استشهاده بفعل تلك الرصاصة التي انفلتت من أصابع اعتادت على القتل واستسهلت الضغط على الزناد.

في مستشفى رفيديا، حيث يسجى الجثمان على السرير، كانت الدموع لا تذرف فقط، بل تنزف، والأهل لا يبكونه وحسب، بل يودعون قطعة من أعمارهم سرقت في وضح الدم.

الأصدقاء هناك واقفون كجبال من وجع، كل نظرة منهم تقول ما لم تعد اللغة قادرة على حمله، في عيون الحاضرين كان السؤال المعلق: إلى متى كل هذا القتل؟

لم يكن الاحتلال يكتفي بالقتل، فالسرقة في عرفه جزء من ممارسة معتادة.. تقدمت قواته نحو قلب السوق، هناك حيث الذهب يباع ويشترى، يتم اقتحام عدة محال ومصادرة ما فيها، ليتكرر الأمر ذاته في منطقة أخرى غرب المدينة مع محل للصرافة.

شهود رصدوا جنود الاحتلال وهم يحملون المحتويات النفيسة في صناديق، ويضعونها في آلياتهم العسكرية.

لم يكن الهواء في نابلس عاديا، كان سحبا كثيفة من الكراهية معلبة في عبوات غاز.. انسحب الأوكسجين من الأزقة، وامتلأت الرئات بما يكفي من الغصة لخنق الحناجر.

اختنق المسنون في عتبات بيوتهم، وسقط الأطفال على الأرصفة كأنهم أوراق خريف باغتها السم.

في وجه الرصاص المدرب، وقف الشبان بسلاح الأرض الحجارة.. لم تكن أيديهم تحملها فقط، بل كانت أرواحهم هي التي تقذف بها.. كل حجر يطير كان يشبه القلب، نابضا وغاضبا.

يقول أحد الشبان الذي امتشق لتوه حجرا: “لا نواجه الاحتلال لنكسب المعركة، بل لنعلن أننا أحياء رغم كل ما يراد لنا من موت”.

كان الغضب أكبر من الخوف، وكانت حجارة نابلس أثقل من رصاصهم، لأنها تحمل في صمتها تاريخا من وجع لا يهزم، هي قناعة شبان المدينة الذين هبوا مرددين عبارات رفض المحتل، ورسائل يبعثونها على شكل حجارة.