1

أريحا تنزف اقتصاديًا خلف البوابات الحديدية

عماد أبو سمبل- منذ مطلع عام 2023، بدأت قوات الاحتلال بتكثيف إجراءاتها الأمنية على مداخل مدينة أريحا، عبر نصب بوابات حديدية ومكعبات إسمنتية، في خطوة تصعيدية أدت إلى خنق المدينة اقتصاديًا واجتماعيًا.

في الثاني والعشرين من آذار 2023، أقامت قوات الاحتلال بوابتين حديديتين عند المدخل الجنوبي لأريحا، تحديدًا عند دوار المدينة. تلا ذلك، في الأول من أيار، إغلاق المدخلين الشماليَين بواسطة مكعبات إسمنتية وبوابات حديدية، بالإضافة إلى إغلاق المدخل الشرقي بالمكعبات ذاتها، لتُحكم بذلك طوق الحصار على المدينة.

وجاءت هذه الإجراءات بذريعة “الأوضاع الأمنية” والتوترات التي شهدها مخيم عقبة جبر القريب، والذي اقتحمته قوات الاحتلال عدة مرات بزعم وجود “كتيبة مسلحة” داخله. إلا أن هذه الخطوات انعكست بشكل مدمر على الحياة اليومية في أريحا، خاصة على الصعيد الاقتصادي.

الاقتصاد في قبضة الحصار

تسببت الإغلاقات في ارتفاع كبير لتكاليف النقل، إذ اضطر السائقون إلى سلوك طرق بديلة طويلة ووعرة، ما زاد من زمن الرحلات وكلفتها. كما لحقت أضرار بالغة بالقطاع الزراعي، حيث عانى المزارعون من صعوبات في تصدير منتجاتهم، وعلى رأسها التمور، نتيجة إغلاق المعبر التجاري على جسر الملك حسين.

ولم يكن القطاع السياحي أفضل حالًا، إذ تراجعت الحركة السياحية إلى المدينة، ما أثر سلبًا على الفنادق والمطاعم والمحال التجارية التي تعتمد بشكل كبير على الزوار.

تجار: “لم نشهد هذا الركود منذ عقود”

قال عدد من تجار المدينة لـ “الحياة الجديدة” إن الحركة التجارية في أريحا وصلت إلى مستويات غير مسبوقة من الركود، لم يشهدوها منذ عشرات السنين. وأضاف أحدهم: “المحال شبه فارغة، والبضائع تكدست على الرفوف، فلا حركة بيع ولا زبائن”.

أما الطلبة، فكان لهم نصيب من المعاناة، إذ أشاروا إلى أن إغلاق المداخل لا يقتصر على أريحا وحدها، بل يشمل مدنًا أخرى، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف السفر اليومية. وقال أحدهم: “نضطر لاستخدام طرق أطول للوصول إلى جامعاتنا، وهذا يُثقل كاهل أسرنا التي تعاني أصلًا من ظروف اقتصادية صعبة”.

حصار ممنهج وسياسة عقاب جماعي

يرى كثيرون في هذه الإجراءات استمرارًا لسياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها قوات الاحتلال بحق المواطنين، إذ لا تفرق بين طالب علم أو تاجر أو مزارع، ما يعمّق من معاناة المواطنين، ويشلّ مفاصل الحياة في مدينة تُعدّ من أقدم مدن العالم وأكثرها حيوية في فلسطين.

أضرار جسيمة في قطاعي التجارة والسياحة

يؤكد رئيس غرفة تجارة وصناعة أريحا والأغوار تيسير الياسيني  أن الأضرار التي لحقت بقطاعي التجارة والسياحة في محافظة أريحا والأغوار منذ أحداث 7 تشرين الأول 2023 كانت كبيرة بسبب حصار مدينة أريحا  أكثر من مرة، بالإضافة إلى فرض حواجز احتلالية على مداخلها ومخارجها بشكل مستمر.

ويلفت إلى أن حواجز الاحتلال بدأت منذ شهر آذار 2023، ثم استمرت إلى ما بعد إعلان الحرب على شعبنا في تشرين الأول 2023، منوهاً إلى أن الإغلاقات المستمرة وجهت ضربة للقطاعين الرئيسين وهما السياحة والزراعة،  إذ تراجعت ايرادات قطاع الزراعة بنسبة 80%، والسياحة بنسبة 100%، الأمر الذي أضر بباقي القطاعات.

ويشير إلى أن الحال تحسن قليلاً لاحقاً، إذ وصلت ايرادات قطاع السياحة إلى نحو 60% مقارنة مع وضعه الطبيعي، أما قطاع الزراعة فقد تعرض لضربة كبيرة في بداية الإغلاقات  وتحديداً في شهري كانون الثاني وشباط عام 2023 بسبب تزامنه مع دورة خضراوات في مدينة أريحا، ما أدى إلى تلف المزروعات أو نقلها إلى سوق المدينة المركزي، وبالتالي عدم تمكن التجار من الوصول إلى السوق وشحنها إلى محافظات أخرى نتيجة الإغلاق، الأمر الذي ألحق خسائر كبيرة بالمزارعين نتيحة انخفاض الأسعار في أريحا بسبب زيادة المعروض مقابل العرض.

كما يذكر الياسيني أن عدداً كبيراً من المنشآت السياحية أغلقت بشكل كامل إبان الإغلاقات خلال العام الماضي وتم تسريح العديد من العمال أو منحهم رواتب جزئية في ظل عزوف السياح.

أما خلال شهري أيلول وتشرين الأول الماضيين، فيؤكد ياسيني أن اقتصاد المحافظة دخل في حالة ركود كبير متأثراً بتراجع الدورة الاقتصادية بشكل عام، في ظل استمرار عدم توجه قرابة (200) ألف عامل إلى أعمالهم داخل الخط الأخضر،  وعدم تلقي موظفي القطاع العام لرواتب كاملة، واستمرار فرض الحواجز، وفرض الحصار على المدن والبلدات الفلسطينية.

ويضيف”الحواجز على مدينة اريحا تفرض واقعاً اقتصادياً صعباً، فأحياناً يتم إغلاق الحواجز ساعتين أو أكثر حسب مزاج جنود الاحتلال، وبمجرد الإعلان عن إغلاق الحواجز ولو لفترة قليلة، فإن المتسوقين والسياح لا يأتون إلى المدينة”، مبيناً أن إغلاق المعبر التجاري على معبر الكرامة أضر باقتصاد المدينة كذلك، كوننا في موسم تصدير التمور، وهناك إعاقات تتعلق بالتصدير، مشيراً إلى أن إنتاج المدينة هذا العام من التمور وصل إلى (22) ألف طن، يفترض أن تصدر إلى (30) دولة حول العالم، لكن رغم النجاح في تمرير كميات للتصدير عبر معبر وادي عربة ومن ثم إلى الأردن ومن هناك إلى باقي دول العالم، إلا أن المعيقات أمام التصدير كبيرة في ظل الإغلاق المتكرر للمعبر التجاري عبر معبر الكرامة.