عبد الباسط خلف- كان الفتى أحمد عبد الحليم السعدي (16 عاما) يجلس على درج بيت عائلته، في الحي الشرقي لمدينة جنين، ولم يعلم أنه سيكون صاحب الرقم (22) من بين شهداء العدوان المستمر منذ 12 يوما.
ونقل أحمد من دفء بيته إلى برد ثلاجة الموتى في بلدة قباطية المجاورة، بعد أن تحول إلى أشلاء بفعل صاروخ طائرة مسيرة احتلالية.
وسرد ابن عمه، أشرف، بصوت حزين اللحظات الأخيرة التي عاشتها العائلة، إذ كان أحمد داخل حرم منزله، المجاور لديوان العائلة، الذي كان يستضيف بيت عزاء، قبل أن تستهدفه طائرة إسرائيلية ويتحول إلى أشلاء، وينفصل رأسه عن جسده.
وأشار إلى أن أحمد هو الابن الأصغر في أسرته، إذ يسبقه الأشقاء: أيسر وإبراهيم وأسيد، وأختان، فيما كان يرافق والده في ورش البناء خلال طفولته، وعشية إجازاته الصيفية.
وأضاف السعدي أن ابن عمه كان يحلم بأن يكون مهندسا، لإعانة والده في تشييد المنازل، ودخل إلى قلبه عشق الرسم ولعبة كرة القدم، إضافة إلى قيادة الدراجات الهوية في شوارع الحي، بالرغم من إصابته بالربو.
وأكد لـ”الحياة الجديدة” بأن القصف الإسرائيلي استهدف عدة شبان كانوا يهمون بتناول طعامهم، حوالي السادسة والنصف مساء، في محيط بيت العائلة وديوانها.
وفاحت الأحزان من رواية مدير مدرسة عز الدين، أيمن القرم، التي كان السعدي أحد طلبتها، فقال إن أحمد أحب الجلوس في منتصف صفه التاسع، وكان يعاني أزمة صحية منذ طفولته، واضطر لتكرار الغياب لظروف عائلته ومطارده الاحتلال لشقيقه أيسر.
وبين بأن أحمد لن يتمكن اليوم الأحد من حضور حصة “التييمز”، ولن يكون بوسعه سؤال معلميه عن شهادة الفصل الأول.
وذكر القرم بأن صف السعدي فيه 36 طالبا، تقلصوا إلى 35، مثلما تكرر الحال مع الشهيد خطاب مجد بدوية، ابن الصف التاسع الذي ارتقى مطلع آب 2024، وهو ما حدث مع ابن عائلة جبارين، الذي قضى وهو على مقاعد الدراسة عام 2022.
وأكد أن المدرسة تخطط لتخليد ذكرى الفتى السعدي، عندما تنتظم الدراسة، وأنها ستضع إكليل ورد على مقعده وسجله الدراسي.
أنهار أحزان
فيما قال سمير السعدي، الذي يقيم ليس ببعيد عن البيت المستهدف، إن أحزان عائلته تتوزع على خمس ثلاجات للموتى، إذ يمضي ابنها خليل طارق في مستشفى جنين الحكومي، منذ 12 يوما، بينما يتواجد في ثلاجات قباطية الخمسيني عبد الوهاب، منذ أول يوم في العدوان الواسع على المدينة، وأمس أضيف إلى الثلاجة ذاتها الفتى أحمد، ثم التحق بهم الممرض تمام السعدي والشاب نور الدين السعدي.
ورأت أمل الشيخ، القاطنة في الحي الشرقي، إن الأحزان في جنين تتسع، وأنها فقدت خلال 12 يوما 3 أطفال وفتية بدم بارد.
في سياق ذي صلة، ذكر مدير مستشفى جنين الحكومي، وسام بكر لـ”الحياة الجديدة” أن الاحتلال أبلغ الهيئة العامة للشؤون المدنية بالموافقة على دفن 9 شهداء يتوزعون على 3 مستشفيات: خليل السعدي، ويوسف أبو عواد، ومعتز أبو طبيخ في “الحكومي”، وأمين الأسمر ورائد أبو السباع في “ابن سينا”، وعبد الوهاب السعدي، ومحمد صبّاح، وعبد الغول في قباطية.
وأكد أن الجثامين التسعة استشهد أصحابها منذ اليوم الأول للعدوان، وحالت الظروف دون أن يتمكن أهلهم من دفنهم حتى الآن.