You are currently viewing المرأة الفلسطينية الريفية.. تاج الأرض وحارسة البيدر

المرأة الفلسطينية الريفية.. تاج الأرض وحارسة البيدر

العربية فارسی كوردی‎ עִבְרִית Türkçe Français Deutsch Italiano Español English
شبكة فرح الاعلامية:

عبير البرغوثي

في الخامس عشر من تشرين الاول من كل عام، يحتفل العالم بيوم المرأة الريفية، إقرارًا أمميًّا بدورها وتقديرًا لجهودها الخيّرة والنيرة، ولأن الفلسطينيات هن حارسات البيدر، عبر التشبث بالأرض في وجه رياح الاستيطان العاتية، لا ينال من عزيمتهن الظلم والتهديد والتعب، ففي كل صباح ينتصرن على تعب الأمس، ويواجهن تحديات اليوم بيد تقدم العون والبناء لأسرة تبني أجيالاً ممن يعرفون أن سواعد هؤلاء الأمهات ومن قلب هذه الأرض فتحت لهم أبواب الجامعات وأبواب المستقبل، كل التقدير لهذه الرموز من سيدات فلسطين وسنديانات الصمود وصانعات الحياة، معهن تبدأ وبأيديهن تبقى الأرض ويبقى التراث وتبقى فلسطين.

في اليوم العالمي للمرأة الريفية كان لـ “الحياة الجديدة” هذه الإطلالة على فلسطينيات مكافحات صنعن حياةوبنين أمجادًا، لتسلط الضوء على سر كفاحهن وارتباطهن بالأرض والتراث، وكيف شكلن الضامن الأهم للحفاظ عليهما، ومن على منبرنا ننقل رسائلهن الى نساء العالم فماذا يقلن؟

فاطمة وفيق.. ثلاثون عامًا في “صناعة القش”

هن الأقرب الى قلب فلسطين لأنهن جزء منها، ويزددن عطاءً يومًا بعد يوم، لا الظروف الصعبة تحد من أحلامهن، ولا حتى الحروب قادرة عن إيقاف مسيرتهن في حماية الأرض والتراث من سرقة المحتل، يعملن برشاقة رغم صعوبة كل تعب ويتحدين كل صعاب ويتجاوزن كل معيقات، بابتسامة أمل ومحبة وطن ينتجن ويعملن وينظرن الى أن القادم دائما أفضل، حقًّا إنهن سيدات تميزن بعطائهن الذي نعتز ونفخر، دامت هذه السواعد ودامت هذه الثقافة ودامت الحياة العزيزة والكريمة بين أهلها.

فاطمة وفيق من بلدة جماعين/ نابلس، تعمل في الأعمال اليدوية منذ كان عمرها 15 عامًا، وتناقلت حرفة صناعة ” أطباق القش التراثية الكبيرة” من والدتها، وأكملت اليوم 30 عاما من العمل في هذا المجال، فكما تقول: “بيني وبين العمل في صناعة صواني القش حب وعشق، وسأعمل فيها حتى آخر دقيقة في حياتي، كما سأعمل على توسيع عملي في مجال صناعة الزعترالبلدي والزيتون المخلل والخروب، خاصة بعد الحرب وانعكاسها على الوضع الاقتصادي ما أثر على عملية البيع وتسويق المنتجات، وفي اليوم العالمي للمرأة الريفية اقول لكل امرأة فلسطينية ولكل امرأة عربية ومسلمة: إن العمل هو سر الحياة وهو سر الوجود، كما أقدم تحية لكل نساء العالم حاملات راية السلام والمحبة، تحية لهن من القلب، وأمنيتي في هذا اليوم هي  أن يسود الحب جميع أنحاء العالم وأن يحل السلام في كل مكان، وعلى صعيد شخصي أتمنى أن أتوسع في عملي وأن أنقل هذه الحرفة للجيل الجديد، نريد أن نحافظ على تراثنا من السرقة من احتلال يسعى لسرقة تراثنا من أكلات فلسطينية والثوب الفلسطيني المطرز ونسبه له”.

كل يوم..  هو يومهن

حقًّا هي صورة الفارسة الكنعانية الحارسة بكل شموخ لإرث وقطعة مقدسة تتوارثها الأجيال، جيلاً بعد جيل، قد يتركها البعض وحيدةً في مقارعة التحديات، وقد تضعها الظروف مباشرةً في وجه الاحتلال، الا أنها لا تستسلم، صباحها نشاط، ونهارها عمل وغدها أمل.

رانة أبوعياش/ بيت أمر شمال الخليل، تعمل منذ 24 عاما في تصنيع “دبس العنب” والمربى “، وزراعة السفرجل، تعمل أبوعياش بكل جد واجتهاد خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة ومرض زوجها وحاجته للعلاج”.

تقول أبوعياش: “المرأة ليس لها يوم محدد، وأقول دائمًا إن المرأة المكافحة يجب أن تحافظ على عملها واستقلاليتها، يجب أن نثبت وجودنا في هذا الكون، سواء كربات بيوت أو مزارعات أو عاملات في أي مكان، يجب على المرأة أن تكون على قدر المسؤولية والتميز في أي مكان تعمل به، ورسالتي لكل امرأة في العالم أن تعمل على تطوير أية موهبة لديها قدر الامكان ومهما كانت الظروف صعبة والتحديات أمامها كبيرة وأمنيتي في هذا اليوم أن أنجح في توسيع مشروعي وتشغيل النساء والفتيات اللواتي يعشن  ظروفًا صعبة”.

صفاء خراز.. شيف “سفرة زمان”

فلسطينيات يصنعن من منتجات الارض حياة وغذاء وأمنًا ويكتبن صورة “البقاء” في وجه من يديرون ظهورهم للأرض والتراث، يسعين إلى تحقيق الإكتفاء الذاتي وتطوير مشاريعهن، انتقلن من تسويق منتجاتهن من السوق المحلي إلى السوق الخارجي، ومهما كانت الصعوبات يتخطينها برشاقة، لا تقرأ في قاموس حياتهم مفردة مستحيل ولا مترادفاتها.

صفاء خراز/ محافظة طوباس، تعمل في الأساس سكرتيرة في مدرسة حكومية، لكن ظروف مرض زوجها وسوء الاوضاع الاقتصادية جعلاها تلجأ إلى تحسين دخل العائلة بتصنيع منتجات فلسطينية مثل: الزعتر البلدي، المخللات، رب البندورة،الفريكة البلدية، الملوخية الناشفة، واللبنة الطازجة”.

وفي يوم المرأة الريفية تقول خراز: “كل يوم هو عيد للمرأة، ونحن نعمل ونجتهد وننجز طوال العام، عملت على مشروعي وأصبح له اسم وماركة بعنوان “سفرة زمان”، بدأت برأسمال بسيط في عام 2008، واليوم وسعت مشروعي وأنشأت مكانًّا خاصًّا به ووظفت فتيات لديهن ظروفا اقتصادية صعبة، منتجي اليوم موجود في السوق الفلسطينية في كل المحافظات وحسب احتياج كل منطقة، مشروعي شكل لي ولعائلتي اكتفاء ذاتيًّا، تمكنت من خلاله من تأمين مصاريف علاج زوجي وتعليم أبنائي، كما أتلقى اليوم عروضًا لارسال منتجاتي الى بريطانيا وأميركا وألمانيا والسعودية والإمارات، كما أشارك في المعارض وأسواق “الحرجة” التي يتم تنظيمها في فلسطين، واذا أردت توجيه رسالة من خلالكم فإنني أقول: نساء فلسطين مناضلات، مكافحات، ولا ننتظر من احد أن يقول لنا إننا مبادرات، وبالنسبة لي العمل ليس فقط من باب الحاجة المادية، لكن الانتماء للوطن ولتراثنا شيء ثمين يجب ايضًا أن نربي أولادنا عليه وننمي حبهم لأرضهم ووطنهم، خاصة في عالم التكنولوجيا الذي يغرق فيه أولادنا اليوم”.

“أنتِ ما في مثلك”

“لئن شكرتم لأزيدنكم” آية قرآنية، تشكل دستورًا وقانون ارتباط الفلسطينيات بالأرض والوطن، ولكن قصة عطاء هذه الفئة من نساء فلسطين تبقى مميزة رغم حجم التضحيات والتحديات والمضايقات التي تعاني منها هؤلاء النسوة في تأمين متطلبات عملهن في الأعمال اليدوية في ظل الظروف الحالية، فهي ليست متاحة بالطرق الميسرة أو في متناول الأيدي، استمرار دورهن في بقاء هذه المنتجات ووصولها لكل مائدة فلسطينية هدفٌ لاستمرارهن، لأن نجاحهن في ذلك طريق مهم لدورهن في تأمين احتياجات أسرهن.

نجلاء عبد الحليم محمد أبوعياش/ من بيت أمر شمال الخليل، وتعمل في مجال تحويل الخضار والفواكه التي تقوم بزراعتها في أرضها إلى منتج وطني وأهمها تحويل العنب إلى دبس العنب، نجلاء تقوم بالتسويق على مستوى السوق المحلي وبدأت مشروعها منذ 24 عاما، رسالة نجلاء للمرأةالفلسطينية: “أنتِما في مثلك،بقدرتك على التحمل والصبر وقدرتك على التصنيع والإنتاج من أية مادة تملكينها، جهاد المرأة الفلسطينية الحقيقي هو صبرها، فنحن أمهات ومربيات ومنتجات، ولنا دور فعال في المجتمع، نحن ملكات الأرض، نعمل بحب وشغف ودون كلل أو ملل، إلى جانب دورنا في تربية اطفالنا وتعليمهم ودعم عائلاتنا اقتصاديًّا، وأمنيتي في هذا اليوم أن استمر في العمل في مهنتي التي أحبها حتى آخر يوم في عمري” .

شادية إبراهيم رائدة صناعة الأكلات الشعبية

في أصعب الظروف وأحلكها أظهرت نساء فلسطين قيمة اجتماعية واقتصادية عالية بعملهن وصمودهن في كافة المجالات، وفخرهن بما يقدمن لهم وللمجتمع، هن ملكات الأرض ولسن عابرات سبيل يعملن طوال العام ولا موسم محدد لانتاجهن.

شادية ابراهيم محمود حشيش / الناقورة – نابلس، وهي خريجة جامعة النجاح الوطنية اختصاص تربية وعلم نفس، عملت في المدارس الخاصة لمدة 20 عاما، الا أن سوء الاحول الاقتصادية دفعها للتفكير في تأسيس مشروع خاص بها في تصنيع الخل والسمسم واللبنة البلدية والمكدوس واتخذت من منزلها مقرا لتنفيذ مشروعها، وهنا تقول حشيش: ” بدأت بتأسيس مشروعي برأسمال قدره 1000 شيقل، كما تمكنت بمساعدة مؤسسة خاصة دعمت مشروعي من تسويق منتجاتي في السوق الفلسطينية”، وتضيف حشيش: “المرأة الفلسطينية قادرة أن تعمل في كل مجالات الحياة بشرف وكرامة ولا أخجل من عملي الذي ساعدني على تعليم أبنائي وحصولهم على شهادة الماجستير كما مكنني من بناء منزلي الذي نقطن فيه اليوم، أمنيتي أن يعطيني الله الصحة لأستمر في عملي ويحقق حلمي في تأسيس مصنع لصناعة خل التفاح وتشغيل نساء بلدي فيه”.

وعندما سألناها ماذا يعني لك يوم المرأة العالمي للمرأة الريفية، أجابت: “وهل للمرأة يوم؟ كل يوم هو للمرأة ولا داعي لأن يخصصوا لها يومًا، المرأة لا تحتاج الى عيد فكل يوم هو عيد لها، أقول لكل امرأة أن تحافظ على عزة نفسها وأن تعمل من أجل ان تكون مستقلة ماديا ولا تحتاج الى أحد، وأن تأكل لقمتها من عرق جبينها”.

المرأة الفلسطينية المنتجة..تحتاج دعمًا دائمًا

وتستمر حكاية الصمود والعطاء تنقلها الكنعانيات جيلاً بعد جيل، وتتراكم التجارب والخبرات ويتعاظم الدور وتزداد الخيرات، فكما تقول الفلسطينيات، “نحن نهتم بكل التفاصيل، ونستذكر كل صغيرة وكبيرة، ونتعلم من الأخطاء، ونحتاط لكل الظروف، لا شيء يمنعنا من تحقيق أحلامنا ولا الاستمرار في الحفاظ على أرضنا وتراثنا.

آمنة فايز سالم وصفي/ رئيسة جمعية الإبداع التعاونية للتصنيع الزراعي دير بلوط، والهدف منها تمكين النساء من أعضاء الجمعية اقتصاديا واجتماعيا، حيث تضم 23 عضوًا من النساء و7 أعضاء من الرجال،تتخصص الجمعية في مجال صناعة مخلل الفقوس، ورب البندورة، والشطة، وغيرها من المنتجات التي مصدرها الأرض.

تقول آمنة : “اعتبر أن يوم المرأة في أي مجال هو يوم متميز يخص أي امرأة مكافحة وماذا انجزت وحققت، المرأة الفلسطينية تعمل جنبا إلى جنب مع الرجل وهي بحاجة الى دعمها بشكل مستمر، كما يجب دعم المشاريع التي تضم أكثر من امرأة، كما نعمل اليوم على تصنيع مادة ” المفتول الفلسطيني “ونسعى إلى تسويقه داخل فلسطين وخارجها كمادة بديلة الرز في العالم”.

سنية أبو عيد.. مشروع زراعة عضوية

سنية أبو عيد/ الزاوية – سلفيت، تعمل في الارض منذ 3 سنوات، مشروعها يحمل اسم “زرعاتي” ويقوم على زراعة نصف دونم أرض بالخضار الصحية العضوية وسقايتها بطريقة التنقيط، منتجها الصيفي من الأرض” ملوخية، بامية، خيار، كوسا، فقوس”ـ أما في الشتاء فمنتجها يكون “فول، بازيلاء، بروكلي، زهرة، ملفوف، .. الخ”، تقول سنية: “بدأت مشروعي بدعم من مركز التعليم في جامعة بيرزيت، حيث تم تدريبي لمدة 7 شهور في مجال الزراعة وساعدوني بعمل خطة المشروع ودعمه ماديا بثلاثة آلاف دولار ضمن المشاريع الصغيرة، في مشروعي استخدم البذور البلدية التي تقاوم الآفات الزراعية، حيث يكون هناك تناغم بين البذورة والتربة ومقاومة عوامل الطقس، وماديا هي أوفر من باقي البذوروفي مشروعي لا أستخدم المواد الكيماوية. الحمدلله اليوم أصبح لدي زبائن ينتظرون المحصول ويقومون بشراء المنتج من المزرعة مباشرة”.

وتضيف أبوعيد: “في يوم المرأة الريفية رسالتي للنساء أنتن نصف المجتمع إذا لم تكوني المجتمع كله، كوني سندا لنفسك، ولا تعتمدي على أحد وحافظي على “أرضك، أنت قادرة أن تنتجي وتستقلي ماديا، وأن ترفعي مكانتك الاجتماعية،ونحن لسنا ضلعا قاصرا، في هذه الظروف الصعبة التي نعيشها اليوم، الأرض هي السند”.

وعن أمنيتها في هذا اليوم تقول أبو عيدة” إلى جانب حلمي بتوسيع مشروعي، أمنيتي أن تقوم المؤسسات الداعمة  للمزارعين بتوفير آبار مياه في الاراضي الزراعية نظرا لانقطاع المياه معظم أيام السنة إلى جانب ارتفاع فواتير المياه”.

الأرض.. كنزنا

الزراعة في ظروف كل بلد تعتبر من الأعمال الصعبة، فيهرب منها الكثيرون لمهام قد تبدو أقل جهدًا وأحيانًا اقل عائدًاً، ولكن في نظر نساء فلسطين الريفيات هذا عيب، ترك الأرض وهجرها علامة فشل وضعف، لأن القوة تتعزز بالصلة بالأرض لا بالابتعاد عنها، “الوظيفة تزول والارض تبقى” حكمة من جعلن من زراعة الارض التي هجرها أو استصعبها الكثيرون نموذجًا متميزًا للحياة الايجابية، فنساء فلسطين الريفيات لسن  مجرد عاملات في الارض، هن مقاومات، منتجات، قوة مثال حقيقية لنساء ينتصرن ولا يستسلمن أمام تحديات او مغريات تبسيط الامور، هن متعلمات ومثقفات وخريجات جامعات، وقع اقدامهن في طريقهن للحقول تعلن كل صباح، القوة ليست جسدية فقط، القوة هي الارادة والرغبة، يتردد صدى ذلك بأغنيات للأرض ومواويل للفرح وأهازيج لكل موسم تذكر الجميع بان البقاء لمن يعشق الارض ويعمل بها.

اطبع هذا المقال