عبد الباسط خلف- تحفظ السبعينية هيام عبد العفو أبو زهرة، وصية ابنها الشهيد الصحفي عماد صبحي أبو زهرة، الذي أقنعها بتأسيس جمعية نسوية مختصة بالتراث الشعبي، وفتش لها عن بيت عتيق في قلب جنين القديمة لترميمه وتدشين جمعية تراثية فيه.
وأكدت أن ابنها حينما كان يشاهدنها وهي تمارس هواياتها ببراعة في صناعة الأشغال اليدوية والوجبات التراثية، ألح عليها تطوير عملها، وتمنى عليها نقل مواهبها إلى نساء جنين، خشية اندثار هذه التفاصيل.
وقالت أبو زهرة، التي أبصرت النور في جنين منتصف آذار 1947، إن بكرها واصل الإلحاح لتسجيل الجمعية النسائية الثقافية للتراث الشعبي، وترميم بيت مهجور لآل عبد الهادي يعيد الحياة لتقاليد وعادات ومفاهيم توشك على الاندثار.
وأفادت بأن عماد رسم لها خطة لإنجاح الفكرة، وساعدها في التواصل مع جهات مهتمة بالمعمار القديم ومنع البيوت القديمة من السقوط، لكنه استشهد خلال عمله الإعلامي وسط جنين، في 12 تموز 2002، وواصلت هي تحقيق أحلامه.
وأوضحت بأنها بدأت بالتحرك، وبحثت عن مجموعة سيدات لتشكيل هيئة إدارية للجمعية، ولطرق باب مؤسسات وجمعيات لصون سر الابن.
واستردت أم عماد، التي كانت سعيدة بنجاحها في ترميم البيت التاريخي مرة أخرى، هذا العام، تفاصيل عديدة لدورات تعليم خياطة، وإنتاج غذائي تراثي، وتطريز، وتثقيف، وتوعية، وبيئة، وتطوع.
وأشارت إلى أن أحدث قائمة من المستفيدات تضم 32 سيدة، حصلن على الكثير من المهارات العملية والنظرية، الخاصة بالتراث وحمايته، إضافة إلى منتدى مرج ابن عامر النسوي البيئي، المشترك مع مركز التعليم البيئي.
60 أمًلا
وبحسب أبو زهرة، التي نالت الثانوية العامة عام 1966 وعملت معلمة، فإن الجمعية نجحت مؤخرًا بالرغم من العقبات الكثيرة في تنفيذ 60 نشاطًا، مثلما شاركت الجمعية في معارض وأيام ثقافية وملتقيات محلية وعربية، كان عنوانها المشترك الترويج للتراث.
ومما تفاخرت به أم عماد، أن الجمعية استطاعت الترويج للتراث بكل السبل، وتمكنت في تعليم فتيات وجامعيات الكثير من المهارات، وأقنعتهن بالعودة إلى الأطباق التراثية، التي بالكاد يسمع عنها الناس.
وقالت إن التراث لا يقتصر على الماديات والأطباق والمهارات والعادات والتقاليد، لكنه أرث طويل وأمثال ومواسم وتفاصيل صغيرة تدخل في كل مفاصل حياتنا.
وأفادت والحزن يسكنها على ابنها الذي يذكرها به كل شيء في الجمعية، بأنها بدأت فعليًا عام 1995 ومجموعة من نساء جنين بتأسيس هيئة تعنى بإعادة الحياة إلى التراث الفلسطيني وتعريف الأجيال الشابة به، وبتشجيع من عماد الذي أطلق على المكان اسم “من زمان”.
“نملية” وصحيفة
نالت أم عماد في 22 نيسان 2003 ترخيص الجمعية، وخلال 21 عامًا استطاعت نشر رسالة تراثية عبر ندوات ومحاضرات وأيام تسويقية ومشاركات في نعارض، كما أسست متجرًا لبيع المأكولات التراثية والمشغولات اليدوية يحمل اسم (نملية)، التي تعني خزانة حفظ الطعام بالتسمية القديمة.
واستعادت تفاصيل ابنها الشهيد واستذكرت حبه لمدينته، فهو الذي كان يطلق على نفسه “أبو جنين”، وراح منذ طفولته المبكرة يلتقط صور حاراتها ونخيلها ومسجدها القديم وأسواقها وأدواتها العتيقة، ويجمع كل شيء يمت للمدينة بصلة، وأسس جريدة “جنين”، وكان كل أسبوع يحاول البحث عن الماضي ويقدمه للجيل الجديد ويذكر الكبار به.
تهتم أم عماد ورفيقاها الثماني: وفاء أبو لبدة، وفداء وسهير أبو الرب، وهيام الشرفي، وسميرة ستيتي، ودلال قدسية، وأمل عزوقة، وكفاح حساسنة بالتراث الشعبي، ونجحن في نقل المعرفة في صناعة المطرزات والقشيات والأعمال التراثية والفنون اليدوية والمشغولات للشابات وات اللائي تنقصهن الخبرة فيه، ونفذن فعاليات لفنون التطريز والرسم على الزجاج استخدام الخيش كستائر.
واحتفظ مقر الجمعية قبل ترميمه، بأدوات قديمة كالغربال وأواني وجرار لحفظ الماء واللبن، و”ببور” الكاز، ولوحات ومطرزات، وقشيات.
200 عام
وبيّن المهندس محمود يحيى، الذي أشرف على ترميم المكان إنه استغرق مع فريقه 3 أشهر لإتمام العمل، وحرصوا على رعاية الطابع المعماري القديم، الذي يعود على الأقل إلى 200 عام.
وقال إن مساحة المقر 400 متر، وكان بمثابة حوش لعائلة عبد الهادي، وشارك فيه 30 عامًلا بتمويل 89 ألف دولار من الصندوق العربي الكويتي، لكنه الأكثر تعقيدًا معالجة تسوس الحجارة، وعدم المس بالطابع التراثي للمكان.
وأكد يحيى أن نظام المباني القديمة مصمم للتغلب على العوامل الجوية المحيطة، بفعل سماكة الجدران، ووجود القباب التي تشتت الشمس، والنوافذ المرتفعة لتصاعد الهواء الساخن.