You are currently viewing “دفاتر مايا”.. كولاج الحنين والألم !

“دفاتر مايا”.. كولاج الحنين والألم !

العربية فارسی كوردی‎ עִבְרִית Türkçe Français Deutsch Italiano Español English
شبكة فرح الاعلامية:

ضمن فعاليات مهرجان أيام فلسطين السينمائية الدولي، ، فيلم “دفاتر مايا” اللبناني، وهو الفيلم الفائز بجائزة سعد الدين وهبة لأفضل فيلم عربي في الدورة الأخيرة من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي العام 2021، وقد عُرِضَ سابقاً في إطار المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائي.

شارك في إخراج “دفاتر مايا” كلٌّ من جوانا حاجي توما، وخليل جريج، وهو مستوحىً من حياة المخرجة جوانا حاجي توما، فقد سبق وأن صرّحت بأنها قامت بكتابة الرسائل بصورة يومية مثلما فعلت “مايا” بطلة فيلمها خلال الحرب اللبنانية.

تبدأ أحداث الفيلم بعائلة صغيرة مكوّنة من ثلاثة أجيال من النساء اللبنانيات، الجدة والأم مايا والابنة أليكس، يضعن اللمسات النهائية على احتفالاتهن الحميمة بالعيد، إلى أن يَصِل من لبنان صندوقٌ كبيرٌ للأم، وتحاول الجدَّة إخفاءه بعيداً عن عيون ابنتها حتى تكتَشِفَهُ بالصدفة، ويصدِمها كما لو أنه شبحٌ حقيقيٌّ تجسّد من الماضي.

خُفيَةً تفتح الابنة أليكس صندوق أمّها، وتبدأ في التعرف على نسخة أخرى من مايا، مختلفة تماماً عن الأم التي عرفتها منذ الولادة، شابة تمتلئ حيويةً وحبّاً للحياة، عاشت في ظروف مُخيفَة خلال الحرب، فقدت أخاً وأباً، ولكن ذلك لم يمنَعْها عن حبٍّ أوّل كبير، أو إقامة علاقات صداقة مليئة بحميمية ودفء سنين المراهقة والشباب.

كانت هذه الدفاتر والتسجيلات الصوتية هي الدافع الأهمّ للحياة بالنسبة لمايا في أيامها السوداء، نقلت خلالها فرحها وحزنها إلى الصديقة التي سافَرَتْ خارج البلاد، لم تكن الرسائل والدفاتر مجرد وسيلة تواصل بدائية ملائمة للعصر، بل هي وسيلة مايا الوحيدة لإثبات أنها ما زالت حيّةً رغم الألم.

يمكن اعتبار فيلم “دفاتر مايا” لوحة كولاج عملاقة، تتضمّن قصصاً وصوراً وتسجيلاتٍ صوتية، وأكثر من خطٍّ زمنيٍّ، وشخصيات من الماضي والحاضر تتقاطع مع بعضها البعض، وقد استخدمت الابنة أليكس دفاتر وتسجيلات الأم في تتبُّع هذا الماضي، قبل أن يأخذنا الفيلم عبر الفلاش باك إلى مايا الشابّة نفسها، لنشاهد فيما يُشبه الحلم كيف كانت تسير بالتوازي مع رحلة ابنتها في اكتشاف حقيقة والدتها.

هذا التنوّع في طرق السرد يمنع الملل في الفيلم السينمائي، حتى لو كانت قصة الفيلم بسيطةً للغاية، فهنا المتفرّج يتتبّع القصة عبر الوسائط المتعددة، ويصنع علاقةً حميمةً مع الشخصيات التي يهتمّ برحلتها، هذه العلاقة على الأخصّ هي المزيّة النسبية التي تفرق الفيلم عن الأفلام الأخرى التي تناولت الحرب اللبنانية، فالربط بين الحرب وبين اهتمامنا بشخصية أليكس وعلاقتها بالأم مايا، أضفَى على الفيلم ثِقَلاً عاطفياً، وجانباً دافئاً بعيداً عن بؤس الحرب والموت الحاضرين كذلك بالتوازي مع تجارب الأم مع الفقد.

طرق السرد المتعددة هذه استُخْدِمَ فيها الكثير من التقنيات السينمائية المختلفة، مثل الصور الفوتوغرافية المعالجة لكي تظهر كما لو أنها مصوّرة بالفعل في الثمانينيات، مع المزج بصور حقيقية للحرب اللبنانية، والفيديوهات المصنوعة عبر تحريك الصور الفوتوغرافية، ما أضفى على الفيلم حيويةً بالإضافة إلى شكل سينمائيّ غير تقليدي.

وهذا ليس التعاون الأول بين  جوانا حاجي توما وخليل جريج، فقد قدّما من قبل عدّة أفلام منها “يوم مثالي” (A Perfect Day)، و”أريد أن أرى” (Je veux voir)، وكلاهما بالإضافة إلى دفاتر مايا يتناول ثيمة الذاكرة وقدرتها على الاحتفاظ بالصورة الصحيحة عن الماضي، خاصةً فيما يتعلّق بالحرب الأهلية اللبنانية، ليعتبر “دفاتر مايا” امتداداً لهذا الموضوع الأثير للثنائي، وكذلك لرغبتها المستمرة في التجريب السينمائي باستخدام التقنيات المختلفة في جرأةٍ تُحْسَب لهما في ظلّ سوق سينمائي عربي يُصْدَم بكل تجربةٍ جديدةٍ تخرج عن المألوف.

اطبع هذا المقال