
يقول أبو محمد الذي يعمل فني كهرباء في جامعة بيرزيت: “بيتي مكون من ثلاث شقق واستهلاك الكهرباء كان يكلفني 50 شيقلاً يوميًّا، وبحكم عملي في جامعة بيزريت، اطلعت على تفاصيل مشروع الألواح الشمسية وتكلفتها في إنتاج الطاقة البديلة، فقررت نقل التجربة إلى منزلي، لأن هذه التكنولوجيا عملت على توفير حوالي 70% من الكهرباء المستهلكة في داخل الجامعة”.
ألواح الطاقة الشمسية لم تخفض قيمة فاتورة الكهرباء إلى الصفر في بيت أبو محمد، لكنها وفرت له 1000 شيقل شهريا و12000 ألف شيقل سنويا بما يشكل ما نسبته 70% من مجمل فاتورة الكهرباء، علمًا أن تكلفة نظام الطاقة الشمسية نحو 25 ألف شيقل، استردها أبو محمد خلال عامين من إنشاء تقنية الألواح الشمسية.
ولأن نظام الطاقة الشمسية المربوط مع شركة كهرباء المحافظة القدس لم يكفِ منزل أبو محمد، اضطر لإنشاء نظام طاقة شمسية غير متصل مع شركة الكهرباء يتكون من ألواح شمسية مع بطاريات لتخزين الطاقة المنتجة والزائدة عن الاستخدام خلال ساعات النهار لتمد البيت بالطاقة اللازمة.
وتعاني فلسطين من شُـحٍ في الموارد الطبيعية والثروات المعدنية؛ وندرة مصادر الطاقة التقليدية، كالنفط والغاز، وارتفاع أسعارها وسطَ تحكم إسرائيل بكمياتها وأسعارها، من وحي هذه المعاناة، بحث الفلسطينيون عن مصادر بديلة عن الوقود التقليدي، ووجدوا ضالتهم في مصادر الطاقة البديلة المتجددة كالطاقة الشمسية، التي نجح الفلسطينيون إلى حد ما باستغلالها، لكن هذا الاستغلال ما زال أقل من المستوى المطلوب، فما الذي يمنع توسع انتشار هذه المشاريع في الأراضي الفلسطينية؟
يرى المتخصص في مجال الطاقة المستدامة د. ياسر الخالدي أن تطوير مشاريع الطاقة الشمسية على أسطح المنازل أو المنشآت أو المصانع الذي يعرف بـ “نظام صافي القياس” بات ضروريًّا، علمًا أن العمر الافتراضي للخلايا الشمسية على أسطح المنازل يتراوح بين 20- 25 عامًا”.
وحول التكلفة، يعتبر الخالدي أن النظام الشمسي للفيلا متوسطة الحجم يحتاج إلى أربع كيلوواط يكلف حوالي 4000 دولار، وخلال 3 سنوات بالإمكان استرداد التكلفة من خلال ما يتم توفيره من تكلفة الاستهلاك الكهربائي، خصوصًا أن فلسطين تمتاز بوجود أكثر من300 يوم مشمس على عكس دول أوروبا مثلا، التي تحتاج إلى سبع سنوات لاسترداد تكلفة النظام الشمسي لقلة الأيام المشمسة سنويًّا”.
بين عامي 2021 و2022، امتلكت بعض المحطات الفلسطينية قدرةً على إنتاج الطاقة الشمسية بكلفة أقل من المصدر الإسرائيلي بنسبة 30%”، ويشير الخالدي إلى أن تعرفة الإنتاج في هذه المحطات وصلت إلى 7 سنتات أما تعرفة الشركة القطرية قتبلغ 39 أغورة ما يعادل 12 سنتًا أميركيًّا، وهناك تكنولوجيا جديدة تعتمد على تخزين الطاقة بمعنى أن يتم إنتاجها في الصباح والفائض يتم تخزينه لاستخدامه مساء، لكن هذا النظام مكلف، حسب ما يرى المتخصص في مجال الطاقة المستدامة د. ياسر الخالدي.
ويقول مدير دائرة التراخيص بمجلس تنظيم القطاع الكهربائي الفلسطيني المهندس قيس سمارة: “إن القدرات المركبة لشركات توزيع الكهرباء باستخدام نظام الطاقة الشمسية في الضفة بلغت ما مقدراه 75 ميغاواط التي شكلت مع نهاية عام 2021، 2% من كامل استهلاك الضفة للطاقة ويتم استيراد الباقي من إسرائيل بنسبة 94% ومن الأردن بنسبة 4%”.
وحول المعيقات التي تواجه تنفيذ الخطط الحكومية في هذا المجال، يرى سمارة: “أن الخطة الحكومية الأولى التي نشرت عام 2012 تضمنت إنتاج 10% من الطاقة الكهربائية عن طريق الخلايا الشمسية، لكن ما تم الوصل إليه هو 2%، بسبب التصنيفات الاحتلالية للمناطق الفلسطينية ما بين مناطق (أ، ب، ج) ما يؤدي إلى عدم وجود شبكة متواصلة بين المدن، كما أن قدم شركات توزيع الكهرباء الفلسطينية يؤثر سلبًا على تنفيذ الخطط الحكومية في هذا المجال”.
ويضيف سمارة: “الطاقة الشمسية ذات جدوى اقتصادية جيدة حيث إن 2% من الطاقة الكهربائية تعد استيرادًا محليًّا ما يؤثر على صافي الإقراض لأنه عمليا هذه الطاقة المنتجة خرجت من معادلة صافي الإقراض وعلى سبيل المثال لو تم تحقيق الخطة الحكومية المتمثلة بإنتاج 10% من الطاقة عن طريق الخلايا الشمسية بدل من أن يتم اقتطاع 60 مليون شيقل سيتم اقتطاع 50 مليون شيقل”.
“2% تمثل 75 ميغاواط وهي عبارة عن استثمار 75 مليون دولار في الطاقة الشمسية دون الحديث عن تجهيز الأراضي، بما معناه أن هنالك حجمًا تشغيليًّا بقيمة 100 مليون دولار ما ينعكس إيجابًا أيضًا على توفير فرص عمل”، يوضح سمارة.

وأشارت الدراسة إلى أنه يمكن تقليل صافي الإقراض الذي يعد من أهم المعيقات التي تواجه الحكومة الفلسطينية في القدرة على الاستمرارية في تقديم خدماتها بمقدار 187 مليون دولار إذا تم تطوير وتنفيذ 100 ميغاواط من محطات الطاقة الشمسية.
وبحسب بيانات صندوق الاستثمار الفلسطيني، فقد بلغ عدد الاستثمارات في مجال الطاقة المتجددة والتقليدية 9 مشاريع، بحجم إنتاج بلغ 20 ميغاواط، وعملت هذه المشاريع على توفير 70 فرصة عمل متخصصة في إنشاء محطات الطاقة الشمسية كبيرة الحجم وتطوير 125 دونمًا من خلال إنشاء محطات الطاقة الشمسية.
وأشارت بيانات الصندوق إلى أن مشاريع الطاقة المتجددة التي تم إنهاء العمل بها، محطة نور أريحا للطاقة الشمسية التي بلغ عدد الألواح الشمسية فيها 2000 لوحة على مساحة 86 دونمًا بقدرة إنتاجية بلغت 7.5 ميغاواط ما يعادل استهلاك حوالي 3600 منزل كما ساهمت محطة أريحا في تقليل مشتريات الكهرباء من الخارج سنويا بقيمة 4.5 ملايين شيقل ونحو 112 مليون شيقل خلال 25 عاما المقبلة.
وأيضا مشروع محطة نور جنين للطاقة الشمسية حيث بلغ عدد الألواح الشمسية 13,500 على مساحة 52 دونمًا بقدرة إنتاجية بلغت 5 ميغاواط ما يعادل استهلال 2400 منزل وساهمت المحطة في تقليل الاستيراد سنويا بقيمة 3 ملايين شيقل ونحو 75 مليون شيقل خلال الـ 25 عاما المقبلة، وهناك مشاريع قيد التنفيذ منها محطة نور الشمال، ومحطة نور رمون، وبرنامج الطاقة الشمسية على أسطح 500 مدرسة حكومية، بهدف توليد 200 ميغاواط من الكهرباء ما يعادل 14% من احتياجات الضفة ويقدر حجم الاستثمار حوالي 200 مليون دولار.
ويبلغ استهلاك الكهرباء في الضفة الغربية وقطاع غزة نحو 1300 ميغاواط، 800 ميغاواط منها في الضفة، و500 ميغاواط في غزة، وتأتي معظم هذه الإمدادات من إسرائيل التي تفرض أسعار الكهرباء، حسب إحصائيات لعام 2017، فهل تولّد مشاريع الألواح الشمسية بصيص أمل للفلسطينيين على طريق الخلاص من التبعية لإسرائيل؟! الأمر يحتاج تكثيف جهود الجميع بين القطاعين العام والخاص، بالإضافة للقبول المجتمعي لهذه المشاريع.