عبد الباسط خلف- يجلس السائق محمد يونس وراء مقود سيارته العمومية منذ 24 عامًا، ويشق طريقه في دروب جنين، لكنها من المرات القليلة التي يشعر فيها بإضراب شامل يعم في المدينة، دون نقاش أو جدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي حول جدواه.
وقال: إن المتاجر والمؤسسات العامة والمدارس وكل شيء التزم بالإضراب التضامني، الذي دعت إليه قوى عالمية الإثنين، وانضمت إليه القوى الوطنية والإسلامية في محافظات الوطن ومخيمات اللجوء والشتات.
وأكد يونس لـ”الحياة الجديدة” أنه باستثناء الصيدليات والمخابز وبعض عربات الخضراوات، فإن جميع المحال التجارية أقفلت أبوابها، وقد بدت جنين “خاوية على عروشها”، حسب وصفه.
من موقعه، أكد مدير الغرفة التجارية، محمد كميل، بأن جنين التي التزمت أمس بإضراب تجاري، أقفلت أسواقها منذ مطلع العام الجاري 76 يومًا من أصل 96، وهذا يعني أن المدينة لم تعمل سوى 20 يومًا فقط خلال 2025.
وقدر كميل الخسائر اليومية في المدينة جراء العدوان المتواصل منذ كانون الثاني الماضي، وحالات الإغلاق بـ 30 مليون شيقل، وهو رقم كبير كما قال.
وبين رئيس بلدية جنين، محمد جرار بأن الإضراب في المدينة كان كاملًا، رغم خصوصية حالاتها، وتعطل عجلة الحياة فيها منذ مطلع العام، وانضمام أعداد كبيرة من مواطنيها إلى “جيش الفقراء الجدد”، كما سماهم.
وذكر أن البلدية وسائر الهيئات المحلية ومؤسسات القطاع العام والمتاجر ووسائل النقل استجابت لدعوة الإضراب التضامني مع غزة.
وأشار سكرتير الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في محافظة جنين، محمد كميل، إلى أن الإضراب شل كافة مرافق الحياة في المدينة، بالرغم من وضعها الاستثنائي، واستمرار العدوان الإسرائيلي عليها.
وأوضح أن كافة المرافق، بما فيها وسائل النقل، التزمت بالإضراب التضامني ودعمت قرار القوى.
وذكر عضو القوى الوطنية والإسلامية في جنين، مفيد جلغوم، بأن المدينة وأغلبية بلداتها انسجمت مع قرار الإضراب الشامل، وكان بوسع أي مركبة تعبر طرقاتها اختيار أي مكان للتوقف، مع الغياب الكامل للمظاهر الاعتيادية.
وأوضح أن الاحتلال وعدوانه وإجراءاته مست بالحياة اليومية للمواطنين وأنهكتهم، بالتزامن مع إغلاق حاجز الجلمة معظم الوقت، عدا عن تجريف الطرقات الحيوية أكثر من مرة، ودون سبب.
فوارق وتشابه
وتابع جلغوم، وهو أستاذ تاريخ، بأن إضراب اليوم يتشابه من حيث التوقيت مع الإضراب الكبير، الذي عاشته فلسطين في 20 نيسان 1936، التي أعلن عدد من قادتها الإضراب الشامل برًا وبحرًا؛ بسبب سياسات الاحتلال البريطاني خلال 16 عامًا من الانتداب، واستمر حتى 1 تشرين الأول 1936.
وشبه الإضراب الحالي بـ “رسالة إنعاش” لآمال الفلسطينيين في التضامن مع أنفسهم، وبخاصة مع عودة العدوان الإسرائيلي واسع النطاق على غزة، لكنه أقر باستحالة نجاح وسيلة الإضراب والعصيان المدني في ظل الظروف الراهنة، التي انقلبت 180 درجة عن الماضي.
وذكر بأن الإضراب التقليدي في جنين، وبالنظر إلى أوضاعها العصيبة المتواصلة للشهر الثالث رسالة في غاية الأهمية، تؤكد عودة التضامن ولو بالتدريج بين أبناء شعبنا المكلوم، كما ينسجم مع عودة الحراك العالمي المساند لقضيتنا.
وقال الناشط الشبابي عز الدين شلاميش، إن بعض متاجر جنين، التي كانت معروفة بكسر الإضراب والالتفاف عليه، من خلال فتح جزئي للأبواب، التزمت اليوم بالإغلاق الكامل.
والتقط صورًا للمتاجر المؤصدة في المدينة، ولطرقاتها الخاوية، ولحركة سيرها ومشاتها المشلولة ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وأكد شلاميش بأن الإضراب التجاري الذي التزمت به محافظات الوطن ومخيمات اللجوء والشتات وبعض دول العالم “وسيلة ورسالة وليس غاية بحد ذاته”.