عبد الباسط خلف- اتشحت تعابير دانا أبو طبيخ بالأسى، وهي تسرد اللحظات القاسية التي عاشتها عائلتها، عقب ارتقاء شقيقها الفتى معتز (16 عاما)، في اللحظات الأولى من عدوان 21 كانون الثاني الماضي.
وجسدت أبو طبيخ أحزان أسرتها وجرحها المفتوح، الذي اتسع إثر رفض الاحتلال تشييع الجثامين.
وروت بأن العائلة عاشت 14 يوما شديدة القهر، فقد نقلت رصاصة احتلالية أصابت خاصرة، “عزو”، الابن الأصغر والمدلل فيها من بيته إلى ثلاجة مستشفى جنين الحكومي، التي لا تبعد كثيرًا عن بيت معتز وغرف نومه ومسرح أحلامه.
الفطور الأخير
وتابعت دانا: قبل اقتحام جيش الاحتلال المدينة، طلب أخي تناول الإفطار مع والدتي، على غير عادته، وألح عليها تحضير الجبن المقلي، ثم ركب دراجته وسار إلى مسجد القاضي، وأدى صلاة الظهر الأخيرة، واتصلت به أمي عندما علمت بالاقتحام وطلبت منه ألا يأتي إلى الحي؛ بسبب الاقتحام، فأخبرها أنه بخير، وهو على بعد خطوات من البيت في حي الهدف.
ووفق الأخت المكلومة، فقد كان “أبو العز” كما تطلق عليه أسرته، على دراجته في منطقة الكينا بحي الهدف، لكن رصاص الاحتلال أصابه بمقتل، دون أن يشعر بما حصل معه، فواصل السير حتى بيت صديقه أحمد عمران، الذي اكتشف أن رفيقه ينزف، قبل أن يفقد وعيه وعلمت العائلة لاحقا بتهتك كبد ابنها وشرايينه.
وأكملت: أعاق الاحتلال وصول سيارة الإسعاف إلى موقع إصابة أخي، وظل في منزل صديقه حتى نجح المسعفون في العبور.
وأضافت وهي محزونة بأن عدة طلقات أصابت جسم دراجة شقيقها وعجلاتها، ما يؤكد أنه كان مستهدفا، وتهمته محاولة الوصول إلى البيت والسير في الشارع على دراجة!
ووصفت تأجيل دفن شقيقها بجبل من الأحزان فوق قلب أسرتها، لكنها أشارت إلى اللحظات الأثقل التي عاشت العائلة، أمس الأول، حينما وصل جثمانه إلى بيت العائلة، وأدى الأقارب صلاة الجنازة عليه، لكن الاحتلال عاد مرة أخرى وأجل الدفن.
وأبصر معتز النور مستهل تشرين الأول 2008، ويحمل الترتيب السادس في عائلته، فيسبقه جهاد، الذي توفي في أوج شبابه عام 2019، إثر مرض متلازمة داون، تتبعه دانا، فهديل ثم أسيل وأحمد.
قلب الهجوم
واستردت أبو طبيخ هوايات شقيقها، الذي كان قلب هجوم فريق كرة القدم في الحي والمدرسة، وخطط لدراسة هندسة السيارات، وبدأ في صفه الحادي عشر بالمدرسة الصناعية، وكان متفوقا ومحبوبا بين معلميه ورفاق صفه.
ورسمت صورة لأخيها الذين جمع بين خفة الدم والمزاح والدعابة، وتحمل المسؤولية بوقت مبكر، وقد كان الساعد الأيمن لوالديه.
أحب معتز التصوير كثيرا، وحرص على الاهتمام بلباسه، وترك نهر أحزان يجري في عيون والدته معلمة الأحياء نهى عيوش، التي كانت طوال وجوده على مدى أسبوعين، في ثلاجة المستشفى تدخل إلى غرفته وتتلمس فراشه، وتشتم رائحة ملابسه وكتبه، وتبحث عن كراساته وتبكي.
واختتمت دانا بحسرة: إن العائلة بدأت منذ أسبوعين تستشعر ثقل غياب ابنها المدلل، الذي كان يصنع الفرح في البيت، ويحضر النكات دائمًا.
أحزان ثقال
وعلى غير العادة، شيّع عدد مُقلص من أهالي جنين ومخيمها، 11 شهيدا ارتقوا خلال العدوان الواسع خلال 14 يوما، ولم يحتضنهم التراب بأمر المحتل، بينهم 7 دفنوا في مقبرة شهداء مخيم جنين.
وسارت مركبات الإسعاف من أمام مستشفى ابن سينا، وعلى متنها الجثامين التي ماطل جيش الاحتلال في السماح بدفنها، بعد تجميعها من ثلاجات مستشفى جنين الحكومي و”ابن سينا” ومركز قباطية الطبي ووجهتها مقبرة شهداء مخيم جنين الجديدة.
وتحلق أقرباء الشهداء أمام سبعة قبور متجاورة، فيما فاضت أحزان الأمهات، قبل أن يبدأ المشيعون بالصلاة الأخيرة على الجثامين ومواراتها الثرى، وسط تحليق مكثف لطائرات الاستطلاع، وانتشار آليات للاحتلال على مسافة قريبة من المقبرة.
وزاد من أحزان العائلات فرض الاحتلال قيودا مشددة على التشييع، وتأخيره 24 ساعة عن موعده بسبب تفجيرات ظهيرة الأحد الضخمة، وانتظارها أمس الأول ساعات طويلة في مستشفى ابن سينا.
بدوره، أفاد مدير مستشفى جنين الحكومي، وسام بكر لـ”الحياة الجديدة”، بأن 4 شهداء كانوا في ثلاجات المستشفى، التي لا تتسع إلا لتسعة جثامين.
واستعاد بكر ذكريات الاجتياح الكبير في نيسان 2002، عندما كان طبيبا مقيما في المستشفى، وشاهد استحداث عدة قبور جماعية في ساحته الأمامية.
والشهداء الذين جرى تشييعهم بجوار أبو طبيخ هم: خليل السعدي (35 عاما)، والمسن وليد لحلوح (73 عاما)، وأمين صلاحات (57 عاما)، ورائد أبو السباع (53 عاما)، وحسين أبو الهيجا (38 عاما)، وعبد الجواد الغول (26 عاما).
ومنذ بدء العدوان على جنين قبل 14 يوما، استشهد في المدينة ومخيمها وريفها 25 مواطنا بينهم الطفلة ليلى الخطيب (عامان ونصف العام) والسبعيني وليد لحلوح.