You are currently viewing التسعينية صبحية محاميد تستذكر جارها الشيخ القسام

التسعينية صبحية محاميد تستذكر جارها الشيخ القسام

العربية فارسی كوردی‎ עִבְרִית Türkçe Français Deutsch Italiano Español English
شبكة فرح الاعلامية:

عبد الباسط خلف- تبرز تجاعيد عميقة في وجه التسعينية صبحية يونس محاميد، ويحافظ لسانها على لهجته الحيفاوية، وتسكن ذاكرتها قصة جار عائلتها الشيخ السوري عز الدين القسام، الذي أشعل فتيل ثورة عام 1936، وارتقى في معركة مع جيش الاحتلال البريطاني في أحراش يعبد، نهار 19 تشرين الثاني 1935.

وروت أم صلاح، كما يعرفها أهالي قرية الطيبة، في أقصى شمال جنين، التفاصيل الصغيرة التي كانت شاهدة عليها في حي وادي الصليب بحيفا، عندما كانت تقيم مع عائلتها في بيت لمحمد مسعود جرار في المدينة الساحلية، استقر الشيخ القسام في طابقه العلوي.

لحية وابتسامة

ورسمت وصفا للجار والشيخ، فقد كان هادئا ومحبوبا، وقمحي البشرة، ولحيته بيضاء، ويرتدي بذلة سكنية اللون، وليست لديه كبرة، ويبتسم في وجه الناس، ولم يكن يميز في معاملته بين الأهالي، ويوزع عليهم كسوة العيد.

ومما تحتفظ به الحاجة صبحية، التي أبصرت النور في حيفا (نحو عام 1929 كما تقول الوقائع، بخلاف تحديد السن في بطاقتها الشخصية)، أن الحي الذي أقامت فيه كان تقطنه عائلات العوف، ومطر من غزة، بينما رحل القسام من الحي إلى بلد الشيخ (7 كيلومتر في الجنوب الشرقي للمدينة).

وقالت إنها كانت في السادسة من عمرها، عندما عرفت الجار الهادئ وطيب القلب والمبتسم، وتعاملت عن قرب مع زوجته الحاجة أمينة، وعلمتها القرآن ابنته ميمنة، ورأت ابنته عائشة (عيشة كما اعتادت محاميد على نطقها) وهي تحيك الملابس وتصلحها، بينما تخصصت خديجة في مساعدة والدتها بأعمال المنزل.

واستردت محاميد، دور القسام في إقناع والدها بإرسالها إلى مدرسة الجمعية، الذي كان يقول للشيخ إنها ما زالت صغيرة على التعليم، بينما كان محمد الابن الوحيد للشيخ يتلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة البرج.

وأضافت وهي تبتسم، إن ابن الشيخ تعثر وكسرت رجله، وظل لا يستطيع المشي فترة من الوقت، ودرست هي للصف الرابع الابتدائي، وكانت ذكية.

وحسب الساردة، فإنها لا تنسى مديرة مدرستها فاطمة خانوم من الشام، ومساعدتها سلوى النبهاني من إجزم قضاء حيفا، وتلقت تعليما في الحساب والقرآن والنشيد، وتميزت بتجويدها للقرآن، ورفض والدها إرسالها إلى القدس لإكمال تعليمها.

موائد وكسوة

ومما التقطته محاميد واستقر في ذاكرتها، أجواء بيت عائلة الشيخ، إذ كانت زوجته تطبخ الطعام للضيوف وللفقراء باستمرار، بينما تخصصت الابنة عائشة في حياكة الملابس وترميمها وتوزيع الكسوة على أطفال حيفا.

وتابعت، وهي تحمل صورة للشيخ على هاتف متنقل، أن بيت عائلتها وأسرة القسام، القريب من درج الناطور بحي وادي الصليب كان يطل على حاكورة (حديقة صغيرة)، وخلال أيام العيد كان الشيخ يوزع العيدية على الأطفال.

ولا يغيب عن ذاكرة محاميد يوم وفاة اختها الكبيرة فاطمة وهي في عز الشباب بحيفا، عندما جاءت عائلة الشيخ القسام معزية ومتضامنة.

وأضافت أن قبر اختها ملاصق لقبر القسام في مقبرة بلد الشيخ بحيفا، وقد زارته أكثر من مرة، وجودت سورة الفاتحة.

وزادت: خرجنا من حيفا عام 1940، وهربنا إلى بيت جدتي بهية أيوب في الطنطورة (24 كيلو متر جنوب حيفا)، وكانت أمي صفية يوسف البطل من طيرة حيفا.

وحسب محاميد، فإن استشهاد مفجر ثورة عام 1936 كان بعد انتقاله إلى منزل جديد في بلد الشيخ، وتؤكد أن ذلك اليوم كان حزينا على الناس، فقد عرفوا أن شيخهم استشهد في أحراش يعبد.

وأكدت أن الأهالي لم يكونوا يعلقون صور القادة على الجدران، خوفا من بطش الاحتلال البريطاني.

أشعار وسيرة

أنجبت محاميد 6 أولاد و6 بنات، ولها عشرات الأحفاد، وتعيد لهم كثيرا سرد سيرة الجار الطيب، وتحفظ أشعارا قيلت في رثاء جار الطفولة، ومنها ما أبدعه الزجال الشعبي نوح إبراهيم (1913 – 1938)، الذي ارتبط بالشيخ القسام، وعندما استشهد رثاه بزجلية طويلة، لحنها وغناها وسجلها على أسطوانة، وذاع صيتها في عموم فلسطين، وكانت بالعامية بعنوان “عز الدين يا خسارتك”.

الغداء الأخير

بدوره، استذكر الخمسيني أحمد زيد، الذي أبصر النور في قرية نزلة زيد (شرقي يعبد وتبعد 19 كيلو مترا عن جنين) ما عرفه من والده الراحل من تفاصل استشهاد القسام، إذ كان الشيخ الثائر مدعوا لطعام الغداء في بيت عارف سليمان بري، في منطقة وادي الخشب، بقرية نزلة زيد، في منطقة أحراش يعبد، عندما حاصرهم جنود الاحتلال البريطاني، وخاض الشيخ ورفاقه معركة، انتهت باستشهاده.

وتابع زيد، كما أخبره والده، أن جثمان الشيخ أحضر على تابوت يشبه السلم، وسجي تحت شجرة توت بالقرية، قبل أن ينقل إلى مقبرة بلد الشيخ في حيفا.

وأكد أن مكان وضع الجثمان تحول إلى محراب اليوم، وفي منطقة قريبة منه أقيم مقام تخليدا لذكراه.

وبين زيد أن مكان استشهاد القسام موجود اليوم وراء جدار الفصل العنصري، وداخل مستوطنة شاكيد، ويحاول أحد المستوطنين فيها الزحف عليه.

بيت ووصية

ووفق ما نشره أحفاده، فقد أرسل الشيخ شقيقه فخري لبيع بيته لشراء سلاح للثورة في فلسطين، ثم انتقل وحده إلى حيفا، قبل أن يرافقه فخري وزوجته أمينة وبناته الثلاث، إذ إنه باع المنزل والجمال التي كان يملكها، واشترى بثمنها السلاح.

بينما كانت الجدة أمينة نعنوع (توفيت عام 1977) توصي أحفادها بزيارة فلسطين وقراءة الفاتحة على روح زوجها، وحاولوا البحث عن صور إضافية ومقتنيات من الأزهر الشريف بالقاهرة، غير أن مقتنياته الشخصية: المصحف ومفتاح البيت الحيفاوي، والمنديل، والمسدس فقدت.

وأكد أحفاده بأن جدهم لحظة استشهاده في أحراش يعبد كان في جيبه مصحفه ومسدسه الشخصي و10 جنيهات، وقد أعادها رفاقه الثوار إلى زوجته وابنه محمد.

اطبع هذا المقال