عبد الباسط خلف- تستلقي في منزل عائلة الطبيب الجراح لميع الأسير صورة بالأبيض والأسود لجده القاضي محمد مطيع عثمان الأسير، وأسفلها إشارة إلى تأسيسه لمستشفيين في جنين وحمص بسوريا قبل عام 1948.
واسترد الحفيد بفخر سيرة الجد الذي أسس أول مستشفى في جنين، بدأ عمليا عام 1946 وعمل في السنة التالية، وصار يستقبل مرضاه من مناطق عديدة، ومن الداخل
الجد القاضي
أبصر القاضي المؤسس النور عام 1864، وأكمل تعليمه في الأزهر الشريف واسطنبول، وعمل قاضيا في تركيا وحمص وحماة والسلط ويافا ونابلس وجنين، بعدها أسس مستشفى الشفاء وجامع القاضي في جنين، إضافة لمستشفى ومسجد آخر في حمص، وتوفي عام 1968.
ووقف الطبيب الجراح لميع بجوار حجر نقش عليه تاريخ المؤسسة الصحية الأولى، التي تسبق دول الاحتلال وتأسيس واستقلال العديد من البلدان العربية، وأشار إلى استعداد العائلة لإحياء ذكرى 80 عاما على افتتاح المستشفى.
وقال: ارتبط اسم “الشفاء” بوالدي الدكتور خالد، الذي ولد في حمص عام 1920 وتوفي في جنين عام 1994، ونال شهادة العلوم من الجامعة الأمريكية في بيروت، ثم درس الطب في جامعة القاهرة، وتخصص في الجراحة العامة بجامعة أدنبرة الاسكتلندية، ووضع ثقله في تطوير المستشفى وتشغيله.
وحسب الابن، فإن والده كان يجمع بين التطبيب العام، والجراحات الطارئة، وطهور الأطفال، ومداواة الأمراض الجلدية، إضافة إلى قسم الولادة، وكان مخولا بإعطاء دورات تدريبية للممرضين والأطباء، ومنحهم شهادات، كما تطوعت معه ممرضة إنجليزية متضامنة مع فلسطين اسمها (ماري).
واستطرد أن والده كان يداوي بداية الأمر في بيته، وصمم بيده مصعدا للتنقل بين المستشفى والمنزل.
ومن اللافت، ما يشاع حول قصة قديمة لرشاد الحمدان من جنين، الذي لدغته أفعى في الغور قبل النكسة، وظل يسير بوجعه حتى يصل إلى “الشفاء”؛ لأن طبيبها كان يمتلك أسلوبا مختلفا في المعالجة.
عائلة أطباء
ورثت عائلة الأسير مهنة مؤسس المستشفى ومشغله، إذ تضم اليوم 6 من ملائكة الرحمة: طبيب العيون مطيع، الذي ترك بصمة في تطوير المستشفى وإعادة هيكلتها وتوسعتها عام 1997، ودشن أول مركز حديث لجراحة العيون في جنين. أما الدكتور لميع فخريج الجراحة من جامعة القاهرة، فيما يحمل الحفيد خالد شهادة الطب من جامعة القدس، وشقيقته دينا طبيبة أسنان في الرياض، وثالثهم بشار الذي درس في الأردن ويعمل في مراكز (مايو كلينك) بالولايات المتحدة الأميركية. بينما تخصصت الابنة نور في طب العيون بجامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية، ومثلها اختها رنا طبيبة العيون، بينما اختارت لونا طب الأسنان في الجامعة العربية الأمريكية.
وأكد الابن أن والده كان يخصص شهر رمضان لمعالجة المرضى بالمجان، فيما قدمت العائلة مساحات كبيرة من أرضها لإقامة أجزاء من مخيم جنين عليها، إضافة إلى مقبرة الشهداء، ومستشفى ومركز تعليمي في أطراف المخيم، وقدم لهيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية موقعا لأبراجها دون مقابل.
وأشار د. لميع إلى أن والده نقل إليه تفاصيل العمل في العقود السابقة، إذ لم يكن هناك تصوير بالأشعة، ولا عمليات جراحية معقدة، أو متخصصة، وكانت أدوات تطبيب الأذن بسيطة، ولكن بعد عام 1997 تم تأسيس الجراحات التخصصية، وبدأت “الشفاء” تداوي أمراض القلب والأعصاب، وتستضيف أطباء مهرة من محافظات مختلفة والداخل.
يضم المستشفى الآن 12 غرفة، وأضيف إليه ضعف أبنيته، ويمتد على 467 مترا، في شارع المحطة، المشتق تسميته من محطة السكة الحديدة العثمانية، التي كانت تمر من المدينة، ويساهم الأبناء والأحفاد في إدارته والتخطيط لتطويره.
واستذكر الابن ما حل بوالدته سميرة العبوشي وشقيقها جواد وأبناء عمه منذر ووائل، حينما قدموا من الولايات المتحدة بغية تأسيس مركز إسلامي وتعليمي في جنين، وكانوا في زيارة إلى رام الله عام 1998، لكن أربعتهم قضوا في حادث سير صعب.
وتبعا للعائلة، فإن الجد الأسير المؤسس أوقف 4 متاجر للإنفاق على المستشفى والمسجد، كما أقام محطة هوائية لتوليد المياه في بيته وحولها إلى سبيل للمارة والأهالي، بينما أسس الابن الجراح سينما جنين، مثلما سهل “الشفاء” منح مستشفى الرازي تراخيص مزاولة العمل