في زوايا الحياة المتشابكة في مدينة نابلس، تتناثر قصص من الكفاح والأمل والإصرار على البقاء والثبات رغم كل محاولات الاحتلال قتل روح الحياة في المدينة التي تتعرض لحصار خانق.
هناك، حيث تختلط روائح التاريخ بعنفوان الحاضر، يواجه المواطنون تحدياتهم اليومية بشجاعة وإصرار.
وفي المدينة، التي طالما كانت شاهدة على تحولات الزمن، تحتضن بين أزقتها قصصا إنسانية ملهمة، تروي حكايات البقاء والنضال. على أرض نابلس، نرى وجوها تتأرجح بين الأمل والإصرار، بين الفرح والحزن، تجسد في تفاصيلها جمال الصمود ومرارة الصعاب.
وفي هذا السياق المعقد، تطفو على السطح حكاية خالد عادل، الذي تحول من فنان ديكور إلى بائع مشاوي، ليروي بفصول حياته قصة مقاومة من نوع آخر، مقاومة ضد الفقر والبطالة، وضد الظروف التي فرضتها الحرب والسياسة.
خالد الذي كان يعمل في مجال الديكور، وجد نفسه فجأة خارج نطاق عمله منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.
ومع تصاعد الأزمات الاقتصادية وتراجع فرص العمل في نابلس، اضطر خالد إلى البحث عن مصدر رزق بديل يمكنه من البقاء والاستمرار. لم يكن هذا القرار سهلا، فالتخلي عن مهنة أحبها وأتقنها كان بمثابة التخلي عن جزء من هويته. ومع ذلك، الحاجات الماسة والظروف القاهرة كانت أقوى من كل التحديات.
فكر خالد مليا، وبينما كان يجول بنظره في أرجاء المدينة، رأى في أعين الناس حكايات مشابهة لحكايته، حكايات تكافح من أجل البقاء. قرر حينها أن يبتكر حلا، أن يجد لنفسه مخرجا من هذا النفق المظلم. نصب كرفانا على جانب الطريق، وبدأ بمهنة جديدة، بيع المشاوي. لم تكن تلك الخطوة مجرد محاولة للرزق، بل كانت تجسيدا لإرادة الحياة، وصرخة في وجه اليأس.
الكرفان الذي نصبته يداه كان بسيطا، لكنه كان يحمل في طياته روح الإصرار.
خالد الذي كان يبدع في تشكيل الديكور، أصبح يبدع في تقديم أشهى الأطباق. بموهبة فطرية في إعداد المشاوي وإصرار لا ينكسر على الصمود والثبات ومكافحة البطالة.
يقول خالد إنه لا يقدم لزبائنه طعاما مشويا، بل وجبة مملوءة بحكايات الصمود.
وعلى بعد أمتار يقدم محمد هادي لزبائنه الذرة المتبلة بأنواع مختلفة من البهارات.
يقول هادي الذي فقد هو الآخر مصدر عمله بعدما كان موظفا في القطاع الخاص في نابلس إنه لا يريد أن يتحول إلى متسول ويصر على العمل بأي طريقة لتأمين مصدر دخل لعائلته.
ويضيف إنه لم يكن يتخيل نفسه أن يبيع على بسطة. ويتابع: “كل الناس تريد أن تبحث عن مصدر رزق هناك من يسعى وينجح وهناك من ييأس ويفشل ولا يحقق غايته”.
هادي الذي يقف لساعات طويلة خلف بسطته يستمع بعناية إلى قصص الزبائن، فيجد في كل قصة جزءا من حكايته.
تتزايد القصص المماثلة في المدينة التي تحيط بها نحو عشرة حواجز عسكرية ولسان حال أهل المدينة يؤكد على الصمود رغم كل محاولات الاحتلال قتل الحياة فيها.