You are currently viewing نيسان.. الجرح النازف في ذاكرة المخيم

نيسان.. الجرح النازف في ذاكرة المخيم

العربية فارسی كوردی‎ עִבְרִית Türkçe Français Deutsch Italiano Español English
شبكة فرح الاعلامية:

في نيسان وقبل 20 عاما، اخوة وأصدقاء مروا في شوارع المخيم، ألقوا تحية الوقت على اقرانهم، تبادلوا أطراف الحديث، تواعدوا على اللقاء في المساء، رسموا جدارية حب وأمل لمستقبل قريب، ودفنوا تحت الركام قبل أن يأتي المساء، وقبل ان تكتمل الجدارية، وفي نيسان طوقت التناقضات عنق المخيم، قسوة المحتل وكرم المقاوم، أنانية القوة وسخاء التضحية، وحشية القتل ولطف الموت يخفف الم الضحايا، أفراح لم تكتمل، وحياة ماتت قبل أن تولد، تحت ركام المخيم دم يتحشرج كلما توغل القتل في الضحية، وخراب يكسر وحشته حينما تتزين جدران المخيم بملصقات الشهداء من ابنائه بوجوههم الباسمة ونظراتهم المفعمة بالحياة والتحدي.

20 عاما هي العمر الذي سيمتد على مدار التاريخ، لمعركة بين جيشين، جيش لا يملك إلا الإيمان بحقه في الأرض، وآخر لا يملك إلا قوة السلاح، فانهارت أساطير السلاح، لينتفض مخيم جنين في كل مرة يلقن “الجيش الذي لا يقهر” درسا بأن النصر لا يأتي من فوهات البنادق إنما يصنعه الرجال بعزيمتهم وإيمانهم بعدالة قضيتهم.

فقد شهد مخيم جنين ملحمة بطولية قدم فيها المقاومون من مختلف الفصائل الفلسطينية أروع صور المقاومة والوحدة، ففي الفترة من 3 إلى 18 نيسان/ابريل 2002، أقدم الجيش الصهيوني على اقتحام المخيم بقوات معززة بالمشاة وأكثر من 60 دبابة، تدخلت الطائرات وبدأت بقصف عنيف أغرق المخيم في ظلام دامس وقطع المياه ووسائل الاتصال، ومنع الاحتلال طواقم الاسعاف من دخول المخيم، وأغلق الطرق أمام الصحفيين ووسائل الإعلام التي لم تجد طريقا للمدينة والمخيم، لكن المقاومة لم تتوقف رغم توالي سقوط الشهداء، واعتمد المقاومون سياسة الكمائن المفخخة داخل البيوت والأزقة وكانوا يستدرجون جنود الاحتلال لها ليغجروهم ويمطروهم بوابل من الرصاص ومن أقوى الكمائن الكمين الذي قتل فيه 13 جنديا اسرائيليا، وأصيب 15 آخرين وذلك في التاسع من نيسان.

المحرر يحيى الزبيدي الذي اعتقل خلال المعركة التي هدم فيها بيتهم واستشهدت فيها والدته وشقيقه طه، شاهد حي على المجزرة، يقول لـ “الحياة الجديدة”: ارتكب الاحتلال جرائم بشعة بحق أهل المخيم واستخدم المدنيين دروعا بشرية ومارس عمليات اعتقال وتعذيب تعسفية، استشهدت والدتي سميرة “أم العبد” قبل عرس شقيقي طه بأسبوع واحد، وبعد أسبوعين استشهد طه بعد ان استهدفه الاحتلال بقصفه بقذائف انيرجا، ما أدى إلى احتراق جسده، لكن العصبة التي ارتداها على جبهته بقيت كما هي ولم تحترق، استشهد طه ولم تكتمل فرحته ودفنت أحلامه وأحلام خطيبته تحت ركام المخيم.

ويستذكر الزبيدي نداءات جيش الاحتلال عبر مكبرات الصوت، التي تطالب المقاومين بتسليم أسلحتهم والاستسلام، إلا أنهم قرروا الصمود وخوض المعركة بشرف رغم قلة الإمكانات، وما ميز تلك المعركة، ما تحلى به المقاومون من روح الشجاعة والمحبة والتعاون والتآلف والاستعداد للتضحية والمواجهة والشهادة ورفض الاستسلام، وتحت راية فلسطين وشعار الوحدة الوطنية.

وعن الدور العظيم التي قامت به النساء في مخيم جنين إبان “اجتياح نيسان الأسود” يتابع الزبيدي: النساء كن يخبزن ويطهين الطعام ويعددن الشاي والقهوة في كل حارة وحي وشارع وزقاق، يخرجن من كل باب وشباك، لإمداد المقاومين بالطعام، فالشهيدة مريم الوشاحي والدة الشهيد الشبل منير، كانت تزود المقاومين بالطعام والشراب والخبز على مدار الساعة، وتضع الطعام على لوح خشبي طويل لتوصله للمقاومين، قبل أن تستشهد بقذيفة.

أسبوعان من الحصار والمعارك الضارية دارت بين المقاومة والاحتلال قبل أن تضع المعركة أوزارها ليكشف تقرير الأمم المتحدة عن مجزرة بشعة ارتكبها جنود الاحتلال الإسرائيلي بإعدام ما يقارب 58 مواطنا فلسطينيا، وإصابة المئات بجروح متفاوتة، وسجل التقرير عددا من المفقودين، ومئات المعتقلين وهدم 1200 بيت بينها 450 هدمت بالكامل، أما الجانب الإسرائيلي فقد اعترف بمقتل 23 من جنوده رغم تأكيد المقاومين على أن الرقم أكبر من ذلك بكثير، حيث يقدر بـ 55 جنديا.

انتهت المعركة وبقيت تفاصيلها محفورة في ذاكرة التاريخ كملحمة بطولية سطرها مخيم جنين، فرغم الحصار حقق انتصارا كبيرا في الوحدة الميدانية بين فصائل المقاومة في بقعة صغيرة لا تتجاوز كيلو متر مربع.

اطبع هذا المقال