لم يعد نظام الفصل العنصري ماركة مسجلة لنظام الفصل العنصري البائد في جنوب أفريقيا. فسرعان ما حل نظام الأبارتهايد الإسرائيلي محله، بل إنه تجاوزه في إلحاقه بنظام الاضطهاد والتنكيل والتهجير القسري للفلسطينيين. وفي القرن الواحد والعشرين فإن نظام الأبارتهايد لن يكون بالإمكان مشاهدته أو البحث فيه أو حتى النضال لمواجهته إلا في الضفة الغربية المحتلة. فإسرائيل قد فرضت نظاماً محكماً للفصل العنصري يمكن مشاهدة ملامحه بوضوح في الشيخ جراح وسلوان ومسافر يطا وغالبية مناطق الضفة الغربية المحاطة بجدار الفصل العنصري وبالمستوطنات المنتشرة في كل مكان. وفي غالبية هذه المناطق تشرعن المحكمة العليا الإسرائيلية جرائم التطهير العرقي ضد الفلسطينيين، وتصدر أحكاماً تتعارض مع قواعد القانون الدولي كما قال المحلل الإسرائيلي يوفال يوعاز. ففي سابقة قضائية، قضت المحكمة العليا حكماً يقضي بأن مصادرة أراضي فلسطينية خاصة لغرض بناء مساكن لليهود يساهم في تقوية وتعزيز أمن المنطقة. وفي نفس السياق العنصري، أكدت المحكمة العليا على رفض التماس السكان الفلسطينيين في ثمانية تجمعات في منطقة مسافر يطا، حيث وافق القاضي على ادعاء دولة الاحتلال بأن سكان منطقة مسافر يطا بدأوا “باحتلالها” بعد أن أعلنها الجيش “الإسرائيلي” منطقة إطلاق نار عام 1981، وهو القرار الذي يسهل عملية تهجير أكثر من 1500 مواطن فلسطيني من 12 قرية وتجمعا لسكان المسافر؛ التي تزيد مساحتها عن 35 ألف دونم. والغريب في قرار المحكمة العليا رفضها الادعاء بأن تحويل المنطقة المدنية إلى منطقة عسكرية مغلقة يتعارض مع القانون الدولي، وصرحت المحكمة في حيثيات قرارها بأنه “عندما يتعارض القانون الدولي مع القانون الإسرائيلي، فإن الأخير هو الذي يسود”!
مسافر يطا التي تقع جنوب مدينة الخليل وتبعد عن بلدية يطا نحو 10 كيلومترات، تعتبر صورة واقعية عن نظام الفصل العنصري الذي يمارس ضد الشعب الفلسطيني. الرحلة من يطا اليها تزيد عن نصف ساعة في طريق غير معبد وخطير. من الصعب على المرضى أو النساء الحوامل أن يصلن الى أقرب مركز عناية صحية بسبب وعورة الطريق وانعدام المواصلات. أخبرنا الأهالي هنالك العديد من المرضى الذين توفوا أثناء نقلهم الى المراكز الصحية في يطا. بالمقابل، فإن سلطات الاحتلال تمنع وزارة الصحة الفلسطينية أو أيا من مؤسسات المجتمع المدني الصحية من إنشاء مراكز صحية دائمة في هذه المنطقة. والنتيجة مزيد من الوفيات وانخفاض معدل الأعمار. أما المدارس القليلة في المنطقة فإنها تبعد على الأقل 10 كيلومترات عن أقرب تجمع سكاني. وعلى الطلبة أن يسيروا في البرد القارس أو تحت أشعة الشمس مسافات طويلة ومحفوفة بالمخاطر. وبالنسبة لجيش الاحتلال، فإنه يمارس العربدة كعادته في هذه المنطقة. حيث يقوم بتدريبات عسكرية ومناورات حية تخيف السكان المدنيين، كما يمنع الزوار من خارج المنطقة من تفقد الأهالي أو تقديم المساعدات إليهم. ويصادر الجيش السيارات المدنية بما فيها سيارات الإسعاف والرعاية الصحية، كما أنه يقوم بهدم البيوت البدوية، والحجة دائما أنها منطقة عسكرية مغلقة. ليس هذا فقط، بل إن جيش الاحتلال يقوم بحماية المستوطنات الصهيونية والبؤر العشوائية التي تنتشر على تلال المسافر. هذه المستوطنات تنتشر فيها المباني الفارهة والطرق المعبدة والبيوت البلاستيكية ومزارع الدواجن المتطورة وتنتشر فيها الخدمات الوفيرة من مياه وكهرباء وتعليم وصحة، بينما أهل المسافر يعيشون في مناطق تنعدم فيها كل الخدمات. والنتيجة التي يمكن ملاحظتها بسهولة في هذه الرحلة غير الإنسانية أن الفلسطيني في هذه المناطق يعيش في إطار القلق والحصار والبؤس والفقر، بينما يعيش اليهودي المستوطن حياة الرفاه والأمن والسطوة. والسبب في هذا الاختلاف بين البيئتين المتجاورتين هو الفروقات الاثنية. انها العنصرية ببساطة. انها صورة قاتمة عن اضطهاد الانسان بسبب لونه أو عرقه أو دينه. وعلى الباحثين والأكاديميين والدبلوماسيين الذين يسعون وراء فهم النظام العنصري أن يزوروا مسافر يطا. أما الأطفال فلا أنصح بزيارتهم، لأنهم سيتعرضون لضغط نفسي كبير، ولن يستطيع الكبار الإجابة عن تساؤلاتهم حول هذه العنصرية الإسرائيلية، التي لا يخجل الإسرائيليون منها ولن نخجل نحن الفلسطينيين من مقاومتها حتى نتحرر من الاحتلال وتستقل دولتنا وعاصمتها القدس مدينة الفلسطينيين الأوائل.