من أبو قش إلى منصات “فوج”.. أماني عطاري تحيك أحلامها بخيوط فلسطينية

عبير البرغوثي- في قرية أبو قش شمال رام الله، وُلدت حكاية مختلفة لامرأة لم تؤمن يومًا بالمستحيل. امرأة آمنت أن الخيوط الصغيرة قادرة على أن تصنع ثوبًا بحجم الحلم. أماني عطاري، الأم لأربعة أبناء، والمصممة التي لم تستسلم لثقل الظروف، حملت حلمها المؤجل سنوات طويلة، قبل أن تفتحه من جديد لتصل به إلى أرقى منصات الأزياء العالمية، ومنها منصات مجلة “فوج”.
منذ طفولتها، كانت أماني مختلفة. تبتسم وهي تستعيد بداياتها: “أمي كانت تقول دائمًا إنني وُلدت مع حب الأزياء. كنت في الرابعة أفتّش في خزائنها، أدمج الملابس مع الحقائب وأصنع إطلالات خاصة. كنت أعرف أن هذا عالمي منذ البداية”.
تبتسم أماني وهي تستعيد ذكريات طفولتها: “أمي كانت تقول دائمًا إنني وُلدت مع حب الأزياء، منذ الرابعة وأنا أفتّش في خزائنها لأمزج الملابس والحقائب وأصنع إطلالات خاصة. كنت أعرف أن هذا عالمي منذ البداية.”
لكن الطريق إلى تحقيق هذا الشغف لم يكن سهلًا. التحقت عطاري بجامعة بيرزيت عام 2001 لدراسة إدارة الأعمال، بينما ظل قلبها مع التصميم. سرعان ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات قاسية؛ أم لطفلتين، وزوجة تعبر حاجز سردا يوميًا .
لم تصمد أكثر من عام واحد، لتنسحب وهي تشعر أن الحلم يُطوى قبل أن يُولد. تسرد: “كنتُ أمًا وزوجة، وكان عبور حاجز سردا يوميًا مع طفلتيّ أشبه بمعركة، لم يكن بوسعي الاستمرار في تخصص لم أحبه أصلًا”.
لكن الحلم بقي حيًّا، بعد 14 عامًا، قررت أماني العودة من جديد. التحقت عام 2018 بكلية الفنون والموسيقى والتصميم في الجامعة نفسها، وتخرجت عام 2022 بامتياز. تقول بثقة: “العودة بعد كل هذه السنوات لم يكن مسموحًا أن تُتوَّج بعلامات عادية. كنتُ أعرف أن عليّ أن أكون مميزة.”
هذه العودة لم تكن مجرد استكمال للدراسة، بل كانت استعادة لهوية ضاعت وسط الظروف، وإعلانًا أن الأحلام المؤجلة يمكن أن تزهر متى ما قرر صاحبها أن يمنحها الحياة من جديد.
رحلتها العملية لم تقل صعوبة. فغياب خبرات الخياطة الاحترافية في فلسطين ونقص المواد الخام دفعاها إلى السفر أحيانًا لدبي وإيطاليا لتنفيذ تصاميمها. ومع ذلك، أصرت على أن تحمل كل قطعة من مجموعاتها عبارة “صُنع في فلسطين”.
وتوضح: “كنت أرفض أن تُنتَزع هويتي من تصاميمي. فلسطين هي أساس كل قطعة أصنعها.”
الانطلاقة العالمية جاءت من دبي، حين شاركت في واحدة من أكبر مسابقات الأزياء بالشرق الأوسط، وقدمت مجموعة مستوحاة من البيئة الفلسطينية ورواية جبران خليل جبران الحقيقة العارية. “لم أذهب لأشارك فقط، كنت واثقة أنني ذاهبة للفوز. لا أحد يتحمّل كل هذا العناء إلا إذا كان مؤمنًا بعمله.” تقول بكلمات كلها ثقة وإصرار.
ولم تتوقف الإنجازات عند ذلك. تصاميمها ظهرت لاحقًا على منصة “فوتوفوج” التابعة لمجلة “فوج” العالمية. بالنسبة لها، كان ذلك رسالة بأن المصمم الفلسطيني قادر على المنافسة عالميًا: “كنا نحتاج فقط إلى الفرصة. لطالما تميزنا بفنوننا وجمالياتنا.”
وجدت أماني في التصميم مساحة لإظهار شغفها ورؤيتها الخاصة للجمال، معتبرة أن كل ما خلقه الله جميل إذا ما نظرنا إليه من زاوية مختلفة.
لكن أماني لا ترى في تصميم الأزياء مجرد مهنة، بل رسالة. تقول: “رسالتي هي أن الاحتشام لا يتعارض مع الأناقة. الملكات والأميرات لا يرتدين إلا اللباس المحتشم، لأنه رمز الرقي والجمال الحقيقي.”
رحلة عطاري تعكس قناعة راسخة: أن الفشل كلمة لا مكان لها في قاموسها. رحلتها المليئة بالمنعطفات لم تُفقدها الثقة، بل زادت من صلابتها. تؤكد: كلمة الفشل سقطت من قاموسي. وكل من لديه حلم يجب أن يحاول تحقيقه، حتى لو لم ينجح، يكفيه شرف المحاولة.”
اليوم، أماني عطاري لم تعد مجرد مصممة أزياء فلسطينية، بل أيقونة تلهم جيلًا كاملًا. قصتها تقول إن الحلم يمكن أن يتأخر، لكنه لا يموت. بل ينضج ويزهر في اللحظة التي يؤمن فيها صاحبه أن الطريق وإن طال، فإنه يقود حتمًا إلى الوصول.
من أبو قش الصغيرة، إلى “فوج” العالمية، تحيك أماني عطاري حكاية فلسطين بلغة الخيط والإبرة، وتثبت أن الإبداع الفلسطيني قادر على أن يكتب حضوره أينما كان.



