عبد الباسط خلف- يراقب ناصر أحمد نعمة خازم عن بعد هدم جرافات الاحتلال لمسقط رأسه ومسرح طفولته ومكان عمله في أقصى أطراف مخيم جنين، ظهيرة أمس الإثنين.
ويستذكر بوجه متعب وعيون مرشحة للدموع، لحظات اقتلاع والده من مدينة شفا عمرو في الجليل الغربي، عشية النكسة، التي يقول إنها تتكرر اليوم بصورة أقسى وأبشع، إذ طالت 11 منزلا و11 متجرا أسستها العائلة على مدار عقود، تلاشت كلها بلمح البصر.
ويسترد خازم، الذي أبصر النور في المخيم عام 1963 إلى قصة طرد الاحتلال البريطاني لوالده نحو جنين، وإبعاد عنه نعمة إلى غزة، وبدأ معاناة طويلة.
ويصف اللحظات القاسية التي حلت ببيوت العائلة بـ “الأصعب منذ ولادته”، وبـ”نكبة كبرى” للعائلة التي كان والدها المعروف بين الأهالي بـ”الفورمن” أول مدير للمخيم.
ويؤكد بحسرة أن أصول العائلة تنحدر من بلدة قباطية، لكنها استقرت قبل عام 1948 في شفا عمرو، وتشاهد اليوم أصعب لحظة تمر عليها في حياتها.
ووفق خازم، فقد أقام والده مكان البيوت التي هدمت اليوم غرفة بسقف من القصب، ثم طورها إلى حائط من الصفيح، ولاحقا بدأت العائلة بتوسعتها على مقربة من خط سكة الحديد العثمانية، ولاحقًا صار المكان يعرف بدوار الحصان، الذي لم يسلم من التدمير والتجريف خلال عدة مرات.
ويسرد ناصر (الأب لولدين و4 بنات)، أسماء إخوته الذين خسروا بيوتهم ومصادر رزقهم، فالبكر حسن (أب لأربع أبناء وابنتين)، ونصرات (ولدان وابنة)، وأمجد (ثلاث بنات وولدان)، ونعمة (ولدان)، ومحمد (3 أبناء)، ومحمود (ولدان ومثلهما من البنات)، ونور الدين (ولد واحد وابنتان)، والأخوات أمل وندى وحنان والراحلة نجية.
ويختزل: لقد دمروا تعب 60 سنة في عز الظهر، وحرموا أكثر من 100 إنسان من دفء جدرانهم.
ويشير إلى أن العائلة أجبرت على النزوح من بيتها الكبير إلى الزبابدة وجنين وقباطية، واليوم تخسر كل شيء.
ويبين أن البيت ليس مجرد حجارة وإسمنت وأثاث، بل هو ذكريات وطفولة وشباب وصبا وشقاوة ومرض وصحة وحزن وفرح ولمة وضحكات ودموع وعمل وأمل.
وتعد بيوت عائلة خازم الأكبر في المخيم، التي يجري تحويلها إلى كومة من الركام دفعة واحدة، وهي الأقرب إلى مستشفى جنين الحكومي.
والمؤلم وفق ناصر، إن العائلة لم تخرج شيئا من مقتنيات بيوتها، فقد أجبرت على تركها في 21 كانون الثاني الماضي، وسبق أن نالت ألسنة النيران من مخازنها، فقد عمل أفراد منها في التجارة منذ عام 1989.
ولم يحص خازم خسائره المادية، لكنه دخل في حالة حزن شديدة على الخسائر التي لا تعوض.
ويقدم بحزن حدود بيوته ومتاجره، فشمالها المستشفى الحكومي، وجنوبها بيت الصانوي والمختار عساف وعمارة الأسمر، وشرقها بيت آل حسان، وغربها مقر اللجنة المحلية لتأهيل المعاقين.
وينهي: لقد غيروا جغرافيا المنطقة، وتعرضوا لبيوتنا ومتاجرنا بالتجريف والتدمير والحرق ونسف الأبواب، واليوم مسحوا كل ما أقمناه بتعب وشقاء 6 عقود، ودمروا كل شيء.
ووفق معطيات محلية غير نهائية، فقد هدم جيش الاحتلال منذ بداية العدوان الحالي والمتواصل نحو 600 منزل، وأجبر قرابة 22 ألف مواطن على النزوح من مخيم جنين، في أكبر وأطول استهداف منذ النكبة.