
خلال اجتماعهما في قصر الإليزيه بباريس، يوم الأربعاء، وصف العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني استئناف الضربات الإسرائيلية في قطاع غزة بأنه «خطوة بالغة الخطورة» تُفاقم من «وضع إنساني كارثي أساساً»، في حين أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه «لا حل عسكرياً ممكن في غزة»، داعياً إلى استئناف عملية التفاوض.
وشدد الملك عبد الله على الحاجة لتحرك المجتمع الدولي «فوراً» لوقف إطلاق النار في غزة والعودة إلى العمل بالمراحل المختلفة التي أُقرت في اتفاق الهدنة.
وتناول الاجتماع قضايا عديدة ذات اهتمام مشترك، وركز على التعاون الثنائي في مختلف المجالات. لكن مع تطور الأوضاع واستئناف الحرب الإسرائيلية بالقطاع، وسقوط مئات القتلى والجرحى خلال يومين، برزت هذه القضية خلال الحوار بين الجانبين.
وندّد العاهل الأردني بمنع إسرائيل إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، وقطع المياه والكهرباء، وغيرها من تدابير قال إنها «تهدد حياة شعب ضعيف». كما دعا إلى وقف التصعيد والتهجير ووقف «التهديدات الإسرائيلية للأماكن المقدسة في القدس»، وهي تدابير اعتبرها الملك عبد الله «تنسف الاستقرار، وتُفاقم التوتر»، محذراً من التداعيات السلبية المترتبة عليها.
وشدد عاهل الأردن مجدداً على الحاجة لقيام دولة فلسطينية، معتبراً هذا «السبيل الوحيد لضمان أمن إسرائيل والفلسطينيين والمنطقة»، وناشد الدول الأوروبية العمل على تحقيق هذه الأهداف.
من جانبه، قال الرئيس الفرنسي إن المنطقة «تواجه مخاطر كبيرة لزعزعة الاستقرار»، واعتبر أن استئناف الغارات على غزة، على الرغم من جهود الوسطاء، «خطوة دراماتيكية إلى الوراء… سواء بالنسبة للفلسطينيين في غزة الذين غرقوا مرة أخرى في رعب القصف، أو بالنسبة للرهائن وعائلاتهم الذين يعيشون في كابوس الانتظار وعدم اليقين، أو للمنطقة بأسرها التي تحاول التعافي بعد أكثر من عام من الحرب والاضطرابات».
وأضاف: «يجب أن تتوقف الأعمال العدائية فوراً، ويجب أن تُستأنف المفاوضات بحسن نية تحت رعاية الأميركيين الذين ندين لهم بهذا الوقف الأول لإطلاق النار. إننا ندعو إلى وقف دائم للأعمال العدائية وإطلاق سراح جميع الرهائن».
وهاجم الرئيس الفرنسي حركة «حماس» معتبراً أنها «هُزمت، وأسهمت في أخطر كارثة حلت بالفلسطينيين منذ عام 1948». كما انتقد إسرائيل قائلاً: «ما من حل عسكري إسرائيلي ممكن في غزة، كما أن عمليات الاستيطان والضم والترحيل القسري لن تشكل مخرجاً من صدمة 7 أكتوبر (تشرين الأول)».
«القطعة المفقودة»
وبالنسبة للخطة التي تبنتها جامعة الدول العربية لإعادة إعمار غزة، رأى ماكرون أنها «تقترح إطاراً موثوقاً لإعادة الإعمار، وعناصر لضمان الأمن وتثبيت شكل جديد من الحكم» بعيداً عن «حماس».
وأضاف: «نحن ندعم هذا الاقتراح. نحن والأوروبيون مستعدون للمساهمة في هذه الخطة، وسوف نناقشها غداً في المجلس الأوروبي، ومع الأمين العام للأمم المتحدة»، مشيراً إلى أنها ستكون موضع تباحث مع ملك الأردن.
وأشار الرئيس الفرنسي إلى الحاجة لقيام دولة فلسطينية، اعتبرها «القطعة المفقودة» في هندسة الشرق الأوسط، وقال إن قيام هذه الدولة «سيعيد للفلسطينيين حقوقهم المشروعة ويزيل أي ذريعة للتلاعب بالقضية الفلسطينية»، مؤكداً أن هذا عنصر أساسي لاستقرار جميع دول المنطقة.
وقال إن تطوراً كهذا «يحتاج إلى شجاعة سياسية».

قالت الناطقة الرسمية باسم وزارة الخارجية الأميركية، تامي بروس، الأربعاء، أن حكومتها تشعر بحجم المأساة الإنسانية التي تلم بغزة وبشعبها بسبب الجوع والعطش واستئناف الحرب ، ولكن اللوم في كل ذلك يقع على حماس.
وقالت الناطقة بروس في ردها على سؤال مراسل القدس في مؤتمرها الصحفي قاعة المؤتمرات الصحفية في الوزارة بشأن مقتل أكثر من 180 طفلاً فلسطينياً ، جراء استخدام إسرائيل مقاتلات حربية أميركية – حوالي 100 طائرة في قصف غزة التي لا تمتلك دفاعات أرض -جو على الإطلاق، وبشأن القضية الإنسانية، المتفاقمة مع وقف المساعدات وما إذا كانت الولايات المتحدة تشعر بالقلق من وقوع كارثة فوق كارثة: “إن تصرفات العالم ضد ما يحدث توضح أننا سنعمل على وقف هذا؛ ما أستطيع قوله لكم هو أنها كارثة، وكان هناك وقف لإطلاق النار في السابع من ديسمبر/كانون الأول والسابع من تشرين الأول 2023 ؛ كان هناك وقف لإطلاق النار، وانتهك بـمذبحة راح ضحيتها 1200 شخص، واحتجاز أكثر من 250 رهينة، ولا يزال الرهائن الباقون في ظروف مجهولة، ومن المؤكد أن إيدان ألكسندر يستحق الحرية، ولكنه لم يحصل عليها بعد”.
وأضافت الناطقة : “لذا عندما نفكر في سبب وجودنا في هذا الوضع، دعونا لا ننسى ، فمن المهم أن نستمر في تذكير الناس بالأمور التي أشعلت شرارة هذه الحرب، فظاعة السابع من تشرين الأول (2023)، فظاعة هذه المذبحة الجماعية التي صُوّرت بالفيديو، والتي تضمنت ذبح الأطفال والرضع والنساء – اغتصاب النساء وقتلهن أمام الجميع ؛ لا يمكن أن يستمر هذا”.
مخيم عين بيت الماء.. فصل جديد في متوالية التهجير

بشار دراغمة- قبل أن يطل الفجر على مخيم عين بيت الماء، شق أزيز الرصاص وهدير المركبات العسكرية صمت الليل وهي تغزو طريقها بين الأزقة الضيقة، معلنة جولة جديدة من الألم، وجريمة أخرى تضاف إلى سجل الاحتلال في حملات التهجير القسري للمواطنين.
المخيم القابع في غرب نابلس، الذي طالما شهد على محطات الصمود، وجد نفسه في عين العاصفة، تحت قبضة المحتل الذي لا يزال يعبث بمصائر المواطنين، ويدفعهم نحو المجهول، وكأن قدر الفلسطيني أن يحمل وطنه في قلبه، وبيته على ظهره.
الزميلة في صحيفة “الحياة الجديد” حنين خالد التي تسكن مخيم العين أكدت أن عمليات الاقتحام تطال المنازل بشكل متتابع وسط عمليات تهجير متوالية، مشيرة إلى أن قوات الاحتلال تقتحم البيوت واحدا تلو الآخر دون تمييز، وتجبر المواطنين على الخروج دون إمهالهم لحمل أي متعلقات شخصية، وكأن الهدف هو محو المخيم من الوجود بكل تفاصيله.
وأضافت: “هذا ليس مجرد اقتحام، هذه حرب مفتوحة على سكان المخيم، كل شيء يتعرض للتدمير، البيوت، الشوارع، وحتى الذكريات”.
“استيقظنا على أصوات صراخ الجنود ودوي الانفجارات، وكأن حربا اندلعت فوق رؤوسنا”، هكذا وصف محمد بدوي اللحظات الأولى للاقتحام.
المواطن بدوي الذي اضطر مع عائلته للنزوح قسرا من المخيم، لم يكن وحده في ذلك المصير، إذ سرعان ما توافدت العائلات مجبرة على النزوح من منازلها تحت تهديد السلاح، والكل يحاول البحث عن مكان آمن بينما ينظر إلى المحيط بعيون مذعورة، تحاول الإمساك بما تيسر من حاجياتها.
يتابع بدوي بصوت متقطع يختلط بالحزن والغضب: “اقتحموا منزلنا، طلبوا منا الخروج فورا، لم يسمحوا لنا بأخذ أي شيء، دقائق معدودة، وكانت حياتنا كلها قد انقلبت رأسا على عقب”.
وهو حال أكده شهود آخرون، منهم أحمد علي، الذي قال: “حاصروا المخيم بالكامل، بدأوا بمداهمة المنازل واحدا تلو الآخر، لم يسلم بيت من الهدم والتخريب، حتى الأطفال لم ينجوا من الرعب الذي زرعوه في قلوبهم”. لم تكن حملة التهجير هذه سوى جزء من عملية عسكرية أوسع، طالت جميع جوانب الحياة داخل المخيم. ومع تزايد عمليات المداهمة، بدأت قوات الاحتلال في اعتقال مواطنين، دون أي تهم واضحة سوى أنهم فلسطينيون يعيشون على أرضهم.
أروقة المنازل تحولت إلى خرائب، نوافذ محطمة، أثاث متناثر، جدران مثقوبة برصاص الحقد، وكأن شوارع المخيم صارت مرآة تعكس وجه الاحتلال بأبشع صوره، وفق ما تناقله شهود العيان.
لم يكن القتل غائبا عن هذا المشهد المأساوي، حيث استهدفت قوات الاحتلال الشاب عدي عادل القاطوني، الذي كان داخل مركبته حين أطلقت عليه النيران بدم بارد، واحتجز الجنود جثمانه، وكأنهم يريدون أن يجعلوا من جسده رسالة ترهيب لكل من يفكر في التمسك بالبقاء.
وقف محافظ نابلس، غسان دغلس، أمام المخيم محاطا بأهاليه الذين يقفون بين صدمة الحدث ورغبة البقاء، ليقول بكلمات ثابتة وسط العاصفة: “الاحتلال يشن حرب إبادة ضد شعبنا في كل مكان، ما يجري هنا ليس مجرد عملية عسكرية، بل تدمير ممنهج لمحاولة فرض واقع جديد على الأرض، لكننا باقون ولن نرحل، ولن نسمح بأن يتحول مخيم العين إلى ذكرى أخرى في كتاب النكبات”.
لم تكن المؤسسات الإنسانية غائبة عن المشهد، فالهلال الأحمر كان في سباق مع الزمن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه حيث اخلى حالتين من مرضى غسيل الكلى إلى مستشفى النجاح، وحالة أخرى إلى المستشفى الوطني. وقال: “أجلينا عشرة أشخاص كانوا محاصرين داخل مسجد المخيم”.
أما غسان حمدان، مدير الإغاثة الطبية، فكان صوته يتهدج من الغضب: “عائلات بأكملها تطرد من منازلها بالقوة، مبان تضم أكثر من عشرين عائلة تم تفريغها بالكامل، المرضى يمنعون من تلقي العلاج، الجنود يتعاملون بوحشية في محاولة لإخلائهم. ما يجري هنا هو فصل جديد من فصول التهجير القسري، وجريمة حرب بكل ما تحمله الكلمة من معنى”.
لليوم الـ59: تواصل عدوان الاحتلال على جنين ومخيمها وسط تهجير قسري وهدم وحرق منازل

تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي، عدوانها على مدينة جنين ومخيمها لليوم الـ59 على التوالي، وصعدت من عمليات التهجير القسري للمواطنين، بعد إجبارهم على ترك منازلهم تحت تهديد السلاح.
وأخطرت قوات الاحتلال يوم أمس بهدم قرابة 66 منزلا في حارات الحواشين والألوب، ومسجد عزام، وجورة الذهب، وحارة السمران، بحجة توسيع الشوارع، وشق طرقا جديدة في المخيم، لدخول آلياتها العسكرية.
وأحرقت قوات الاحتلال الليلة الماضية عددا من المنازل في محيط ديوان السعدي داخل المخيم، وتستمر في اغلاق الشارع المؤدي الى مستشفى جنين الحكومي من جهة مدخل مخيم جنين، بالسواتر الترابية.
ومنذ بدء العدوان، اعتقلت تلك القوات قرابة 227 مواطنا من محافظة جنين، فيما أجرت تحقيقات ميدانية لعشرات المواطنين.
وبحسب بلدية جنين، فإن الاحتلال جرف 100% من شوارع مخيم جنين وقرابة 80% من شوارع مدينة جنين، فيما تم تهجير سكان 3200 منزل من المخيم، فيما شهد اقتصاد مدينة جنين تراجعاً كبيراً وازدادت نسبة الفقر بين سكانها.
وخلّف عدوان الاحتلال حتى اللحظة، 34 شهيدا، وعشرات الإصابات، والمعتقلين.