1

غزة.. حكاية صمود وكبرياء

أصعب المواقف في الحياة نقطة النهاية، نهاية رجل شجاع، نهاية قصة بطولة، نهاية مغامرة جريئة، أو نهاية حكاية شعب والقضاء على تراثه وتاريخه، وهذه الأخيرة لا يمكن أن يقبل بها شعب فلسطين، وعليه لا تزال غزة الصامدة بكل كبرياء ترفض النهاية، وتقدم كل يوم عشرات الشهداء على طريق حريتها ونيل مُناها ورغباتها بالتخلص من وزر هذا العدوان الشرير، الذي لا يُفرق بين كبير وصغير، فيقتل ويذبح ويدمر بلا ضمير، بذخائر أميركية الصنع، تحرص إدارة بايدن على توريدها لإسرائيل باستمرار حتى تقتل أطفال غزة، لتلعب الولايات المتحدة كل الأدوار المخزية، فهي التي تدعم إسرائيل لشن الحرب، وتزودها بالذخائر والعتاد، وتدافع عنها في الجلسات الأُممية، وتقف في وجه قرارات مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات في لاهاي، وفي الوقت نفسه تقوم بارتداء الزي المتنكر، وتفرض نفسها كوسيطة غير نزيهة، تسعى لتغيير المعادلات وترسيم شرق أوسط جديد، يتوافق مع العقلية الإسرائيلية، وعلى مقاييس الغرب الاستعماري، الذي يجد ضالته اليوم بالصمت، في الوقت الذي تتوجع فيه غزة كل لحظة، ولكن لا أحد يعير هذا الوجع الاهتمام.

يتواصل نزيف الدم في قطاع غزة كل يوم، وتتشح الطرقات والشوارع بالسواد، فالكل في حداد، في ضوء مجازر الاحتلال اليومية، التي وصل عدد شهدائها حتى كتابة هذا الحديث إلى أكثر من ٤٣٨٠٠، فيما الجرحى بعشرات الآلاف، إضافة للمفقودين والمعتقلين والمعاقين والجرحى الذين لا يجدون وسيلة للسفر من أجل العلاج، وأولئك الذين تحرمهم إسرائيل من السكن والمبيت والماء والغذاء والكهرباء والدواء، وكل مقومات الحياة الإنسانية، التي يفتقدها سكان قطاع غزة، الذين يعيشون القصة مرةً تلو المرة بالتهجير والطرد والإخلاء والإقصاء.

حال غزة يُدمي قلوب الفلسطينيين، فمن غيرهم يعاني، الجواب: لا أحد، وعليه فالقضية هنا فلسطينية بحتة، وهي قضية مصيرية، سيتغلب على صعابها وتحدياتها ومعوقاتها أبناء شعبنا، رغم أنهم يحتاجون لدعم وإسناد الشعوب العربية وأحرار العالم الذين ينطقون بكلمة الحق في كل المحافل، بعد أن أغلقت في وجه الفلسطينيين كافة الأبواب، وارتدى الجميع ثياب الخنوع والإذلال، بإطاعة أوامر سيدة شياطين الكون، الولايات المتحدة، وأداة  الجريمة والعدوان، إسرائيل التي تشن الحروب على شعبنا وعلى شعوب المنطقة، انطلاقاً من سياسة عنصرية، لا تعترف بالحق الفلسطيني بالوجود، كما تقول الصهيونية التي انطلقت على أساس عدم وجود فلسطين، وضرورة القضاء على كل ما هو فلسطيني.

حرب التجويع هي فصل كبير من فصول الإبادة التي تسعى إليها إسرائيل، في شمال غزة ومعظم أنحاء القطاع، في محاولة لطرد أبناء شعبنا وفرض حالة التهجير القسري عليهم، وهذا جزء من (خطة الجنرالات) التي اعترف قادة وضباط إسرائيليون بتنفيذها، ولوّحوا بأن احتلال غزة سيتواصل حتى نهاية العام المقبل، وبذلك تسعى حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة لمواصلة قتل الفلسطينيين، والسؤال الذي يطرح نفسه: متى يتوقف نزيف الدم الفلسطيني، وتضع الحرب أوزارها، كما حصل مع كل الحروب في العالم وحروب العرب السابقة مع إسرائيل التي انتهت بالهزائم والنكسات؟ لكن هذه الحرب التي يسعى الاحتلال فيها لقتل روح وكبرياء شعبنا الصامد في غزة والضفة بما فيها القدس ستقلب السحر على الساحر، وستثبت للمحتلين والغزاة أنّ شعب فلسطين لا يُهزم، وأن الشهداء الذين يرتقون على مذبح الحرية والاستقلال هم شموع الغد الذين سيُنيرون درب المستقبل حتى تعود غزة إلى سابق عهدها، وتحافظ على شموخ حكايتها التي لا يمكن لإسرائيل أو الولايات المتحدة أن تقضي عليها، لأن شعبنا سيبقى أقوى من كل المؤامرات التي ستتحطم على صخرة صموده وتشبثه بالحياة الكريمة.




“الأسوأ في تاريخها”.. موجة جفاف غير مسبوقة تضرب الولايات المتحدة هذا العام

 تشهد الولايات المتحدة الأميركية حاليا واحدة من أسوأ موجات الجفاف في تاريخها الحديث، والتي كان آخرها العاصفة الاستوائية “سارا” التي ضربت أميركا الوسطى، أمس الجمعة.

ووفقا لما نشرته صحيفة “واشنطن بوست”، وبالرغم من النشاط الملحوظ لموسم الأعاصير هذا العام، إلا أن هذه الظاهرة الجوية ساهمت بشكل غير مباشر في تفاقم أزمة الجفاف التي تضرب معظم أنحاء الولايات المتحدة.

وتعاني مناطق، مثل: إسبانيا، وتايوان، من فيضانات مدمرة، تقف الولايات المتحدة كجزيرة من الجفاف، في ظل تزايد الرطوبة العالمية.

ووفقا لتقرير مراقب الجفاف الأميركي، فإن 83% من مساحة البلاد تعاني من ظروف جفاف غير طبيعية، مما يهدد حياة أكثر من 237 مليون أميركي، ويؤثر على قطاعات اقتصادية حيوية.

وفي السياق، تواجه المدن الكبرى، مثل نيويورك، أزمة في إدارة مواردها المائية، حيث انخفضت مستويات المياه في خزانات المدينة إلى 61% فقط من طاقتها الاستيعابية، مقارنة بالمعدل الطبيعي البالغ 79%.

ودفع هذا التراجع السلطات الأميركية إلى إعلان حالة مراقبة الجفاف بعد تسجيل أكثر الأشهر جفافا منذ 155 عامًا.

ويشير الخبراء إلى أن موجات الحرارة البحرية غير المسبوقة والضغط المرتفع فوق الولايات الشمالية قد تشكل حاجزًا يمنع وصول الأمطار إلى المناطق المتضررة، وترتبط هذه الأنماط الجوية بالتغير المناخي وارتفاع درجات حرارة المحيطات.




الطيراوي: المخيمات ستدرس سبل التصدي لمشروع تصفية “الأونروا” وقضية اللاجئين

هديل أبو ريال- يعيش مخيم بلاطة أكبر مخيمات الضفة منذ اندلاع الحرب العدوانية على شعبنا في السابع من تشرين الأول 2023 أوضاعاً معيشية صعبة، بسبب تعرض المخيم لسلسلة اجتياحات احتلالية، بالإضافة إلى ارتفاع نسبتي الفقر والبطالة بشكل غير مسبوق نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية.

وسط هذه الظروف، يتحدث عماد زكي الطيراوي رئيس اللجنة الشعبية في مخيم بلاطة لـ”الحياة الاقتصادية” عن الحالة التي يعيشها المخيم، مشيراً إلى أن الأوضاع الاقتصادية المتردية تحول دون تمكين عائلات في المخيم من دفع أقساط أبنائها في الجامعات، بل أن هناك عائلات لم تعد قادرة على توفير ثمن الدواء.

وعلى صعيد ما تتعرض له وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا” من هجوم احتلالي وقرار الكنيست بمنع عملها في القدس وأراضي 48، يؤكد الطيراوي أن اجتماعاً سيعقد قريباً يضم اللجان الشعبية في مخيمات الضفة لتدارس سبل التصدي لمشروع تصفية “الأونروا” وقضية اللاجئين. وفيما يلي نص اللقاء:

تحديات كبيرة

*يُعد مخيم بلاطة أكبر مخيمات الضفة، ما التحديات التي تواجه سكان المخيم على الصعد الصحية والتعليمية والعمرانية والبنية التحية؟

التحديات كثيرة وكبيرة جداً خصوصاً بعد أحداث السابع من تشرين الأول 2023، فهناك تحديات تعليمية وصحية وجميعها مرتبطة بالوضع الاقتصادي السيء، خصوصاً أن معظم سكان المخيم بسبب عدم توفر الأراضي الزراعية يعتمدون على توظيف الحكومة والعمل داخل الخط الأخضر، بعد أحداث السابع من تشرين الأول معظم العمال عاطلون عن العمل، والموظفون تصل رواتبهم كحد أقصى 70٪؜، فهذا أثر على الوضع الصحي والتعليمي، فهناك عائلات لم تعد قادرة على دفع أقساط أبنائها في الجامعات، وأخرى لم تعد قادرة على شراء الدواء خصوصاً للأمراض المزمنة، كما تأثر البناء العمراني بسبب ضيق المساحات، ولا يوجد أموال للتوسع، بالإضافة لاقتحامات الاحتلال المتكررة التي تسببت بتدمير المباني والمحال التجارية والبنية التحتية، فهذا أثر سلباً على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية.

مساع لتصفية قضية اللاجئين

*وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا”تعاني من نقص في التمويل، كيف انعكس ذلك على مستوى الخدمات المقدمة في المخيم؟

كانت وكالة الغوث تقدم دعمها لـ 150 إلى 200 أسرة فقيرة، تصرف لهم بعض الأموال والمواد التموينية، لكن للأسف بسبب الأزمة المالية التي تمر بها “الأونروا” تم إلغاء ذلك، وهذا أثر علينا كلجنة خدمات في المخيم، لأن إمكانياتنا ليست كافية لسد هذه الثغرة.
 *تمر القضية الفلسطينية بمأزق خطير في ظل الحرب العدوانية التي تشن على شعبنا، ومن الواضح أنها تعاني من استهداف احتلالي ممنهج، كيف تنظر اللجنة الشعبية لهذا الأمر؟ وماهي خططكملمواجهة المشروع التصفوي لقضية اللاجئين؟
المخطط الاحتلالي في هذا السياق سبق أحداث السابع من تشرين الأول 2023، فالاحتلال يسعى إلى تصفية قضية اللاجئين، لهذا يهاجمون “الأونروا” ويتخذون قرارات بشأن منع عملها في القدس وأراضي 48، كما يتجلى ذلك من خلال اقتحام المخيمات وتدمير المنازل والبنية التحتية فيها، في محاولة لتهجير السكان من المخيمات كما حصل في لبنان، ولكن نحن نطالب بتوحيد الشعب الفلسطيني وإنهاء الانقسام، لوقف الهجمة الاسرائيلية الرامية إلى تصفية وجود الوكالة وقضية اللاجئين، خاصة أنه صدر قرار من الكنيست الاسرائيلي يدفع بهذا الاتجاه.

دور لنشر التوعية المجتمعية

*مثل مخيم بلاطة شعلة الانتفاضة الكبرى عام 1987 في الضفة، وكان له دور في كافة المحطات النضالية، ما الذي تغير على المخيم في رأيكم منذ تلك الانتفاضة إلى يومنا هذا؟

مخيم بلاطة هو الذي أشعل الانتفاضة الكبرى عام 1987 بعد مخيم جباليا في قطاع غزة، ومن ثم انخرط في الانتفاضة الثانية، وكان المخيم دوماً شعلة ومدرسة في النضال ونموذجاً في التلاحم الاجتماعي، لكن الاحتلال عمل على مدار سنوات لتدمير هذه اللحمة عن طريق تشجيع بعض الظواهر السلبية في المجتمع.

*يعاني جيل اليوم من غياب البوصلة فيما يتعلق بوجود جهة تعمل على رفع وعيه بقضايا مجتمعية وثقافية، ما الذي تقومون به على هذا الصعيد؟

نحاول بكل امكانياتنا رغم صعوبة الظروف تنظيم محاضرات وورشات توعوية، على سبيل المثال تعاونا مع جهاز الشرطة لإحضار خبراء مختصين في الجريمة الإلكترونية وانتشار المخدرات لنشر التوعية حول هذه القضايا، كما نعمل على رفع مستوى الوعي الصحي بين تلاميذ المدارس، فنحن بحاجة لهذه الورشات والندوات، وندعو الأهالي لمساعدة لجنة الخدمات، لتوعية الشباب وغرس القيم الوطنية والدينية فيهم وحمايتهم من الظواهر والسلوكيات السلبية.

تركيز على الوضع الاجتماعي

*ما أبرز الفعاليات والنشاطات التي نفذتها اللجنة الشعبية في المخيم خلال هذا العام؟

قمنا بتكريم بسيط لحملة شهادات الدكتوراة بالمخيم، لإظهار الوجه الجيد للمخيم على عكس ما يريده الاحتلال، كما نقوم بتكريم بعض المؤسسات التي تقوم على تحفيظ القرآن الكريم، وتلك التي تنظم الندوات الثقافية، ولكن بعد أحداث السابع من تشرين الأول 2023 نحاول التركيز على متابعة العلاج للعديد من المواطنين، والمساهمة في دفع أقساط جامعية لبعض الطلبة، وتقديم طرود غذائية لبعض الأسر لمساعدتها في هذه الأوضاع الاقتصادية المتردية، ولكن الاجتياحات الاحتلالية أجبرتنا على الانغماس في قضايا معالجة الأضرار الناجمة عن تلك الاجتياحات من تدمير وتخريب، كما يوجد لدينا لجان متخصصة تعليمية وصحية اجتماعية لإصلاح ذات البين، بالإضافة إلى العناية بأسر الشهداء، قبل الحرب الحالية كانت هناك معظم الأنشطة ثقافية وترفيهية أكثر من المرحلة الحالية الي نركز فيها على الوضع الاجتماعي.

تطلعات لاصلاح الدمار والخراب

*ما حجم الخسائر التي لحقت بالمخيم نتيجة الاجتياحات والاقتحامات المتكررة للمخيم خلال العام الحالي؟

الاحتلال تسبب بتدمير(16) منزلاً بشكل كلي في المخيم، يسكن أصحابها حالياً في منازل مؤقتة بالإيجار، بالإضافة إلى تدمير (162) منزلاً بشكل جزئي، و(140) محلاً تجارياً دمرت جزئياً، عدا عن تخريب البنية التحتية، بالإضافة إلى الخسائر البشرية باستشهاد (21) مواطناً و(110) إصابات.

*ما خططكم وتطلعاتكم للعام المقبل؟

طالبنا رئيس الوزراء الدكتور محمد مصطفى خلال زيارته لمخيم بلاطة بمسألتين: الأولى تتعلق بإعادة بناء البيوت المدمرة كلياً وإعادة السكان إلى بيوتهم، والثانية اصلاح البنية التحتية والصرف الصحي، فهذه أولويتنا في الوقت الحالي، لكن نسعى كذلك بالتعاون مع اللجان الشعبية في مخيمات الضفة إلى عقد اجتماع قريب لمناقشة وضع الخطط اللازمة للتصدي لمشروع تصفية “الأونروا” وقضية اللاجئين.




خليل طوقان.. عُمدة أطباء جنين

عبد الباسط خلف- يحمل الطبيب خليل نسيب طوقان صورة تخرجه في كلية الطب بجامعة القاهرة عام 1962، ويعيد عجلة الزمن إلى الوراء لتلخيص حكاية أحد أقدم أطباء جنين وعميد “ملائكة” رحمتها الأحياء.

وأشارت بطاقة هوية طوقان إلى أنه ولد عام 1938 في يافا، بحكم عمل والده في سلك القضاء وإقامته في المدينة الساحلية، فيما نال تعليمه في جنين، وحصل على الثانوية العامة من مصر عام 1954، ليلتحق بجامعة القاهرة، وليعمل نحو عامين في مستشفيات عجلون وإربد الحكومية، قبل أن يعود إلى جنين ليدشن عيادته الخاصة عام 1964، وليكون خامس طبيب فيها بجوار خاله مطيع الأسير، وهاشم عبد الهادي، وسعيد نمر، ونصفت كمال.

فوارق وخيول

واختزل طوقان حال التطبيب قبل النكسة وبعدها، إذ لم تتوفر وسائل المواصلات على نطاق واسع، وكان الشائع تنقل المرضى على خيولهم ودوابهم، أو السير على أقدامهم، أو الصبر على وجعهم.

واستذكر تفاصيل الشارع المجاور لعيادته، إذ كان في أطراف المدينة ويتحول مع عدد المراجعين الكبير إلى ما يشبه الخان، لكثرة الخيول والدواب التي كان يستخدمها المرضى ومن يرافقهم.

وأسهب في نقل أجواء الطب قبل عقود، إذ كان الغالبية يتحاملون على أوجاعهم؛ بفعل ضيق اليد، وكانوا يتوجهون إلى التداوي بالأعشاب والوصفات العربية والشعبية، ويتفادون طرق أبواب “الحكيم”.

تأثر طوقان بخاله الطبيب مطيع الأسير، فقد عمل معه خلال صباه في أول مستشفى أسسه الأسير في جنين قبل النكبة، واختار السفر إلى مصر لعدم وجود نظام لدراسة الثانوية العامة في فلسطين.

وقارن الأدوات الطبية التي كانت سائدة قديما، فلم تكن المضادات الحيوية حاضرة كاليوم، أما الحقن فكانت زجاجية يجري استعمالها عدة مرات بعد تعقيمها، بخلاف البلاستيكية منها اليوم، والتي تستخدم مرة واحدة، مثلما اختلف حال المعقمات.

أدخل طوقان جهاز الأشعة إلى عيادته، بعد وقت قصير من انتشاره، ووظف ممرضا بعد تدريبه على استخدامه، وكان شاهدا على انتشار عشرات العيادات، وتعلم مئات الأطباء الجدد للمهنة الإنسانية.

واسترد تفاصيل أو كشفية تلقها، إذ كانت 20 قرشا أردنيا، قبل أن ترتفع اليوم، لكنه يحرص على استمرارها مخفضة؛ مراعاة لأحوال الناس وتراجع دخولهم.

أمراض وحوادث

وبين أن الأمراض التي كانت أكثر شيوعا قبل عقود نزلات البرد، والتهابات اللوزتين، والأمراض المعوية والجلدية، أما السرطان فلم تكن الأجهزة المتوفرة قادرة على اكتشافه للجزم بوجوده من عدمه.

وفسر طوقان قلة عدد مواطني جنين قبل قرون إلى وجود الكثير من المياه والينابيع في المدينة، وانتشار الملاريا التي كانت تفتك بالأهالي، قبل اكتشاف أدوية تقطع الطريق عليها.

افتتح الراوي عيادة في بلدة قباطية 12 عاما، مطلع الستينيات والسبعينيات، لكنه أعاد إغلاقها، حينما كان يعود إلى عيادته في جنين، ويجد مرضى بلدة قباطية ينتظرونه في جنين.

واجهت عميد أطباء جنين حاليا، العديد من المواقف، ولكنه يتوقف عند أغربها، عندما وصل إليه رجل يريد علاج زوجته، التي ما إن دخلت باب العيادة، وصعدت إلى سرير الشفاء حتى توفيت في الحال، ولولا حضور زوجها لاحتاج إلى جهد لإقناعه بأن الوفاة طبيعية، ولا علاقة لها بمحاولة مداواتها.

وأضاف إن إحدى المريضات، وكانت عرافة ذاع صيتها في قراءة الفنجان، وصلت إلى عيادته، لكنها رفضت أن يقترب منها للكشف عليها، واحتاج وقتا لإقناعها بأن تشخيص المرضى لا يتم عن بعد، وأن الأطباء لديهم القسم الغليظ لمهنتهم، ولا يفشون أسرار مرضاهم.

والدان استثنائيان

وتحتفظ جدران عيادة الطبيب طوقان، الواقعة في حي المحطة بعشرات الصور والوثائق التي تكتب تاريخ جنين، ففي إحدى الواجهات تستلقي صورة لوالده القاضي نسيب منيب طوقان، الذي كان من أوائل المحامين في فلسطين، وعمل قاضيا في محاكم يافا، واختار الإقامة في جنين بعد النكبة، وتنقل في العمل قاضي صلح بين جنين ونابلس، عقب خسارته لبيارة برتقال مترامية الأطراف بنحو 120 دونما اشتراها في مدينة أم خالد (نتانيا اليوم)، وركب لها مضخة ماء حديثة، قبل وقت قصير من أيار 1948.

وأشار إلى أن والده كان يرى في مزاولة مهنة المحاماة من المحرمات؛ لأنه لا يجوز الدفاع عن المذنبين، ومن أراد نصرة المظلومين فيجب أن يكون ذلك دون مقابل مادي، ولذلك رفض تعليم ابنه وابنته الوحيدة خولة للحقوق.

وتوقف طوقان عند والدته الحاجة عدالت مطيع الأسير طوقان، السيدة التي ولدت في حماة السورية سنة 1913، وتلقت تعليمها الأساسي هناك، ثم تنقلت بين السلط الأردنية وجنين، واستكملت دراستها بدار المعلمات بالقدس، وعملت معلمة في مدارس جنين وطولكرم ووكالة الغوث، وأسست جمعية جنين الخيرية عام 1971، وبدأت بتقديم مساعدات للجامعيين الفقراء، وأنشأـت مدرسة الحنان للصم، ثم أضافت خدمة رياض الأطفال.

ووفق طوقان، فإن مندوبي شركات الأدوية كانوا لا يحبذون الوصول إلى جنين، لبعدها عن مراكز المدن الكبيرة.

وأضاف أن أكثر أوقات المدينة صعوبة، ما عاشته خلال انتفاضة عام 1987، وفرض الاحتلال لحظر التجوال مددا طويلة، بينما كان يتنقل بين الجبال لمداواة الجرحى.

إذاعة ودولاب

وتلتصق بذاكرة الطبيب خليل ملامح زيارته لقريب والدته، من عائلة بدران، الذي كان يعمل في “إذاعة الشرق الأدنى”، والتي كانت على بعد خطوات من بيت عائلته، ثم انتقلت إلى يافا فالقدس عام 1947.

فيما عاش صباه مع دولاب الماء الشهير، الذي أحضره جده القاضي مطيع الأسير من حمص برفقة عمال لتركيبه في بيته، وكان يستخرج المياه من النبع لري المزروعات ولسقاية عابري السبيل. وأوضح أن الدولاب بقي حتى وقت قصير، إلى أن سقط تلقائيا قبل عدة سنوات.

وطوقان أب لأربعة أبناء وبنت وحيدة، رفضوا غالبيتهم دراسة الطب؛ بسبب إحساسهم بالتعب والجهد الذي يقدمه والدهم، ولعدم وجود وقت خاص لأبيهم، ولم يقتنع بذلك غير ابنه الأصغر معتصم، الذي يتخصص في الأمراض الصدرية بألمانيا الاتحادية.

ويرتبط الطبيب خليل بصلة قرابة بالملكة علياء طوقان، التي ولدت في القاهرة، وتزوجت من الملك الأردني الحسين بن طلال، رحمه الله، في كانون الأول 1972، فهي ابنة ابن عمه بهاء الدين.

واختتم طوقان بالقول إنه يرفع شعار (جنين فوق الجبين)، تعبيرا عن حبه لمدينته، ويقضي أوقات فراغه في حديقته المتاخمة لعيادته، ويعهد أشجاره ونباتاته، ويتحسر على مزاحمة الإسمنت لمساحاتها الخضراء ولسهولها الخصبة.




أفوكادو قلقيلية.. ضحية أخرى للحصار

عشرات الآلاف من الأطنان تتلف بسبب الإغلاق المتكرر للمنفذ التجاري لمعبر الكرامة

ميساء بشارات-حققت زراعة الأفوكادو في قلقيلية والمناطق القريبة قفزات من النجاح في العقد الأخير، رغم التحديات الكبيرة، وعلى رأسها اقتطاع الاحتلال بواسطة الجدار مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية الخصبة، واغراق السوق المحلية من الأفوكادو بالمنتج الإسرائيلي متدني الجودة في موسم القطاف، ومع ذلك وخلال فترة قياسية أصبحت قلقيلية تنتج كميات من الأفوكادو تلبي احتياجات السوق المحلي، ويتم تصدير الفائض إلى الخارج،وكان ذلك نتاج استثمارالمزارعين وأموالهم في زراعته، معتمدين على جودة الإنتاج وقوة السوق الخارجية لرفع دخلهم وتحسين مستوى معيشتهم.

واليوم، يواجه مزارعو الأفوكادو في محافظة قلقيلية تحديات كبيرة تتعلق بتسويق محاصيلهم بسبب الممارسات الإسرائيلية المستمرة. فقد أصبح تصدير محصول الأفوكادو للخارج معضلة تؤرق المزارعين، خصوصًا في ظل القيود التي يفرضها الاحتلال على حركة البضائع عبر معبر الكرامة (الجسر) الواصل بين الضفة الغربية والأردن.

الاغلاق المتكرر للمعبر تسبب في تراكم الشاحنات المحملة بالأفوكادو، واضطر أصحابها إلى الانتظار لأيام طويلة دون أي حلول. وتسببت هذه الإجراءات في خسائر كبيرة للمزارعين، إذ بدأت ثمار الأفوكادو بالتلف بسبب تأخر نقلها إلى وجهاتها الخارجية، ما أدى إلى إتلاف جزء من المحصول وعدم ملاءمته للبيع أو التصدير.

الخسائر المالية كانت كبيرة؛ فمزارعو الأفوكادو في قلقيلية يعتمدون بشكل كبير على عوائد التصدير، حيث يعتبر السوق الخارجي هو المصدر الأساسي لتعويض تكاليف الزراعة العالية.

المزارع أحمد سلمي (48 عامًا) من مدينة قلقيلية، العامل في زراعة الأفوكادو منذ 20 عاما، يعاني من صعوبات في تصدير محصوله إلى الأسواق الخارجية، حيث يزرع على مساحة 45 دونمًا، منها 35 دونمًا مخصصة لأنواع خاصة بالتصدير، بينما تتراوح أعمار أشجاره بين 4 إلى 20 عامًا.

في الظروف العادية، يقوم أحمد والمزارعون ببيع منتجاتهم للتجار الذين يقومون بتجهيز الشحنات وتنسيق مواعيد العبور عبر الجسر لتصدير المحصول.

وكان من المقرر أن يتم تحميل شحنة تزن 29 طناً منذ أسبوعين، ولكن بسبب إغلاق الجسر، تأخرت عملية التصدير بشكل متكرر، حتى تلف المحصول بالكامل، ما كبّد أحمد خسائر تقدر بـ150 ألف شيقل.

يقول سلمي: “تشكّل هذه الخسائر عبئًا كبيرًا، حيث كنت اعتمد على هذا الموسم السنوي كمصدر دخل رئيسي لتسديد ديوني وتغطية تكاليف الإنتاج والانفاق على العائلة”.

ويشرح أحمد للحياة الاقتصادية، ان الأمر لا يقتصر على الخسائر المالية فحسب، إذ أن نوعية الأفوكادو المزروعة مخصصة للتصدير ولا تلقى رواجاً في السوق المحلي، ما يجعل من الضروري تصدير المحصول إلى الخارج”.

حاليًا، يخشى أحمد من تجهيز شحنات جديدة، مع تزايد المخاطر في ظل الإغلاقات المستمرة، إلا أنه مضطر للمجازفة، إذ لا يمكنه وقف عملية قطف الثمار لتجنب مزيد من الخسائر. يقول: “أوراقنا والتنسيق جاهزان، لكن معيقات الاحتلال لا يمكن التنبؤ بها، وهذا الإنتاج مخصص للتصدير، ولا يُسوَّق محليًا، فإلى أين نذهب بهذه الكميات؟”.

ويتابع أحمد بحسرة، إلى جانب تكاليف الإنتاج، فإن العمالة التي تشارك في القطف والتحميل تشكّل تكلفة إضافية، ما يفاقم من حجم الأعباء المالية التي نتحملها.

ويتمنى أحمد عودة فتح الجسر قريبًا لاستئناف التصدير وتفادي خسائر أكبر ان استمر الوضع، معتبراً أن هذا الموسم هو أمل المزارعين لسداد التزاماتهم المالية وضمان استدامة مصدر رزقهم السنوي، لأنهم يعتمدون على دخل التصدير لتغطية نفقات الزراعة والمعيشة.

المزارع أحمد ليس وحده الذي يتعرض لهذه المعاناة، المزارع والتاجر محمد شريم، من قلقيلية، يواجه أيضا نفس الصعوبات في تصدير محصوله بسبب الإغلاق المستمر للجسر الذي يعد المنفذ الوحيد لتسويق إنتاجه إلى الأسواق الخارجية.

يقول محمد وهو يتجول بين أشجار الافوكادو المثمرة إنه خطط لتصدير ثلاث شحنات هذا الموسم، تزن حوالي 77 طناً بقيمة تصل إلى 400 ألف شيقل، ولكن إغلاق الجسر أمام التصدير تسبب في تلف المحصول وبقائه في الضفة.

يتابع: “منذ عام 2012 ونحن نصدر إلى الأردن ودول الخليج محصول الأفوكادو، وعادة ما تصل الشحنة في غضون ثلاثة أيام. لكن اليوم، أصبح الجسر كالعقبة الدائمة أمامنا، حيث نرسل الأوراق والفواتير لشركة النقل، ويتم التنسيق مع الجانب الإسرائيلي، ثم ننتظر يوماً بعد يوم دون جدوى، حتى تلف المحصول بالشاحنات التي كان منوي تصديرها للخارج”.

ويرى محمد أن هذه المعيقات تؤثر بشدة على المزارعين والمصدرين، حيث يتوجب عليه سداد قيمة المحصول الذي اشتراه من مزارعي قلقيلية، وهو لا يستطيع استرجاع التكاليف بسبب تلف الثمار.

وانقلبت جميع آمال محمد وغيره من مزارعي الافوكادو، بعد أن كان هذا الموسم مبشراً بغزارة الإنتاج، حيث توقعت وزارة الزراعة الفلسطينية إنتاجا يصل إلى 12 ألف طن من الأفوكادو، مقارنة بـ9 آلاف طن في العام الماضي.

ومع دخول شهر نوفمبر، الذي يعتبر ذروة إنتاج الأفوكادو، يقف محمد في مأزق، إذ يقول: “الهدف الآن لم يعد الربح، بل إنقاذ المحصول من التلف”.

ورغم محاولاته التصدير، يوضح محمد أن المشكلة تظل بيد الجانب الإسرائيلي، دون أي حلول أو بوادر إيجابية تلوح في الأفق.

من جانبه، صرح أحمد عيد، مدير مديرية الزراعة في محافظة قلقيلية، بأن مساحة الأراضي المزروعة بمحصول الأفوكادو في المحافظة تصل إلى حوالي 3,000 دونم، منها 2,700 دونم مثمر.

وأشار إلى أن أقدم أشجار الأفوكادو في المنطقة تبلغ نحو 30 عاماً، فيما تتراوح أعمار الأخرى بين حديثة الزراعة ومتوسطة النضج.

وقدّر عيد إنتاج الموسم الحالي بحوالي 10 إلى 11 ألف طن، يتم عادة تصدير نحو عشر هذه الكمية، أي حوالي 1,000 طن، بناءً على العرض والطلب في الأسواق الخارجية، حيث يُباع الكيلو الواحد في الخارج بسعر لا يقل عن دينارين أردني.

وأكد عيد للحياة الاقتصادية أن أكبر التحديات التي يواجهها المزارعون هي القيود الإسرائيلية المفروضة على حركة التصدير. وأضاف: “المشكلة تكمن في الإجراءات التعسفية الإسرائيلية، وليس في جانبنا، فإغلاق الجسر، وهو الممر الوحيد بين الضفة الغربية والأردن، لأكثر من شهرين متواصلين، عطّل عمليات التصدير”.

وأضاف أن الأسواق الفلسطينية تغرق بمنتجات الأفوكادو الإسرائيلية، التي تكون في كثير من الأحيان رديئة الجودة، حيث تفشل في اختبارات التصدير إلى الخارج ويُفترض إتلافها، لكنها تُباع بأسعار زهيدة في الأسواق الفلسطينية، ما يؤثر سلباً على مبيعات المحصول الفلسطيني”.

وعن الجهود المحلية للحفاظ على المحصول، قال عيد: “لقد تعاقدنا مع شركات في الخارج، وأرسلنا شحنة واحدة فقط قبل إغلاق الجسر، منوها أنه سيجري حفظ الإنتاج من الأفوكادو بثلاجات حديثة لحفظ المحصول في حالة تعذّر تصديره، مؤكدا أن التحدي الأكبر سيبقى في صنف الأفوكادو المعروف باسم “اتنغر”، الذي يشكل حوالي 40% من المساحات المزروعة، وهو النوع الذي يصدر للخارج خاصة الأردن، وليس مرغوب بكثرة في السوق المحلي وهو يحتاج إلى التصدير لأنه لا يتحمل البرودة ويجب قطفه قبل اشتداد الشتاء”.

وأوضح عيد أن بعض أنواع الأفوكادو الذي يعتبر المحصول الثاني في قلقيلية، يمكنها البقاء على الأشجار حتى شهر فبراير، ولكن صنف اتنغر الناضج يُخشى أن يتضرر إذا استمر تأخر التصدير،منوها الى أن هناك ترتيبات لتخزينه بطرق علمية بإشراف خبراء للحفاظ على جودته، قائلاً: “نأمل بإنقاذ الموسم والحفاظ على المحصول، خاصة أن هذا الموسم يشكل مصدر دخل أساسي للمزارعين ويعولون عليه لتغطية تكاليفهم والتزاماتهم المالية”.

رغم الظروف الصعبة، يأمل المزارعون في قلقيلية أن تُفتح المعابر قريبًا، وأن تتخذ الجهات المعنية خطوات للحد من تأثير القيود على قطاع الزراعة. كما يأملون أن يكون هناك تعاون بين الجهات الفلسطينية والدولية للضغط على الاحتلال لتخفيف الإجراءات التي تُعيق تصدير المنتجات الزراعية، وإيجاد بدائل وحلول عملية للحفاظ على الإنتاج الزراعي ودعم المزارعين، لأن استمرار التضييق قد يهدد مستقبل هذا القطاع الزراعي الواعد.