1

فوتوغرافيا : يانيس كونتوس .. أستاذ الفنون البصرية والتصوير الصحفي     

يانيس كونتوس .. أستاذ الفنون البصرية والتصوير الصحفي     

فوتوغرافيا

يانيس كونتوس .. أستاذ الفنون البصرية والتصوير الصحفي     

من أبرز أعضاء لجنة التحكيم للدورة الثالثة عشرة، لجائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير الضوئي، والتي كانت تحت عنوان “الاستدامة”، المصور اليوناني “يانيس كونتوس”، وهو أستاذٌ في جامعة الإمارات العربية المتحدة، حصل على درجة الدكتوراه في التصوير الوثائقي ودرجة الماجستير في الصحافة الفوتوغرافية، وفي رصيده أكثر من 25 عاماً من التصوير والتحرير والتدريب.

قام يانيس بتغطية الحروب والصراعات والأحداث العالمية الكبرى في أكثر من 50 دولة؛ من فلسطين والشرق الأوسط إلى الصحراء الغربية وسيراليون، ومن كوريا الشمالية وإندونيسيا إلى إيران والمملكة العربية السعودية. كما قدَّم تقارير موسّعة عن حرب كوسوفو (1999)، والحرب في أفغانستان (2001) وحرب العراق (2003)؛ وساهم في مطبوعات شهيرة مثل تايم ونيوزويك ومجلة نيويورك تايمز وصحيفة صنداي تايمز البريطانية.

حصل يانيس على أكثر من 20 جائزة دولية مرموقة بما في ذلك الجائزة الأولى في مسابقة World Press Photo، ونُشرت صوره في مئات المطبوعات وعلى أغلفة مجلات تايم ونيويورك تايمز وساندي تايمز ولوموند وليكسبريس، كما أنه مُمَثَّل من قِبَل شركة Polaris Images. قام بتأليف كتابين، “ممكن/ مستحيل: أبوريا” و”كوريا الشمالية: اليوتوبيا الحمراء”، ويستخدم صوره الفوتوغرافية لإيصال أصوات المُهمَّشين وإلهام منظومة التغيير. يؤمن بعمق تأثير التعليم على حياة الأفراد، وأثر التصوير الفوتوغرافي في توثيق اللحظات وتأريخها، فهو متمرّس في مجال التعليم، ومن أبرز حوافزه أنّ التعليم يزوّد الطلاب بالأدوات الأساسيّة لاتخاذ أفضل القرارات الحياتية.

فلاش

الحوافز المُناسِبة تمنحُ صاحبها منجم طاقةٍ لا ينضب !!

جائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير الضوئي

www.hipa.ae




مقررة أممية: ما يحدث في فلسطين يفوق الإبادة الجماعية والضرورة ملحة لتوفير الحماية للفلسطينيين

وفا- قالت المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الانسان في فلسطين فرانشيسكا البانيز، “إن اسرائيل تسعى للقضاء على الفلسطينيين عبر التصعيد الدائم للعنف والقتل، وما يحدث في فلسطين لا يمكن وصفه، وهو أكثر من الإبادة الجماعية”.

وشددت البانيز في حديث مع برنامج “رئيس التحرير”، الذي يبث عبر تلفزيون فلسطين، على ضرورة تحمل الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة مسؤولياتها تجاه الفلسطينيين، ووقف الإبادة الجماعية التي ترتكب بحقهم، محذرة من خطورة تفاقم الأوضاع في حال عدم تحمل كافة الأطراف مسؤوليتها تجاه ما يحدث في الأراضي الفلسطينية.

وأكدت أهمية إجبار الدول على احترام القانون الدولي وتطبيق قراراته، ووقف الإبادة الجماعية بحق أي شعب في العالم، مشيرة إلى أن المجتمع الدولي فشل في تطبيق ذلك، كما أن الدول الغربية تغض النظر عن الجرائم التي ترتكبها اسرائيل ضد الفلسطينيين.

ولفتت إلى أن القضية الفلسطينية عادت لتصبح في صدارة المشهد الدولي، كما أننا نشهد ازديادا واضحا في الأصوات الداعمة للحقوق الفلسطينية، مشيرة إلى خسارة الكثير من الأحزاب الأوروبية في الانتخابات، نتيجة عدم دعمها لوقف الإبادة الجماعية في قطاع غزة.

وفي سياق متصل، أشارت البانيز إلى أن الأسرى الفلسطينيين يتعرضون لانتهاكات ممنهجة وظروف صعبة لا يمكن وصفها، ما يستدعي وقفة جادة من قبل المجتمع الدولي، الذي يؤكد دائما على الحقوق الإنسانية، وعدم انتهاك حقوق الانسان.

وشددت البانيز على أهمية توفير الحماية للشعب الفلسطيني، واستمرار نضاله في الداخل والخارج في وجه نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، حتى نيل الحرية والاستقلال، وحق تقرير المصير، والاعتراف بالدولة الفلسطينية.

ودعت إلى ضرورة وقف الازدواجية في تطبيق القانون الدولي، واتخاذ مواقف جماعية لتحقيق العدالة والسلام في المنطقة عبر القضاء على نظام الفصل العنصري وحصول الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة.

كما أثنت البانيز على انجازات الدبلوماسية الفلسطينية في المحافل الدولية وعلى المستوى الدولي، مؤكدة أنها تقوم بعمل غير مسبوق لإظهار الحق الفلسطيني وتدويل القضية الفلسطينية، واصفة هذه الانجازات بالعظيمة، وبأنها تبعث بالفخر في نفوس الفلسطينيين، وكل من يدعم قضيتهم العادلة.

وحذرت من خطورة الأوضاع في مدينة القدس، عبر انتهاك حكومة الاحتلال الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بما في ذلك الحق الكامل في ممارسة شعائره الدينية دون قيود، ومحاربة وجوده.

وتطرقت إلى محاولات دخولها فلسطين عدة مرات خلال عملها، إلا أن الأمر لم يكن سهلا، مؤكدة أنه ليس من حق اسرائيل منعها من دخول الأراضي الفلسطينية، وعليها أن تتوقف عن ذلك كون هذه الإجراءات مخالفة للقانون الدولي، مؤكدة استمرارها في محاولة الدخول إلى فلسطين في سياق دعم ومساندة شعبها الصامد في وجه الاحتلال.




تيليجرام يرفع راية الاستسلام: مشاركة بيانات المستخدمين مع الحكومات لصالح الأمان أم ضربة للخصوصية؟

صدقي أبو ضهير

عالم تطبيقات المراسلة الفورية يتطور بسرعة هائلة، وفي ظل هذا التقدم أصبحت مسألة الأمان والخصوصية محورًا أساسيًا لصناع القرار وللمستخدمين على حد سواء. تطبيق تيليجرام، الذي يشتهر بتوفير مساحة آمنة وخاصة للمستخدمين، أحدث ضجة في الفترة الأخيرة بعد قرار مفاجئ من الرئيس التنفيذي بافيل دوروف، بتعديل سياسة الخصوصية لمشاركة بيانات المستخدمين مع الحكومات بناءً على طلبات قانونية. فهل هذا التغيير إيجابي أم سلبي؟ وهل يُمثل خطوة نحو تعزيز الأمن أو انتهاكًا جديدًا للخصوصية؟

التيليجرام: بين الخصوصية والتشفير

تيليجرام، الذي تم إطلاقه عام 2013، نجح في ترسيخ مكانته كواحد من أكثر تطبيقات المراسلة أمانًا، حيث يوفر ميزة “الدردشة السرية” التي تُؤمن التشفير من طرف لطرف. ويُستخدم التطبيق من قبل ملايين الأشخاص حول العالم بفضل تركيزه على الحفاظ على خصوصيتهم وحمايتهم من التجسس أو الرقابة.

لكن في الأشهر الأخيرة، شهد التطبيق عدة اتهامات بالاستخدام السيئ من قبل بعض المجرمين، سواء كان الأمر متعلقًا بالإتجار بالمخدرات، أو بنشر مواد غير قانونية مثل الاعتداء الجنسي على الأطفال. وعلى إثر هذه التهم، أعلنت الشركة تغييرات جذرية في سياساتها، وهي خطوة يرى فيها البعض تراجعًا عن المبادئ التي تأسست عليها المنصة.

ما الذي دفع تيليجرام لهذه الخطوة؟

أعلن دوروف، مؤسس التطبيق، في منشور حديث على تيليجرام أن المنصة ستبدأ بتقديم عناوين الـIP وأرقام الهواتف للمستخدمين بناءً على طلبات قانونية صالحة. وحسب تصريحات دوروف، تهدف هذه الخطوة لمكافحة الاستخدامات غير القانونية للتطبيق، ومنع المجرمين من استغلال منصته للأنشطة الإجرامية. تأتي هذه التعديلات بعد أن واجه دوروف اتهامات في فرنسا بالتواطؤ، بسبب استخدام التطبيق في نشر مواد غير قانونية، وتم اعتقاله والتحقيق معه.

ويبدو أن هذا القرار يمثل محاولة لتقليل التهديدات والمخاطر التي تُواجه تيليجرام بسبب النشاطات الإجرامية التي تحدث عليه، خصوصًا بعد زيادة الضغوطات القانونية على الشركة في الآونة الأخيرة. ومن هنا، يتمثل القرار في موازنة دقيقة بين حماية المستخدمين من النشاطات غير القانونية، وضمان استمرار المنصة بشكل آمن.

تداعيات القرار على المستخدمين وخصوصيتهم

لطالما كان تيليجرام مثالًا يُحتذى به في تعزيز خصوصية المستخدمين، حيث امتنع لسنوات عن مشاركة بياناتهم مع أي جهة خارجية. لذلك، يرى البعض أن هذا القرار يُشكل تراجعًا عن مبادئ التيليجرام الأولى في حماية الخصوصية، ويمثل خطرًا على ثقة المستخدمين بالتطبيق. حيث إن تقديم بيانات المستخدمين للحكومات، حتى لو كانت بناءً على طلبات قانونية، قد يُشكل قلقًا بالنسبة للمستخدمين الذين يعتمدون على التطبيق للاتصال بأمان وسرية.

ومن ناحية أخرى، هناك من يرى أن هذه الخطوة قد تُسهم في تعزيز الأمان ومنع النشاطات الإجرامية، خاصةً في ظل وجود قوانين دولية صارمة تفرض على الشركات التعاون مع السلطات في قضايا الأمن والجرائم الإلكترونية. وبالتالي، قد يعتبر البعض أن هذه التعديلات ضرورية للحفاظ على بيئة آمنة ونظيفة على التطبيق.

الاتجاهات المستقبلية لصناعة التكنولوجيا

تأتي خطوة تيليجرام في وقت تتزايد فيه الدعوات لضبط المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات المراسلة. وقد يُمثل هذا القرار نقطة تحول مهمة في سياسات التطبيقات الأخرى التي تعتمد على الخصوصية كميزة أساسية. ففي الوقت الذي تحاول فيه الشركات التوفيق بين الحفاظ على خصوصية المستخدمين والتعاون مع الحكومات لضمان الأمان، يبقى هناك تحدٍ كبير يتمثل في إيجاد هذا التوازن الصعب.

من الممكن أن يتبع هذا القرار تغيرات في سياسات شركات أخرى مشابهة مثل واتساب وفيسبوك، خصوصًا مع زيادة الضغط القانوني والرقابي على هذه المنصات. وما بين تشجيع الأمان والخصوصية، يبقى المستهلك في النهاية هو الحكم في اختيار التطبيق الذي يلبي احتياجاته ويضمن له أعلى مستوى من الأمان والخصوصية.

الخلاصة: هل هو توازن صعب أم ضرورة أمنية؟

مع هذه التغييرات، يبدو أن تيليجرام يسعى لإعادة تعريف سياساته بما يتناسب مع الأوضاع الراهنة. ولكن يبقى السؤال الأهم: هل ستنجح تيليجرام في الحفاظ على خصوصية مستخدميها بالتوازي مع تقديم الدعم للسلطات في محاربة الجرائم؟ وهل سيكون لهذا القرار أثر إيجابي في تعزيز الأمان أم أنه قد يتسبب في تراجع الثقة بالتطبيق؟

من الواضح أن التحديات التي تواجهها منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات المراسلة تتطلب إجراءات حاسمة ومتوازنة. وبين رغبة المستخدمين في الأمان وحرية التواصل، ورغبة الحكومات في السيطرة على النشاطات الإجرامية، تظل هذه المعضلة قائمة وبحاجة إلى حلول مبتكرة وموزونة.

بقلم : صدقي ابوضهير

باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي




مسؤولية المرشد النفسي: بين أخلاقيات المهنة، وتحديات الفكر المشوّه

في كل مجتمع، تُطرح تساؤلات حول الحدود الفاصلة بين المسؤولية الفردية والعدوانية غير المبررة. كيف يمكن أن نفهم تصرفات البشر عندما تُتاح لهم فرصة ممارسة القوة أو التأثير على الآخرين؟ وكيف يمكن أن نبرر اعتداءً وقع على شخص لأنه “سمح” بذلك؟ أو لأنه تواجد في مكان الاعتداء؛ هل باتت مسؤوليتنا تجاه بعضنا البعض مرهونة فقط بالفرص التي يتيحها الضعفاء للأقوياء؟ في تجربة علمية فنية غير مألوفة، كشفت فنانة عن الجانب المظلم من طبيعة البشر حين منحتهم الحرية الكاملة للتصرف معها كيفما شاءوا. فهل كان المعتدون يعبرون عن دوافعهم أم كانوا ينفذون إرادة الضحية؟ وماذا أراد المتفاعلين المسالمين أن يوصلوا عن دوافعهم تجاه نفس الحدث؟ هذه الأسئلة ليست مجرد جدل فلسفي، بل نافذة لفهم أعمق للمسؤولية والعدوانية، وكيف يمكن للأفكار المشوهة أن تتحول إلى سرطان يتغلغل في نسيج المجتمع.

في عام 1974، قامت الفنانة الصربية “مارينا أبراموفيتش” بتقديم تجربة فنية جريئة بعنوان “إيقاع صفر”؛ حيث وضعت نفسها في موقف سلبي تماماً، معطية الإذن للناس بأن يتصرفوا تجاهها كيفما يشاؤون باستخدام مجموعة من الأدوات التي كانت تضعها على الطاولة أمامها، وكتبت لافتة تشير إلى تحملها كامل المسؤولية عما قد يحصل. كانت التجربة تهدف إلى استكشاف طبيعة العدوانية الكامنة في النفس البشرية، وكيف يمكن أن تتجلى في ظروف معينة. ومع ذلك، ومع مرور الوقت، تم تحريف الهدف الأساس من التجربة، وأصبح بعض الناس يرون في هذه التجربة دليلاً على أن الضحية تتحمل مسؤولية ما يحدث لها إذا ما “منحت الإذن” بذلك. هذا التأويل الخاطئ يبرر الأذى ويغفل عن حقيقة أن العدوانية ليست مسألة اختيار بل هي نتيجة لظروف اجتماعية ونفسية معقدة.

لقد تحدث العديد من المفكرين والفلاسفة عن خطورة لوم الضحية وتبرير العدوانية؛ “سيمون دي بوفوار”، في كتابها “الجنس الآخر”، شددت على كيفية تبرير المجتمع لاضطهاد النساء عبر لومهن على الظروف التي يعشنها. ومن جانب آخر، يشير عالم النفس الشهير كارل يونغ إلى أن الظل – الجوانب السلبية من النفس التي نحاول إخفاءها – قد ينعكس في سلوكاتنا العدوانية تجاه الآخرين، وأن التصالح مع هذا الظل يتطلب وعياً عميقاً وتقبلاً لذواتنا وليس إسقاط اللوم على الآخرين؛ “مشاعر الظل” هي جانب من الجوانب النفسية التي قد تُفسر تبني هذا الفكر المريض. هذه المشاعر تمثل الجزء المكبوت من النفس الإنسانية الذي يحوي الرغبات العدوانية والسلوكات غير المقبولة اجتماعياً. عندما تُبرر الأذى بناءً على سلوك الضحية، فإن ما يحدث هو عملية إسقاط لهذه المشاعر المكبوتة على الآخر؛ المعتدي قد يرى في الضحية تجسيداً لرغباته المكبوتة، ويستخدم ذلك كذريعة لتبرير سلوكه العدواني، وبهذه الطريقة، يُحافظ على صورة نقيّة لنفسه، بينما يلقي باللوم على الضحية.

النظريات النفسية الحديثة أيضًا تدين هذا النوع من التفكير. نظرية الإسناد، التي تُعنى بكيفية تفسير الناس لسلوكاتهم وسلوكات الآخرين، تشير إلى أن لوم الضحية ينشأ من محاولة الإنسان للحفاظ على وهم السيطرة. عندما نلوم الضحية، نشعر وكأننا نتحكم في الأحداث، ما يوفر لنا شعوراً زائفاً بالأمان.

العدوانية ليست مجرد فعل يتجلى في سلوكات عنيفة أو مسيئة، بل هي تعكس ديناميكية نفسية واجتماعية تحمل في طياتها العديد من التعقيدات. عندما يُبرر الأذى وتُلام الضحية، تتحول العدوانية من فعل مستنكر إلى سلوك مقبول وربما حتى مُمجد. تبرير العدوانية ليس فقط مشكلة أخلاقية، بل هو أيضاً مسألة تتعلق بتحديد المسؤولية، فالمجتمع الذي يسمح بتبرير الأذى هو مجتمع يتواطأ في تأصيل العدوانية وإدامتها. وهنا يأتي دور الوعي النقدي في تفكيك هذه الديناميكيات وتوجيه المسؤولية نحو الجاني بدلاً من تحميل الضحية تبعات ما تعرضت له. ولكن، من الذي يؤيد ذلك؟ إن الأشخاص الذين يتفاعلون بموافقة أو تأييد أو قبول للسلوك المعتدي أو الضعف الذي يعاني منه الضحايا، ما هو إلا إنعكاساً لقلة الوعي الكامل، وقد لا يكون لدى هؤلاء الأشخاص الوعي الكافي بتبعات لوم الضحية أو بمدى تأثير هذه الرسائل على الأشخاص المتضررين، ناهيك عن تطبيع السلوكات السلبية التي تؤدي إلى عدم القدرة على تمييز المشكلة حقاً، وبالتالي غياب التفكير النقدي، والتأثر بالمظهر القوي دون التفكير بعمق الرسالة الأخلاقية أو التفكير بمصداقية السلطة المعرفية، أو مدى صحة وأخلاقيات هذا الطرح، بالإضافة لإعاقة جهود تمكين الأفراد وحمايتهم من الإساءة، والتي يهدف لها أغلب سياقات الإرشاد النفسي وأي مواقف تتعلق بالعلاقات الإنسانية، مع التنويه إلى أن الاستمرار في تأييد مثل هذا النوع السلبي من الفكر غير الواعي، يمكن أن ينتهي به المآل إلى ارتكاب جرائم أخلاقية واعتداءات داخل الأسرة ، وتحويل الأفراد العاديين إلى معتدين داخل بيئاتهم الأسرية؛ حيث يشعرون بأنهم غير ملزمين بالمساءلة لأنهم يعتقدون بأن الضحية “طلبت” هذا السلوك؛ أو إكسابه لأفراد أسرهم وبشكل غير واعٍ. عندما يبدأ الناس في تبرير العنف ضد الضحية على أساس أنها “سمحت” به، فإنهم في الواقع يُسهمون في خلق بيئة تُشجع على المزيد من الانتهاكات. وبهذا، قد يجد البعض أنفسهم متورطين في أفعال شنيعة حتى ضد أقربائهم، مبررين ذلك بأنها كانت “الضحية” التي قدمت الفرصة.

ومن جانب آخر، فإن تبرير العدوانية عبر لوم الضحية وإسقاط المسؤولية من شأنه أن يخفف من مسؤولية المعتدي ويعطيه شعوراً بأنه غير مسؤول عن أفعاله، من خلال تحريف الأحداث وتقديمها بصورة توحي بأن الشخص الذي تعرض للأذى هو من جذب لنفسه هذا الشيء، ما يخدم أجندة المعتدي ويضعف مناقشة القضية بشكل نزيه ومسؤول، وهو تلاعب واضح بالفكر والمعاني وإفلات من المسائلة.

من المهم أن يُفهم أن العدوانية لا تُبرر بأي حال من الأحوال، وأن يُفهم أن تبرير العدوانية ليس مجرد مسألة شخصية، بل هو قضية مجتمعية يجب معالجتها بكل جدية وحزم وتوعية الفرد بالفروق بين المسؤولية والاعتداء، وإن كنا أقوياء بما فيه الكفاية، يجب علينا أن نعرف ما هو الصح والخطأ، وأن نعمق تركيزنا بالقوالب التي غُرست في تفكيرنا منذ زمن وعدم تجاهلها أو مسحها من جوهرنا الأساس. هذه القوالب تشكل الأساس الذي نبني عليه أحكامنا وتصرفاتنا، ويجب أن تكون مبنية على الأخلاق والعدالة، وليس على التبرير والتفسير المشوه للأفعال. 

إن التركيز على تعزيز الوعي الأخلاقي والإنساني هو المسلك لتجنب تبرير الأذى وتعزيز قيم الاحترام والرحمة. هل يمكن لطبيب أن يجهز على حياة مريض ضعيف لأنه ضعيف؟ هل المحارب يجب عليه أن يُجهز على الجريح؟  هذه الأسئلة تحمل في طياتها حقيقة أن القوة الحقيقية هي الحماية، وهي أولى الدلالات على وجود الحضارة الإنسانية، وهي الوقوف ضد الاستغلال، وليست في استغلال الضعف. عندما نفكر في المسؤولية الأخلاقية، علينا أن نتذكر أن المجتمعات تتقدم بالعدالة والرحمة، وليس باستغلال نقاط الضعف.

إن التماسيح الساكنة التي تدعي المثالية ولا تذهب للصيد كما تفعل الأسود، ثم تأتيها الفرائس أو ربما تجرها هي لمنطقتها؛ حيث تكون هي بأمان من المسائلة، هل كانت تفكر بما تريده الضحية أم أنها تفكر فقط بما ستحصل عليه؟ من هذا السؤال يبرز أن التفكير في سلوك المعتدي يجب أن يركز على دوافعه واحتياجاته الخاصة، وليس على توقع أو إفتراض ما تريده الضحية. التمساح، كما هو الحال مع المعتدي، لا يفكر في احتياجات الضحية، بل في تحقيق رغباته الخاصة. 

ولتصحيح الفكر المشوه نحو تجربة مارينا، وجب التنويه بأن التجربة أظهرت مدى التغير في سلوك البشر عندما يشعرون بعدم وجود عواقب على أفعالهم. مارينا أبراموفيتش قالت لاحقاً، إنها تعلمت من هذه التجربة أن البشر يمكن أن يكونوا وحشيين للغاية إذا أتيحت لهم الفرصة وفُقدت الضوابط الاجتماعية. التجربة تُعتبر واحدة من أكثر الأعمال الفنية استفزازاً وتأثيراً في تاريخ الفن المعاصر، وهي تُستخدم غالباً لدراسة سلوكات البشر في المواقف المختلفة، وتأثير السلطة والحرية المطلقة على الأخلاق والقرارات. 

وللوقوف على دور ومسؤوليات المرشد النفسي والتربوي في سياق ما سبق، فإن دور المرشد يتمحور حول تقديم الدعم والاحترام الكامل لحدود المسترشدين المستفيدين من خدماته، فالسلوك السوي في هذا المجال يتطلب إلتزاماَ أخلاقياً عالياً؛ حيث يكون المرشد ملاذاً آمناً، موفراً لهم بيئة إرشادية تحترم كرامتهم وتساعدهم على التعافي؛ إذ إن كل شخص له الحق في التوقع أن المرشد النفسي يفهم هذه السياقات جيداً. ومن الجدير بالذكر أن الكثير من الحالات التي تصل إلى المرشد، تعاني من مشكلات تتعلق بتجاوز الحدود أو استغلالها، ما يجعل من الضروري التعامل مع المسترشدين بحساسية ومسؤولية كاملة. على المرشد أن يكون على دراية بأن تفسير الأحداث والسلوكات قد ينبع من اضطرابات نفسية أو مشكلات عاطفية، ما يزيد من أهمية التزامه بأعلى معايير السلوك السوي في مهنته. 

في النهاية، قد لا نضع أي من الأدوات على الطاولة، والمقال ليس دعوة لتبني الضعف، لكن علينا إدراك أن أحد حقائق البشر هي أنه ليس كل البشر أقوياء، وأن أغلبهم من الضعفاء، وأن من لديه الدوافع الكافية لإيذائك سوف تحركه دوافعه حتى لو لم تمنحه الأدوات، لذلك، لا يوجد حدث أو تفاعل لا يخدمك، فالمؤذي يدفعك لإظهار القوة التي بداخلك، والمستغل يدفعك لإظهار حرصك، والقسوة تعلمك كيف ومتى تتعاطف، وفي نهاية المطاف، كل حدث يجعل منك شخصاً أفضل.




لازاريني يحذّر من تفشي الجوع في قطاع غزة

وصف مفوض وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، فيليبي لازاريني، الاثنين، تحول مقر الوكالة الرئيسي بقطاع غزة إلى ساحة معركة وتسويته بالأرض بـ”المروع”.

جاء ذلك في منشور على حساب لازاريني عبر منصة “إكس”، مرفقاً معه صورا تظهر الدمار الذي لحق بمقر الوكالة جراء القصف الإسرائيلي على قطاع غزة.

واعتبر لازاريني “تحول مقر الوكالة الرئيسي بقطاع غزة إلى ساحة معركة وتسويته بالأرض حلقة جديدة من التجاهل الصارخ للقانون الإنساني الدولي”، واصفاً ذلك بـ”المروع”.

وشدد المسؤول الأممي على ضرورة حماية مرافق الأمم المتحدة في جميع الأوقات.

وأضاف: “يجب عدم استخدام المرافق الأممية مطلقًا لأغراض عسكرية أو قتالية”.

واختتم مفوض عام الأونروا بالقول: “كل حرب لها قواعد، وغزة ليست استثناء”.