رسالة من الزنزانة: “لا تقل لأمي أني صرت أعمى”

عزيزة ظاهر- “لا تقل لأمي إني صرت أعمى، هي تراني وأنا لا أراها، أبتسم وأتحايل عليها على شباك الزيارة عندما تريد أن تريني صور إخوتي وأصدقائي وجيران الحارة، فهي لا تعرف أني أصبحت كفيفاً، بعد أن دب المرض في عينيّ حتى اجتاحت العتمة كل جسدي، لا تقل لها بأني أنتظر عملية جراحية لزراعة القرنية منذ سنوات، ولكن إدارة السجن تماطل”.
هذه الكلمات ليست مقتطفات من رواية، بل مقدمة لرسالة إنسانية كتبها الأسير محمد خميس براش لأخيه، يشكو فيها سوء وضعه الصحي الذي يتدهور يوماً تلو الآخر في زنازين الظلم والظلام.
عتمة الزنازين وفقدان البصر والساق، لم تنل من عزيمة الأسير محمد خميس براش كونه لم يفقد بصيرته وإرادته، ولم تضعفه أمام سجانيه، بل زادته عزيمة وقوة في مواجهة جدران السجن وأساليب السجان، لامتلاكه بصيرة قوية أضاءت له عتمة السجون والزنازين.
تسكن عائلة الأسير محمد خميس محمود براش (43 عاما) في مخيم الأمعري للاجئين جنوب مدينة رام الله، وتنحدر من بلدة أبو شوشة قضاء حيفا المحتلة عام 1948، في نيسان/إبريل من العام 2002 تعرض براش لعملية اغتيال إسرائيلية جبانة باستهدافه بقذيفة “انيرجا” قرب فندق جراند بارك وسط مدينة رام الله.
حمزة شقيق الأسير يستذكر لـ”الحياة الجديدة” أحداث ذلك اليوم بغصة وألم قائلا: “بعد حادثة الاغتيال تمكنا من نقل أخي إلى مستشفى رام الله الحكومي لتلقي العلاج، فصدمنا بخبر بتر ساقه اليسرى من أسفل الركبة إضافة إلى فقدانه النظر بشكل كامل في عينه اليمنى، وتلف في قرنية عينه اليسرى، وصرنا ننقله من مشفى لآخر خشية اعتقاله”.
يتابع حمزة: في شهر نيسان/ إبريل من العام 2003 تمكنا من إجراء عملية زراعة قرنية له بعينه اليسرى التي ظل فيها بصيص نور وأمل وفي اليوم نفسه الذي غادر به المستشفى داهم جيش الاحتلال المنزل وتم اعتقاله في ظروف صحية سيئة، قدمنا عدة شكاوى قانونية ليسمحوا لمحمد بإجراء عمليات تنظيف لعينه لكنها كلها باءت بالفشل، وباءت العملية أيضاً بالفشل.
وبعد فترة تحقيق قاسية أصدرت محاكم الاحتلال بحقه حكماً بالسجن المؤبد 3 مرات و30 سنة بتهمة انتمائه لكتائب شهداء الأقصى الذراع العسكري لحركة فتح، وقتل ثلاثة من جنود الاحتلال، غير آبهة بوضعه الصحي الصعب وساقه المبتورة، ويعاني براش إضافة لفقدانه النظر بشكل كامل في عينه اليمنى، وتلف في قرنية عينه اليسرى، وإصابته بشظايا القذيفة في أنحاء جسده كافة من ازدياد في دقات القلب وارتفاع في الضغط والسكر ومن صعوبة في السمع إثر مشاكل في الأذن تسبب له دوخة مستمرة، ويحتاج لعلاج دائم، وهو اليوم يتحرك على عربة متحركة أرسلت له من خارج السجن.
وقد لفتت هيئة شؤون الأسرى والمحررين في بيان صدر عنها إلى أن الأسير محمد براش يواجه القضبان الحديدية بمعنويات عالية في ظل إهمال طبي متعمد يتعرض له من قبل إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية.
وحذّرت الهيئة من ممارسة مصلحة السجون من انتهاكات صحية مستمرة وإهمال طبي متعمد بحق 600 أسير، يعانون من أمراض بدرجات مختلفة، وهناك من يحتاجون لمتابعة ورعاية صحية حثيثة.
ينحدر الأسير محمد براش من عائلة مناضلة، حيث تعرض شقيقه الأكبر رمزي للاعتقال في العام ذاته الذي اعتقل فيه، وبالتهمة ذاتها، وهو محكوم بالسجن المؤبد مدى الحياة، ويقبع كلاهما في زنازين سجن عسقلان، كما اعتقل أشقاؤه شادي وسعيد وحمزة وأفرج عنهم بعد انتهاء محكوميتهم.
ولم تكتف العائلة المناضلة بذلك فقد قدمت الابن الأصغر شهيداً مع بداية انتفاضة الأقصى في عام 2000، بعد إصابته برصاصة قاتلة خلال مواجهات مع قوات الاحتلال على مدخل مخيم الأمعري.