
أثار فيلم “سوبرمان” الجديد للمخرج الأميركي جيمس غان، والذي بدأ عرضه في دور السينما الأميركية، يوم 11 تموز الجاري، الكثير من الحماس والنقد منذ صدوره. ويدور الجدل حول “حبكة” الفيلم التي يبدو أنها تُقلب الصورة النمطية للأبطال الخارقين رأسًا على عقب، وتدين أميركا بدلا من تمجيدها.
بحسب العديد من النقاد والصحفيين، (بمن فيهم مراسل “القدس” دوت كوم، الذي شاهد الفيلم يوم الأحد، (20 تموز)، قدّم غان رؤية جديدة للفكرة القديمة المُستهلكة التي تُروج لمفهوم أمريكا هي الأفضل على وجه الأرض، بالإشارة الصريحة لانخراط أمريكا في صناعة السلاح واستخدام التكنولوجيا المتقدمة ورأس المال غير المكبوح (علما بأنه ليس أول من يستكشف مخاطر الرأسمالية العسكرية التكنولوجية التي لا تحتكم لأي قيود).
يرى بعض المشاهدين أن سوبرمان هجومٌ غير مباشر على إسرائيل، حيث يُهاجم نظام بورافيا الأوروبي الأبيض المُتحالف بشكل كامل مع الولايات المتحدة، بقيادة شخص مُشابه لرئيس وزراء إسرائيل الأول، ديفيد بن غوريون، جاره الفقير غير الأبيض جارهانبور.
تُشير الرمزية للمشاهد الرئيسية، التي تُظهر جيشًا مُدججًا بالسلاح يواجه مُتظاهرين عزل عند سياج أمني ، بقوة إلى سياج الفصل الإسرائيلي مع غزة وغزواتها المتكررة للأراضي الفلسطينية. وأثار ذلك حفيظة المعلقين اليمينين، مثل مارك لفين، وفوكس نيوز، والإعلام الإفانجيلي، الذين اعتبروا هذا تجاوزًا للحدود، وأن الفيلم خرج عن المألوف.
يشار إلى أن غان صرح أنه بدأ العمل على الفيلم عام، “قبل هجوم حماس” في 7 تشرين الأول 2025، وأنه لم يقصد إسرائيل ولا الفلسطينيين، بل هو فيلم خيالي، عن مواقع خيالية.
يُصوَّر الشرير الرئيسي في الفيلم، ليكس لوثر، على أنه ملياردير (ربما من طراز إيلون ماسك)، يخطط لتقسيم جارهانبور مع بورافيا، ويزودها بأسلحة بمليارات الدولارات.
في الفيلم يقدم سوبرمان على أنه شخص ساذج، مهووس بكلبه، كريبتو، ولكنه مدفوع تلقائيا لمحاربة الشر وجشع وإجرام التحالف التكنولوجي المالي، وهو ما دفع صديقته، لويس لين، وهي مراسلة زميلة لسوبرمان في صحيفة ديلي بلانيت ، لتسأله في مقابلة لماذا يتدخل لوقف غزو بورافيا لجارهانبور؟ مشيرة إلى الطبيعة القمعية للنظام هناك، وردّ سوبرمان على الفور بأن قمع أي نظام ليس ذريعة لغزو البلاد.
في هذا الحوار، وفق النقاد، تُطرح الحجج السياسية المعاصرة الحقيقية ضد التدخل الأميركي وحروب تغيير النظام الذي مارستها الولايات المتحدة منذ غزو العراق عام 2003.
أما المشهد اللاحق لغزو بورافيا لجارهانبور فهو ما ركز عليه معظم المشاهدين، حيث يظهر صبي صغير يرفع العلم الوطني بينما تتقدم الدبابات والقوات المدججة بالسلاح بشكل مُهدد، بينما يفر المتظاهرون العُزّل تحت النيران. يُحاكي هذا المشهد احتجاجات مسيرات العودة الكبرى في غزة على طول الجدار العازل الإسرائيلي عامي 2018 و2019، عندما قُتل أكثر من 200 فلسطيني وجُرح أكثر من 8000 آخرين بنيران قناصة إسرائيليين.
يشار إلى أن شخصية “سوبرمان”، ابتكرت رمزًا لقوة الخير الأميركية ضد الشر (النازيون والفاشيون في أوروبا) في ثلاثينات القرن الماضي ، على يد فنانين وكتاب يهود يبينون عبر الرسومات عن الخطر القادم من هؤلاء الفاشيين والنازيين. وبينما لا يُعتبر الأبطال الخارقون جميعًا رموزًا للإمبريالية الأميركية، فإن فكرة “القوة العظمى” التي تُمكّن الشخصية من هزيمة خصومها من خلال جولات قتالية مطولة تُمثل جوهر الأسلوب الأميركي. بحسب بعض النقاد، فإن الأبطال الخارقون هم طائرات إف-35 في هيئة بشرية.
في الفيلم، يواجه سوبرمان هنا معضلة أخلاقية، وهي كيف يُمكنه إنقاذ العالم عندما تكون الولايات المتحدة الأميركية المارقة وحليفتها العدوانية عدوًا للسلام العالمي. ويُعتبر تدخله لإنقاذ دولة فقيرة من دول الجنوب العالمي من الغزو تدخلًا غير مبرر ضد عدو أميركي.
وينتقد الفيلم أيضًا المجمع الصناعي العسكري وارتباطاته بالاستعمار الاستيطاني، حيث يُسلّح ليكس لوثر بورافيا ليضع يديه على قطعة من الأرض، مثل حلم ترمب بامتلاك “ريفييرا الشرق الأوسط” على أنقاض غزة.
وأبطال الفيلم، إلى جانب سوبرمان، هم ثلاثي عصابة العدالة من الأبطال الخارقين المدعومين من الشركات، الذين ينضمون على مضض إلى المعركة ضد بورافيا والملياردير، وفريق التحرير الشجاع في صحيفة ديلي بلانيت.
وهنا، لدى البعض، تصل هوليوود إلى أقصى حدودها في التعليقات الجيوسياسية الضخمة. بدلاً من تصوير المجمع العسكري التكنولوجي المالي كجزء من مجمع إمبريالي سياسي إعلامي أكبر، تسيطر عليه الولايات المتحدة، يُصوّر الفيلم المشروع الشرير للاستيلاء على أرض مستعمرة من تدبير بعض الجهات الشريرة فقط. وبمجرد كشف مخططهم، تتصرف وسائل الإعلام وأبطال الشركات، الذين كانوا يعمون لوثر، أو يلتزمون الصمت (حال الإعلام الأميركي تجاه حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة) على النحو الصحيح وتتحرك لإنهاء هذه المؤامرة الدنيئة، فيما تبدو حكومة الولايات المتحدة وكأنها متفرج سلبي، يؤدي لوثر دوره.
لا عجب أن إسرائيل وداعميها أبدوا كرهًا شديدًا للفيلم، فقد كتب بن شابيرو، المدافع الكبير عن إسرائيل، ببساطة: “الفيلم ليس جيدًا”.
لعل فكرة أن تنقلب صحيفةٌ رسميةٌ كبير على غرار صحيفة نيويورك تايمز، وقناة تلفزيونيةٌ رئيسية، وتكشف خططَ نظامٍ استيطانيٍّ مدعومٍ أمريكيًا لغزو وضمِّ أراضٍ، تبدو وكأنها فكرةٌ لا تُصدَّق. حيث أنه بدلا من ذلك، يتواطأ هؤلاء الإعلاميون في الفيلم ويحاولون إخفاء الحقيقة بتصوير الضحايا كإرهابيين، ويصفون بورافيا بأنها “تدافع عن نفسها” فحسب.
سوبرمان يصل إلى حدود النقد الجيوسياسي على طريقة هوليوود: يجب أن يُغلَق الأمر برمته ببراعة، مع هزيمة الأشرار وإنقاذ الناس في نهاية المشهد الأخير.
إن فكرة قدوم فريقٍ أمييكيٍّ من الأبطال الخارقين يُدمِّرون جيشًا حليفًا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بلا مبالاة، لإنقاذ السكان الأصليين من الغزو، هي فكرة غير معقولة وغير محتملة.
الفلسطينيون ليسوا بانتظار أبطالٍ خارقين غربيين لإنقاذهم. الأبطال الخارقون هم الطواقم الطبية والإغاثية الفلسطينية التي تقوم بأعمال خارقة بالفعل، وفوق طاقة البشر في سعيها لإنقاذ الأرواح تحت ظروف يفرضها الإجرام الإسرائيلي، ولعلها الظروف الأصعب في التاريخ؛ حلفاؤهم هم مئات الملايين حول العالم الذين يتضامنون معهم ويُطالبون بإنهاء حرب الإبادة الجماعية؛ هم مَن يُخاطرون بحياتهم في قوافل الإغاثة، كسفينة حنظلة التي تتوجه حاليا إلى غزة لخرق الحصار.