علي سمودي – في منزلها في جنين تخوض الأربعينية آمال عزيز (أُم كرم) معركتها مع الحياة، وتعمل بتفانٍ وجهدٍ في مطبخها “الحياة السعيدة”، الذي بات يوفر لها ولعائلتها دخلاً يعينها على الحياة، وهي مستمرة برغم ظروف الحياة الصعبة وتراجع نسبة المبيعات بسبب فيروس “كورونا”.
تحدٍّ للظروف و”كورونا”
لم يؤثر كل ما يجري على معنويات وإرادة “أم كرم”، وواصلت كفاحها وسعيها للحفاظ على مشروع العمر الذي حققته بالتعب والتضحية منذ سنوات بعدما عاشت المآسي والويلات عقب صدمة وفاة زوجها الذي لم يترك لها مصدر رزقٍ تُعيل منه أُسرتها، فصبرت وتحدت الظروف الصعبة، وأكملت المشوار في تربية أطفالها الثلاثة، ورغم القيود والحصار ونظرة المجتمع السلبية.
بالرغم من المصاعب وتدني المبيعات بسبب فيروس “كورونا”، تستمر المكافحة “أم كرم” بالحفاظ على مطبخها الخاص، وتقول : “قبل كورونا كانت أوضاعنا المعيشية أفضل بعدما ضحيت وكافحت من أجل عائلتي ولقمة عيشنا، ولم أعد أحتاج أحداً بفضل الله، لكنّ هناك انخفاضاً في المبيعات بسبب كورونا، ورغم ذلك لن أتخلى عن كفاحي لتحقيق طموحي في توفير مطبخ مثالي ومتكامل تتوفر فيه كافة المستلزمات التي أحتاجها من أجل صناعة الأغذية بكافة أنواعها، خاصة جميع الطبخات الفلسطينية المتنوعة، إضافة إلى المعجنات بأنواعها”.
وتؤكد أُم كرم: “بعد التجارب الكبيرة التي أثبت فيها المرأة أنها عظيمة بكفاحها ونضالها وجهدها وبقدراتها الكبيرة على النجاح وتحمل المسؤولية، فإن رسالتي لكل امرأة فلسطينية أنك قادرة وتستطيعين فعل المستحيل وتصبحين منتجة اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً”.
رحلة المرأة المكافحة
كانت أُم كرم قررت الاعتماد على ذاتها لتعيل صغارها، فشاركت في العديد من الدورات التي أكسبتها الخبرة والتجربة، وواجهت أعاصير الحياة والمجتمع حتى تمكنت من تحقيق حلمها، وأصبح لديها مطبخ صغير لطهي الأكلات الشعبية، وتقول: “لقد أكرمني رب العالمين بالنجاح، وما زلتُ أُكافح وأتفانى لتعيش عائلتي حياة كريمة”.
أُم كرم عاشت صنوف ألم وصعاب كبيرة، موضحة: “لقد أغلقت كل الأبواب أمامي واسودت الدنيا في وجهي، خاصة مع تزايد متطلبات الحياة، التي أصبحت تكبر مع تقدم عمر أطفالي ومعاناتهم من المرض، وبين إصابتي بأمراض السكري والضغط، أصبحت المعيلة لثلاثة أطفال بعد وفاة والدهم، الذي رحل وتركنا وسط أوضاع اقتصادية صعبة، لكن لكل منهم قصة ألم ومرض، ورغم ذلك رفضت الاستسلام، وصممت على تحدي الصعاب وإكمال المشوار لتربيتهم والتخفيف من معاناتهم قدر الإمكان”.
في رحلة البحث عن حياة وغد مشرق أفضل، قررت أُم كرم الانتساب لجمعية نسوية في جنين، لاكتساب المعرفة والخبرة، وشقت مسيرة كفاح جديدة، وتقول: “شاركت بعديد الدورات، وتوجهتُ لتعلم مجالات توفر لي فرصة عمل ودخلاً مستقلاً لعائلتي، التحقت ببرامج تدريبيبة، وتعلمت منها عدة فنون في مجال التغذية والطرق العلمية لتصنيع وإنتاج المأكولات الشعبية، التي ترتبط بشروط ومعايير محددة، ثم توجهت للالتجاق بدورات لتصنيع زيوت الأعشاب وصناعة الصابون وغيرها من المواد التي تحظى بقبول لدى النساء”.
مراحل من البحث عن مصدر دخل يكفيها وعائلتها
مراحل ومحطات عديدة واصلت خلالها أُم كرم رحلة البحث عن فكرة أو مبادرة أو مشروع للتمكين، وتوفير مصدر دخل لعائلتها بما يحافظ على كرامتها وتعففها وحتى لا تحتاج أحد، وتقول: “المجالات والبرامج التي شاركت فيها، منحتني قوة وإرادة وعزيمة للبحث عن مشروع مفيد ومثمر يوفر لي ولعائلتي دخلاً، ويتميز بالاستدامة ويحقق النجاح، ومن خلال اطلاعي على التجارب والأفكار لنساء رائدات قررت افتتاح مطبخ خاص وذاتي”.
أُم كرم شجعها كل من طرحت عليه الفكرة، وسارعت إلى تحويل جزء من منزلها المتواضع إلى مطبخ متواضع استخدمت به الأدوات المتوفرة بمطبخها، لعدم قدرتها على توفير رأس مال، ثم بدأت بإنتاج أكلات شعبية مطلوبة، كالمسخن والمنسف، وبعض أصناف المعجنات، إضافة إلى أكلة (الطراف) على الطريقة الفلسطينية، التي اكتشفت أُم كرم وجود طلب وإقبال كبير عليها.
تقول أم كرم: “كرمني رب العالمين بالنجاح، وأصبحت قادرة على إنتاج الأكلات وفق التواصي وإيصالها للزبائن، ما فتح أمامي آفاق العمل، وأصبحت أقوم بإعداد وجبات الطعام لبيوت العزاء، وبأسعار مناسبة تتلاءم مع ظروف الناس وقدراتهم المادية”.
بمرور الوقت، تمكنت أُم كرم من تطوير مطبخها، وأضافت إليه العديد من الاحتياجات التي ساهمت في الحفاظ على استدامة مشروعها، لكنها ما زالت تعاني بسبب عدم توفر الإمكانات المالية المناسبة لتوفير كافة الاحتياجات، وتقول: “الحمد لله، بالصبر والعزيمة والإيمان تمكنت من مواصلة مشروعي، لكن هناك مشاكل ومعيقات مالية تمنعني من توفير كامل الاحتياجات الأساسية لعملية الطهي بكميات كبيرة”.
وتضيف: “إن كمية إنتاجي محدودة، لأن ما أجنيه لا يكفي للتطوير وتوفير نفقات معيشة أسرتي، ولمعاناة أبنائي من عدة مشاكل مرضية، وأنا أتكبد مصاريف باهظة لعلاجهم وتوفير مصاريفهم الطبية، ورغم هذه الظروف لن أتوقف، وسأبقى مثابرة ومكافحة، وكلي أمل بتحسن الظروف والأحوال لشراء كافة احتياجات منزلي ليصبح متكاملاً ومميزاً، فأنا بحاجة للمساعدة من أجل شراء المزيد من الأواني والأوعية وفرن جديد وحديث لا يمكنني شراؤه، كذلك أحتاج إلى أكثر من غاز طباخ أرضي، لتساعدني على تحقيق إنجاز أسرع بعملية الطبخ”.