عبير البرغوثي
بتنهيدة حزينة تروي المواطنة (م. ح) من حي البقعان ببلدة عناتا شرق مدينة القدس بعضًا من تفاصيل الألم التي عاشتها بعد هدمِ منزلها المكون من طابقين ولم يمض على بنائه سوى عام.
ولا تزال تفاصيل ذلك اليوم الأليمة محفورة في ذاكرة المواطنة (م. ح) ، حيث أصوات جنود الاحتلال وجرافات الهدم التي داهمت المنزل وحاصرته طالبة من العائلة إخلاء البيت بأسرع وقت تمهيدًا لهدمه، دون إنذار مسبق ودون منحهم فرصةً للاعتراض في المحاكم، تقول حمدان: “تفاجأنا بمداهمة قوات الاحتلال لمنزلنا وقت أذان الفجر، وإخراجنا من المنزل الى الشارع، ثم بدأوا بهدمه.
تتحسرُ (م. ح) على “شقى العمر” الذي تحول في لحظات، الى كومة من الركام، 650 ألف شيقل كانت تكلفة بناء المنزل على أرض ثمنها 370 شيقل، في سويعات تلاشى حلم العمر بين كماشات جرافات الاحتلال بحجة أنه بناء دون ترخيص، علما ان المنزل موجود في منطقة تصنيفها “ب” لا تحتاج الى ترخيص بناء”.
منذ بدء العدوان على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول الماضي، تضاعفات عمليات هدم منازل الفلسطينيين في محافظة القدس، حيث تم تنفيذ 123 عملية هدم منذ بداية عام 2024 وحتى نهاية شهر آب، تم فيها هدم 158 منشأة في المحافظة تنوعت بين منشآت سكنية وصناعية وزراعية، وفق إحصاءات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان.
ولا يختلف الأمر كثيرا بالنسبة للمواطنة المقدسية (ه. ق) من بلدة سلوان التي تقع ضمن حدود مدينة القدس، تقول (ه. ق): “27 عاما ونحن نعيش في كابوس تهديدنا بهدم منزل العمر، منزل مكون من 3 طوابق بتكلفة مليون شيقل مهدد بالهدم في أية لحظة بحجة أنه غير مرخص”.
“حتى اللحظة 200 ألف شيقل دفعناها مخالفات بحجة عدو وجود ترخيص، كما أجبرونا على توقيع تعهد بهدم البيت ذاتيا وإعادة بنائه حتى لو تم استخراج الرخصة، لكن نحن نقول لهم رغم كل التحديات والعقبات سنبقى هنا صامدين على أرضنا”. تقول (ه. ق).
تعددتُ الأسباب، والهدف واحد، يهدم الاحتلال منازل المواطنين بحجة البناء دون ترخيص وتحديدا في المناطق المصنفة “ج” وفق اتفاق أوسلو التي تبلغ مساحتها قرابة 61% من مساحة الضفة الغربية، حتى أنه يتم التهديد بالهدم في المناطق المصنفة “ب” بحجج أمنية يدعيها الاحتلال، وتهديد وزير المالية الاسرائيلية بتسلئيل سموتريتش بالتعامل مع المناطق المصنفة “ب” كمناطق “سي”، كما يهدم منازل شهداء وأسرى في “عقاب جماعي” يفرضه على عائلاتهم.
رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان مؤيد شعبان يرى أن السياسة التمييزية لدولة الاحتلال ترتقي لمستوى الفصل العنصري، فكرة التمييز منح امتيازات بلا حدود لصالح المستعمرين والمشروع الاستيطاني الاستعماري، وتسليط الأداة التخطيطية على رقاب الفلسطينيين، من أجل حرمانهم من حق النمو الطبيعي، وحصرهم في تكتلات مكتظة لا تحظى بالحد الأدنى من المؤشرات الحيوية البشرية، هذا ما تفعله دولة الاحتلال في كل أماكن الوجود الفلسطيني لا سيما في محافظة القدس”.
جريمة حرب
تؤكد لميس الشعيبي مديرة برنامج الحكم الصالح في مؤسسة “مفتاح” واستنادا إالى تقرير أصدرته المؤسسة عام 2023، أنه “إذا كانت عمليات هدم المنازل تستهدف الفلسطينيين، فإن لها أثرًا كبيرًا على النساء لعدة عوامل، بما فيها الأدوار الاجتماعية التقليدية، ذلك أن النساء غالبًا ما يتحملن أعباء المسؤوليات المنزلية ومسؤوليات تقديم الرعاية على عاتقهن. ويتسم أثر عمليات هدم المنازل بكونه واسع النطاق. وقد وثقته “مفتاح” من خلال تقرير أعدته خلال عام 2023، وجاء ضمن أربع فئات رئيسية وهي: الظروف المعيشية، والحالة الاقتصادية، ورفاه العائلة النفسي والاجتماعي، ورفاه النساء النفسي والاجتماعي. ومن حيث الظروف المعيشية، فقد بينت 65.5% من إجمالي عدد المستجيبات بأنهن انتقلن إلى منازل غير لائقة وسكنّ في ظل ظروف معيشية صعبة، بما في ذلك صغر حجم المنازل، وانتشار الرطوبة، وقلة التهوية، وذلك عندما أُجبِرن على الانتقال. وعلى صعيد الحالة الاقتصادية، فقد بينت 28.1% من إجمالي عدد المستجيبات بأن حالتهن الاقتصادية تدهورت تدهورًا شديدًا في أعقاب الهدم والانتقال لمنزل مستأجَر. وفيما يتعلق بالأثر على الأطفال، فقد أكدت 28.4% من النساء المستجيبات أن أطفالهن اشتاقوا لمنازلهم، ولألعابهم، ولغرف نومهم، فيما أكدت 31.3% منهن على أن المنزل لا يتسع للأطفال، ولا يتمتع بأي شكل من الخصوصية. وأخيراً، وفيما يتعلق بالأثر على النساء، أبرزتْ 50% من النساء المستجيبات الوضع النفسي الوخيم، وانتشار الأمراض، والحالة الاقتصادية الصعبة”.
“ثمة إجماع بأن عمليات الهدم تفاقم المصاعب الاقتصادية التي تواجهها العائلات. وتُعزَى هذه المصاعب إلى التكاليف الإضافية المرتبطة بإيجاد منزل جديد واستئجاره، وتكلفة الهدم المرتفعة، والغرامات التي تفرضها المحاكم على البناء “غير القانوني”. وترتبط المصاعب الاقتصادية وفقدان المنزل ارتباطًا مباشرًا بتدهور الرفاه النفسي، ولا سيما في أوساط الأطفال”. تؤكد الشعيبي.
ومن ناحية قانونية، توضح الشعيبي واستنادا الى التقرير ذاته، تم ربط عمليات هدم المنازل، التي تقع في القدس تحت ذرائع إدارية وباعتبارها تدبيرًا عقابيًّا، ارتباطًا جوهريًّا بالسياسة الاستيطانية الاستعمارية التي تنتهجها إسرائيل في أرجاء الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية. وتتوخى هذه السياسة زيادة الاستيلاء على الأرض إلى الحد الأقصى مع وجود أقل نسبة مئوية من الفلسطينيين عليها، من خلال اتباع ثلاث إستراتيجيات، وهي: مصادرة الأرض ومنع استخدامها، وزيادة عدد المستوطنين من خلال التوسع الاستيطاني، وتقليص عدد الفلسطينيين من خلال التهجير القسري. ويضم التهجير القسري إجراءات لا تُعد ولا تُحصى، كعمليات هدم المنازل، وإخلائها، وسحب الإقامة، وفرض القيود على تسجيل المواليد الجدد. وفي هذا الصدد، ووفقًا لتوثيق الأمم المتحدة، فقد هدمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي ما مجموعه 10.152 مبانٍ فلسطينية في الفترة الممتدة ما بين عامي 2009 و2023، مشردةً بذلك 15.064 فلسطينيًّا.
وردا على سؤال وجهناه حول هل اعتبار هدم المنازل في القدس “جريمة حرب”، تجيب الشعيبي: “ضمن الإطار الخاص بالقدس، ترقى السيطرة على القدس الشرقية (جنباً إلى جنب الجزء المتبقي من الضفة الغربية وقطاع غزة) إلى مستوى احتلال عسكري. ويحظر القانون الدولي على النحو المنصوص عليه في المادة (2) من ميثاق الأمم المتحدة الاستيلاء على الأراضي بالقوة. وعلاوةً على ذلك، تقتضي المادة 43 من لوائح لاهاي أن تحترم القوى القائمة بالاحتلال القوانين المرعية وتمتنع عن تعديلها، إلا إذا استدعت الضرورة ذلك حقًّا. وبناءً على ذلك، اعتبرت الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن مراراً ضم القدس الشرقية باطلاً ولاغيًا، بما في ذلك في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2253. إذ أكد هذان القراران وغيرهما الكثير على عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة. وطالبتْ إسرائيل بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها مؤخراً، وبإلغاء التدابير التي اتخذتها كافةً، وبالامتناع عن اتخاذ أي تدابير أخرى من شأنها تغيير وضع القدس الشرقية في ظل بطلانها”.
الحصول على تراخيص بناء في القدس.. من المستحيلات السبع
ويفيد الباحث والناشط الحقوقي المحامي بلال محفوظ: “حسب القانون الدولي تعتبر القدس الشرقية أرضًا محتلة ضمتها اسرائيل بموجب قانون أساس القدس عاصمة اسرائيل الواحدة والموحدة، وصدرت عن مجلس الامن الدولي قرارات تطالب اسرائيل بالغاء هذا القانون واعتباره مخالفا للقانون الدولي، وبموجب القانون الدولي يجب تطبيق القوانين السارية (القوانين الاردنية) بالإقليم الرازح تحت الاحتلال وعدم تغييرها إلا بالقدر اللازم لمصلحة سكان الإقليم”.
ويضيف محفوظ: “بعد تطبيق قانون أساس القدس الواحدة والموحدة عاصمة اسرائيل، أصبحت كل القوانين الاسرائيلية تنطبق على المواطن المقدسي وأصبحت الاراضي في القدس غير منظمة، وبالتالي يصعب إصدار رخص بناء بموجب القانون، الى جانب الضرر الذي يلحق بالمواطن المقدسي عند البناء على أرضه بلا ترخيص لانه لا يملك تكلفة رخصة بناء يجب دفعها لبلدية القدس والبالغة حوالي 50 الف دولار للشقة الواحدة”.
وحول مدى نجاح القضايا التي يرفعها المواطن المقدسي في المحاكم ضد قرارات الهدم ومحاولة منع تنفيذها، يوضح محفوظ “في أغلب القضايا يفشل المواطن المقدسي في منع الهدم، إما أنه لا يملك أوراق ملكية لأرضه نتيجة عدم قدرته على إبراز المستندات التي بحوزته خوفًا من تطبيق قانون حارس أملاك الغائبين على الاراضي المتبقية، لأن بعض اقاربه والورثة معه شركاء في الارض وهم موجودون خارج فلسطين، أو لأنه وبحسب بلدية الاحتلال ستكون هذه الارض مخصصة لاقامة شوارع أو مناطق خدمات أو مناطق خضراء وغيرها.
30 ألف عقار مقدسي مهددة بالهدم
وحول عدد المنازل التي تم هدمها في محافظة القدس أو المهددة بالهدم، يقول الناطق باسم محافظة القدس معروف الرفاعي: “كان عدد المنازل المهددة بالهدم في مدينة القدس، قبل 7 تشرين الأول 2023 أكثر من 25 ألف عقار تنوعت بين عقارات سكنية وتجارية وزراعية ومنشآت صناعية، الخ، وبعد 7 تشرين الاول تم توجيه إخطارات بالهدم إلى أكثر من 5000 منزل ومنشأة وبالتالي يصبح العدد تقريبا 30 ألف عقار مهدد بالهدم ، وبعد 7 تشرين الأول تم تنفيذ أكثر من 350 عملية هدم، كل منها تشمل أكثر من 10 منشآت سكنية او تجارية”.
ويتابع “اذا ما تحدثنا عن عدد السكان في مقابل 30 ألف عقار مهدد بالهدم، فإن متوسط عدد أفراد الأسرة الفلسطينية من 5 الى 6 أفراد ، وبالتالي فإننا نتحدث عن رقم يتراوح من 150 الى 180 الف مقدسي مهددون بأن ينتهي به المطاف في الشارع، إضافة الى ان هناك أحياء كاملة مهددة بالهدم في مدينة القدس وخاصة في بلدة سلوان، حي البستان ووادي الربابة وحي بطن الهوى ووادي قدوم، كلها أحياء مهددة بالهدم، فمثلا لدينا في وادي الجوز 180 منشأة صناعية لديها إخطارات بالهدم، حي الشيخ جراح بشقيه الشرقي والغربي مهددان بالهدم، كما أن هناك أحياء كاملة في بلدتي المكبر وبيت صفافا مهددة بالهدم، وبالتالي نحن نتحدث عن مئات الآلاف من المواطنين الذي سينتهي بهم المطاف أن يكونوا بلا مأوى”.
وعن قانونية عمليات الهدم الإسرائيلية في محافظة القدس يؤكد الرفاعي “عمليات الهدم الإسرائيلية مخالفة للقوانين الدولية والتشريعات، ومن يبني بناء غير مرخص أو غير قانوني فهناك قوانين تشرع مخالفته أو إعطاءه مهلة لتصويب هذه المخالفة، حيث إن هناك حالات نادرة تلجأ فيها القوانين الدولية الى تشريع حالة الهدم في حالة ثبت أن الأرض غير مملوكة لصاحب البناء، أو اذا كان عليها قرار مصادرة حكومة، ولكن ما تقوم به سلطات الاحتلال في مدينة القدس هي أنها لا تمنح التراخيص للبناء الجديد ولا تعطي تراخيص لإضافة أبنية جديدة أو حتى غرف جديدة، وكل من يخالف هذه التراخيص أو القوانين الإسرائيلية يتم هدم منزله، دون الرجوع للمحاكم ودون انتظار صدور قرار المحكمة في حال كان هناك قضايا مرفوعة من قبل المواطنين اعتراضا على عملية الهدم، وحتى دون إخطار اصحاب المنازل ، بعد 7 تشرين الأول الكثير من المنازل تم هدمها دون إخطار أصحابها أو دون انتظار حكم القضاء اذا كان هناك قضية منظورة أمام القضاء، وبالتالي عمليات الهدم الإسرائيلية تخالف القانون الدولي وكافة الشرائع الدولية، حتى أن عمليات الهدم تطال أية إضافات مثل إضافة حمام أو جدار أو موقف سيارات يتم هدمها، والمنازل التي لديها تراخيص بناء قبل عام 1967 اذا تمت اضافة طابق جديد لها او بناء غرفة اضافية يتم هدمها، وفي أكثر الحالات لا يتم منح تراخيص لأية إضافات”.
“نحن في محافظة القدس لا نعترف بالمحاكم الإسرائيلية وبالتالي نحن لا نتوجه كمؤسسة فلسطينية الى هذه المحاكم ولكن نحن ندعم توجه المواطنين اذا كانوا يريدون التوجه الى القضاء الاسرائيلي لانه في بعض الحالات نجح المواطن الفلسطيني في الحصول على أمر احترازي بعدم الهدم اذا كان هناك خطأ في عملية الإخطار أو الهدم، وهناك بعض المؤسسات الدولية الشريكة تقوم بتعويض صاحب المنزل أو المنشأة التي تعرضت للهدم، ونذكر أن التعويضات تختلف بين المنشأة السكنية والمنشأة الصناعية والزراعية والتجارية، ونحن في محافظة القدس نوثق كل عمليات الهدم بالصوت والصورة وعبر لقاءات مع أصحاب المنازل المهدومة، ونقوم برفع تقرير كامل ومفصل الى القيادة السياسية الفلسطينية من مكتب الرئيس محمود عباس الى وزارة الخارجية والأجهزة الأمنية والمؤسسات الحقوقية العاملة في فلسطين وخارجها، كما يتم أيضا تزويد سفرائناا في الخارج بهذه التقارير ويتم تزويد السفارات الاجنبية العاملة في فلسطين لدى كيان الاحتلال بهذه التقارير”.
المرأة الضحية الأولى لهدم المنازل
وحول أثر انعكاس هدم المنازل على النساء بشكل عام وعلى النساء في مدينة القدس بشكل خاص، تؤكد إلهام سامي من جمعية النجدة الاجتماعية لتنمية المرأة الفلسطينية “لهدم المنزل أثر كارثي على المرأة تحديدًا، كأنه انتهاء للماضي والحاضر والمستقبل، في الثقافة الاجتماعية السائدة في المجتمع الفلسطيني تتربى النساء على أن المنزل هو ليس مكانا عاديا هو بالنسبة للمرأة جزء من الكينونة، ويشكل بيئة آمنة لها، وبالتالي هدم البيت ينسف الأمن والأمان والكينونة، والتاريخ الاجتماعي المبني على حيز البيت المحيط من أهل وجيران”.
وتتابع، “بزوال المنزل يزول معه حكايات الحياة بحلوها ومرها وتنعدم التطلعات المستقبلية للعائلة وتتشتت الروابط الأسرية بين أفرادها وبالتالي تتأثر كافة مناحي الحياة للنساء، لأنها تكون معتادة على نظام منزلي معين، وعند هدم البيت كل هذا النظام يتغير، كونها المسؤولة عن إدارة البيت وتنظيمه”.
وفي الحديث عن ما يمكن تقديمه للمرأة التي تفقد منزلها، تشدد سامي “يجب العمل على مستوى دولي لمناصرة المرأة والضغط على المنظمات الدولية لإجبار الاحتلال على وقف سياسة هدم المنازل، إضافة إلى الإسناد المباشر للمرأة من خلال المؤسسات النسوية والجهات ذات الاختصاص عبر تقديم الدعم النفسي لها، والدعم المادي لتتمكن من النهوض مرة أخرى، وتقديم دورات لتعليم النساء بعض الحرف لتمكينهن اقتصاديا، وضرورة إيصال صوتهن عن طريق الإعلام ونقل قصصهن”.
في السياق ذاته، توضح مدير مركز الدراسات النسوية ساما عويضة: “المنزل هو المكان الآمن للنساء في ثقافتنا والمنزل هو المكان الذي تلجأ اليه النساء حال تعرضهن لأي خطر وهو المكان الذي بإمكان النساء أن تعيش فيه بحرية وكرامة في ظل كل المحظورات التي تفرض على النساء، وبالتالي فإن فقدان المنزل بالنسبة للنساء هو فقدان الأمن والامان والخصوصية وما ينتج عن هذا الفقدان من فقدان للأمل في مستقبل آمن”.
“من المفترض أن تضمن القوانين الدولية الأمن والأمان للمواطنين والمواطنات وعليه فإن عدم تدخل الجهات الدولية في وقف هذه الإجراءات يعني التخلي عن دور هذه القوانين في حماية السكان الأصليين سيما وأنه بعد هدم هذه المنازل تقام مستوطنات لسكان آخرين”، تؤكد عويضة .
وحول انعكاس هدم المنازل على واقع المرأة الفلسطينية في مدينة القدس من الناحية النفسية، تؤكد د. نبال خليل المتخصصة بالأنثروبولوجيا الاجتماعية “أن من أهم الانعكاسات النفسية على المرأة المقدسية جراء هدم منازلهن يتمثل بحصول الصدمة النفسية العميقة لدى النساء، ففقدان منازلهن يسبب لهن صدمة نفسية عاطفية عميقة. بحيث تتعرض النساء لفقدان مفاجئ لحالة الأمان والاستقرار، ما يتبعه مباشرة تشكيل ضغط عاطفي شديد، تتجسد أعراضه على شكل حالة من القلق والاكتئاب، كما تتشكل لدى النساء مشاعر من العجز وما نسميه “قلة الحيلة” وكذلك اليأس، حيث غالبًا ما تشعر النساء بالعجز في مواجهة عمليات الإخلاء القسري أو الهدم. فعدم القدرة على استعادة منازلهن أو السيطرة على ظروفهن يساهم في شعور عميق باليأس والإحباط، ما يؤثر سلبًا على صحتهن النفسية والجسدية، فبعد فقدان النساء لمنازلهن، يعشن في خوف دائم من التهجير القسري والاخلاءات القسرية والعنيفة، وهذا الإحساس المتواصل من الخوف وعدم الأمان يخلق توترًا مزمنًا، ما يؤثر على قدرتهن على الاستمرار بتأدية أدوارهن المطلوبة منهن بشكل طبيعي في الحياة اليومية، هناك حالات متعددة نجد فيها النساء يرفضن أو يعجزن عن التكيف مع الوضع النفسي الجديد ويرفضن فكرة الاخلاء والهدف وانعدام الهوية المكانية لهن، ما يخلق لديهن تبعات عصبية وتوتر متزايد جراء هذا الرفق و عد التكيف مع الوضع الجديد”.
“قد تصبح النساء اللواتي تم اخلائهن من منازلهن معزولات اجتماعياً. بحيث تنأى بنفسها عن كافة الأنشطة المجتمعية بحيث يشعرن بالانفصال عن الشبكات الاجتماعية التي كانت لهن من قبل، بسبب الحالة الجديدة من عدم الاستقرار المكاني و لا المكانة الاجتماعية المرتبطة بالمكان، و من ناحية أخرى يشكل فقدان تحديات كبيرة على تلك النساء وعائلاتهن، مما يضاعف من المعاناة الاقتصادية. يمكن أن يضيف الضغط الاقتصادي الجديد الناتج عن التنقل و البحث عن سكن جديد أو التأقلم مع حالة الهدم المزيد من الأعباء النفسية و الاجتماعية و ويحد من فرص الحصول على الوظائف و التعليم لتلك النسوة”.