فداء حامد.. رحلة معاناة وتحدٍ للسرطان تنتهي بـ”ذوق”
روان الأسعد – يأتي سرطان الثدي في مقدمة أنواع السرطان التي تصيب النساء في العالم المتقدم والعالم النامي على حدّ سواء، وتعيش المرأة المُصابة بسرطان الثدي سنوات في العلاج، تمرُّ خلالها بمراحل كثيرةٍ وصولاً إلى مرحلة التعافي من المرض، بدءاً من تبدُّل المظهر، مروراً بتساقط الشعر، ووصولاً إلى خسارة الوزن، إضافةً إلى كل ما يرافق تلك المراحل من تبدُّلات نفسية.
وقصص الناجيات من هذا المرض تحمل في طياتها رسالة توجهها النساء المحاربات لغيرهن، فيها من الأمل وجرعاته ما يُعين غيرهنّ على تجاوُز هذه التجربة، وتفتح آفاقهنّ على الحياة بروحٍ ورديةٍ جديدةٍ للتغلب على المرض.
فداء حامد هي إحدى المحاربات التي لم تعش دور الضحية، بل عاشت تجربةً واختباراً صعبين، ونجحت فيهما، وتفوقت بجدارة، فقد واجهت هذا “الوحش الخبيث” بشجاعةٍ كبيرة، وساعدها دعم المحيطين على خوض تجربة العلاج بعزيمةٍ وصبر، وحتى في لحظات ضعفها لم تفقد الأمل في الشفاء، بالرغم من أنها مرّت بأصعب فترات حياتها، بعد أن تم تشخيصها بسرطان الثدي، وشعرت باليأس والاكتئاب، إلا أنها اليوم أصبحت من الرائدات في محاربته، وحوّلت هذه التجربة المُرّة إلى قصة نجاحٍ كان عنوانها “ذوق”.
وقالت السيدة: بلا شك هي تجربة صعبة، فيها من الذهول والانهيار في البداية، ويتوقف فيها العالم حولك، لم أتوقع أن يقترب هذا المرض من عائلتي أبداً، وإذ بي أُصاب أنا به، شعورٌ لا يمكن وصفه، كلماتك تهرب منك، ويداك ترتجفان، دقات قلبك تتسارع وبقوة، تنهال عليك التساؤلات: هل أنا فعلاً مصابة بسرطان الثدي؟ هل ما يقوله الطبيب واقع لا مفر منه؟ هل سأموت وأبتعد عن عائلتي، أم سأنجو وأعود إلى حياتي من جديد؟
وتضيف: السرطان مرض مؤلم، لكن يمكن الشفاء منه طالما تحلينا بالإرادة والصبر والتحدي، بالرغم من أنني مررت بلحظات صعبة، ولكنني استطعتُ التغلب عليه، وحوّلت الألم إلى ضحكة، وجعلت الهزيمة انتصاراً، واليأس أملاً.
العزيمة والإرادة ودعم الأهل ..
وتتابع فداء: في البداية تسللت الصدمة إليّ، وكنتُ عاجزةً ربما عن التنفس، خيّم الصمت والحزن على كل شيء، إلا أنني استجمعتُ قواي وأدركتُ أن لامجال للإحباط، ولا بد أن أبدأ بمرحلة العلاج بأسرع وقت، ثم أقنعتُ نفسي بأنني سأتقبّل العلاج والأدوية بكل المراحل، وسأتخطى هذه الفترة بما تحمله من صعوبات، وكانت إرادتي قويةً بأنني سأنتصر على المرض، فالعزيمة والإرادة والتحلي بالصبر من الدعائم الأساسية للنجاة من سرطان الثدي.
ومع أنها مرت بحالاتٍ من الإحباط، “لكن في كل لحظة كنتُ أُقاوم وأنهض من جديد للاستمرار في الحياة، وما زاد من صعوبة المرض عليّ وثقله هو تلك الفترة التي عرفت فيها عن المرض، كوني كنتُ أتحضّرُ لإقامة حفلة الحناء لابنتي الكبرى جنان، وكنا نتجهز لحفل زفافها، هذه الفرحة التي تنتظرها كل أُمٍ بفارغ الصبر.
فداء حامد (46 عاماً) أُمٌّ لثلاث بنات: جنان (28 عاماً)، وهي صحافية، وأفنان (26 عاماً)، وهي محامية، وكندة (18عاماً)، وتقول لـ “القدس” دوت كوم: إنّ الدعم النفسي والاجتماعي هو ضرورة من ضرورات علاج المصابين بالسرطان، وذلك من خلال إدماجهم في الحياة الاجتماعية والعمل، مع مراعاة خصوصية حالتهم الصحية، وتهيئة الظروف لمساعدتهم وتقديم العون لهم.
وتشدد على أهمية دور الدعم الذي قدمه زوجها وأُسرتها لها خلال علاجها من سرطان الثدي، فلم يثنها المرض عن استكمال حياتها ومقاومته تحت إشرافٍ طبيٍّ وإسنادٍ عائليّ.
ست مراحل للعلاج تخللتها ست عمليات ..
وتواصل حديثها: بالرغم من أن البروتوكول العلاجي لسرطان الثدي يستمر ما بين ستة أشهر إلى ثمانية، فإن مرحلة علاجي اتخذت منحى آخر، فقد كانت المدة أطول من ذلك، فقد مررتُ في ست مراحل للعلاج، تخللتها ست عمليات، وكان العلاجان الإشعاعي والكيماوي مرهقين جداً ومؤلمين نفسياً وجسدياً، إضافةً إلى ظهور ورمٍ في يدي، وكان لا بد من إزالته، ومع أنّ السرطان سلبني أُموراً مثل صحتي، إلا أنه كان عاجزاً أمام أهم أمور حياتي، وهي عائلتي وقوّتي وروحي الجامحة واندفاعي، حتى استطعتُ مواجهته، والآن أشعر بالشغف حيال أُمور كثيرة، ولا أرى شيئاً يمكنه اعتراض سبيلي.
وتؤكد فداء أنّ تجربتها مع السرطان غيّرت حياتها، ودفعتها إلى القوة والإيجابية، وهو ما جعلها تنطلق لتبدأ مشروعها في إنتاج الشوكولاته الذي أطلقت عليه اسم “ذوق”. هذه التسمية، كما تقول، اختارها لها زوجها المصور أُسامة السلوادي الذي كان خير سند وداعم لها، لأن “ذوق” يشمل كل ما تحويه الشوكولاته التي تصنعها من مذاقٍ وشكلٍ ومكونات.
فكرة المشروع وبداية العمل ..
وعن ولادة مشروعها تقول: خلال مرحلة العلاج من السرطان، وتحديداً عندما قمتُ بإجراء العملية السادسة قبل أربعة أشهر، كانت فترة صعبة ومرة كثيراً عليّ جسدياً ونفسياً، خاصةً في ظل جائحة كورونا والتباعد، ومع خوف المحيطين بي من زيارتي والوقوف إلى جانبي شعرت نفسي وحيدةً أُصارع الألم، لا أحد يزورني ويخفف عني المعاناة.
وتضيف: فتذكرتُ أنني كنتُ فيما مضى قد التحقتُ بدورةٍ بسيطةٍ لعمل الشوكولاته، وتوجهتُ فوراً إلى المطبخ بعد أن عقدتُ العزم، وقررتُ أن أقوم بعمل أي شيء يُشغلني عن الوجع ويُنسيني إياه ويعينني على مقاومته، حتى لا يبقى مرافقاً لي، وبالفعل بدأتُ بأدوات المطبخ أصنع الشوكولاته، وأُجرب كل يوم، وكانت عائلتي هي المتذوق لهذه الأطعمة، إلى أن توصلتُ إلى طعمٍ ممتازٍ أعجبني وأعجب الجميع بعد العديد من التجارب.
وتتابع فداء: بعد ذلك، قررتُ أن أجعلها ضيافةً لزواري، وبالفعل عندما بدأ الأهل والأصدقاء يزورونني بدأتُ تقديمها لهم، وفوجئتُ بإعجابهم بها وسؤالهم من أين أحضرتها، وكيف قمتُ بعملها، ومن هنا انطلقت الفكرة من خلال تشجيعهم لي على استغلال هذه الموهبة وجعلها مشروعاً خاصاً بي، ولأنني دائماً كنتُ أُفكر بأن أُؤسس مشروعي الخاص بي لأكون منتجةً وفعالةً في المجتمع.
وبالفعل بدأت فداء بالفكرة، واستشارت أهلها وعائلتها، كما استشارت الشيف محمد عليان، وهو شيف حلويات، وأعطاها بعض النصائح التي عملت بها، وبدأت تنفيذ المشروع على أرض الواقع من مطبخها وبأدواتها البسيطة، وفوجئت بالإقبال الشديد عليه.
وتقول فداء: عمل الشوكولاته يحتاج مني الكثير من الوقت وبذل المزيد من الجهد، وأتميز بما أصنعه لأنني أعتمد على التمور التي أشتريها من منطقة أريحا وأقوم بطحنها مع المكسرات، ثم أعجنها مع زبدة الفستق التي أصنعها أنا يدوياً في المنزل، وبعدها أصنع الشوكولاته وأُضيفها عليها، ثم أُضيف التوت البري، والأهم من ذلك كله أن هذه الشوكولاته تمتاز بخلوها من المواد الحافظة وأيّ نوعٍ من الزيوت والزبدة والسكر.
وتضيف: أُصنّع الشوكولاته يدوياً، ولديّ الآن نوعان من الأطعمة، النوع الأول يتكون من التمر مع البندق والشوكولاته البلجيكية بالحليب، والنوع الثاني التمر مع اللوز والشوكولاته الداكنة، وهي نوعان نوع نسبة الكاكاو فيه ٥٥٪، ونوع نسبة الكاكاو فيه٧٠٪، وهو مناسب لمن يتبع نظام الكيتو ولمرضى السكري، وأطمح في المستقبل أن يكون لدي مشغل خاص لإنتاج أنواعٍ وأطعمةٍ أكثر.
وتختتم فداء حامد حديثها لـ “القدس” دوت كوم، برسالةٍ وجهتها لكل النساء: السرطان ليس أمرًا صعبًا، هو عدو ضعيف يمكن التغلب عليه، عالجيه بقوة عالية، وتذكّري أنّ هناك مئات النساء يخضن المعركة ضد سرطان الثدي مثلك تمامًا، اثبتي قدرتك، ولا تضعي حداً لطموحاتك، وأحيطي نفسك بأُناسٍ أوفياء يحتضنونك ويقدمون الحب لك، ليكونوا مصدر سعادتك والأمل الذي تتسلحين به.