ميساء بشارات- قبيل بدء العام الدراسي الجديد، بأيام قليلة بدأت أم عباس (43 عاما) من مدينة نابلس، بالبحث عن مدرسين خصوصيين لأولادها في الصفوف الأساسية، في مادتي الرياضيات والإنجليزي.
فمع بدء العام الدراسي، تتزايد أعباء أهالي الطلبة في جميع مراحلهم التعليمية نظرا لحاجاتهم الدراسية وبعضهم للدروس الخصوصية التي تزيد من الأعباء المالية التي تتكبدها الأسر.
مؤخرا دخل بند إضافي على سلة إنفاق بعض الأسر والتي تعاني أصلا من الوضع الاقتصادي السيئ، وهو تكاليف الدروس الخصوصية لأبنائهم.
وتختلف تكاليف الدروس الخصوصية من منطقة إلى أخرى ومن مرحلة دراسية إلى أخرى، وحتى آلية أخذ الدروس إن كانت ضمن مجموعات أو بشكل فردي، ومكان إعطائها في منزل الطالب أو الأستاذ.
وتدفع أم عباس التي لديها ثلاثة أطفال في المدرسة (الصف الرابع والسابع والحادي عشر)، ما يقارب الـ 500 شيقل شهريا على الدروس الخصوصية لأطفالها من أجل تقويتهم في مادتي الرياضيات واللغة الإنجليزية.
وتشير أم عباس إلى أن هذا مصروف إضافي دخل على الأسر مؤخرا، وأصبح متطلبا أساسيا من أجل انقاذ أطفالها من الرسوب ومساعدتهم على تحسين تحصيلهم العلمي، وتقويتهم في بعض المواد ومتابعتهم.
وتضطر أم عباس إلى الدفع للمدرسين الخصوصيين، تقول “إن لم أدفع لهم وحرمت أولادي من الدروس الخصوصية، فإنه سيتدنى مستواهم الأكاديمي، وخاصة أن الطلبة مروا بظروف صعبة خلال فترة انتشار (كوفيد-19) واعتمادهم على التعليم عن بعد في حينها، وما تلاها من فترة إضرابات للمعلمين ما أثر على تحصيلهم الأكاديمي ومدى تركيزهم”.
وتشير الى طمع بعض المعلمين الذين يقدموا دروسا خاصة واستغلالهم لحاجة الطلبة اليهم، فهم يعطون المادة ضمن مجموعات للطلبة، ولكنهم يحاسبون الأهالي بشكل فردي عن كل طالب ولا يقسمون المبلغ على المجموعة.
وتبرر أم عباس لجوءها إلى إعطاء إبنائها الدروس الخصوصية إلى عدم ثقتهم بالتدريس الحكومي ورؤيتهم او اعتقادهم بالتقصير من قبل المعلمين في اسلوب وطريقة توصيل المعلومة للطلبة، لذلك يبحثوا عمن لديهم من الخبرات او المهارات المناسبة التي تجعل من أولادهم محبين للتعليم وتحفيزهم أكاديميا.
تقول إن “المدرس الخصوصي” لديه أسلوب مختلف عن المدرس في المدارس الحكومية، ولديه الصبر ايضا والمهارات لتركيز المعلومة في أذهان الطلبة خاصة في مراحلهم الاساسية التي تحتاج الى تأسيس وتركيز عليهم.
وجدت أم عباس أكثر من معلم خصوصي لأولادها، لكنها تحاول البحث عن خيار يناسب ميزانيتها وزوجها. تقول أم عباس: “وجدت مدرسات ومدرسين كثر يمكن ان يأخذ اولادي عندهم دروسا خصوصي،ة لكنني ابحث اضافة الى مدى خبرة المدرس وأسلوبه في التعليم عن ذي الأجر المعقول.
وتشكو أم عباس من بعض المعلمين “الخصوصيين” يستغلون حاجة الطلبة وخاصة وقت تقديم الامتحانات فيرفعون سعر الدرس أضعاف السعر المعتاد، كما أنهم يحاسبون الطلبة حسابا آخر عند وضع اسئلة للامتحانات لاختبار الطلبة.
الأب عدنان أبو ابراهيم (49 عاما) من محافظة طوباس، يشير إلى أن ما يدفعه للجوء إلى المدرسين “الخصوصيين” رغم وضعه الاقتصادي البسيط الذي لا يكفيهم لاحتياجاتهم الاساسية ويدفعهم للدين في بعض المرات، هو عدم انتظام العملية التعليمية والخوف من الاضرابات كما في العام السابق، موضحا أن طفله ذا الصف الرابع لم يتلق التعليم في المدرسة كما يجب، ما يضطره لجلب مدرسين “خصوصيين” لابنه.
ويتابع انه لا يستطيع متابعة دروس ابنه هو او زوجته لأنهم يفتقرون للاسلوب الذي يجذب ابنهم للتعليم ولا يملكون مهارة توصيل المعلومة بيسر، لذلك يضطرون للجوء الى المدرسين “الخصوصيين” ما يزيد التزاماتهم المادية.
ويشير ابو ابراهيم الى أن بعض المدرسين لا يعطون الطلبة بضمير أو أسلوب ومعاملة جيدة لتصل المعلومة بيسر وسهولة للطلبة لذلك يحتاجون إلى مدرس خصوصي لتقويتهم.
وتتابع أن بعض المدرسين يحتاجون إلى إعادة تأهيل وأساليب تدريسية ووسائل للوصول إلى عقل الطالب وقلبه ليحب المادة ويفهمها، وبالتالي تحسين مستواه التعليمي.
يقول الأم دعاء مناصرة إنه لا يوجد طالب فاشل، بل كل طالب بحاجة إلى إهتمام فقط، وما يمنع الاهتمام هو اكتظاظ اعداد الطلبة في الصف الواحد، ما يؤثر على الطالب ويصبح بحاجة الى اهتمام وتركيز خارج المدرسة، ولأن الأهالي لا يملكون مهارات المعلم أو أسلوبه فيلجأوون إلى المدرسين الخصوصيين لتقوية ابنائهم.
وتشكو مناصرة من العبء المالي الذي يقع على كاهلهم نتيجة الدروس الخصوصية، موضحة ان الأعداد بالصفوف المدرسية كبيرة والمدرسة غير مؤهلة لهذا العدد الكبير.
وتشير الى أن اطفالها يأخذون دروسا خصوصية في مواد اللغة الإنجليزية والرياضيات، وهم بحاجة الى 8 دروس فردية في الشهر بمبلغ يقارب الـ 550 شيقلاً شهريا.
وتختلف الأسعار من منطقة الى اخرى ففي محافظة طوباس يأخذ المدرس “الخصوصي” في بعض المواد 280 شيقلا على المادة خلال الفصل الواحد، ومنهم من يأخذ اعلى من ذلك ومنهم من يحاسب الطالب شهريا بمبلغ يبدأ من 70 شيقلا شهريا فما فوق، وبعض المدرسين يحاسبون الطلبة على الساعة ويبدأ بـ 15 شيقلا لكل ساعة تدريسية، وفي بعض المناطق مثل محافظة رام الله يأخذ المدرس 50 شيقلا على الساعة.
وتقول المعلمة مي (اسم مستعار) وهي تعطي الطلبة دروسا خصوصية في منزلها بعد الظهر، أن بعض الطلبة لديهم ضعف، نتيجة عدم تأسيسهم جيدا خلال فترة انتشار كوفيد 19، اضافة الى أن الأهل لا يجيدون متابعة دروس أولادهم، أو لا يوجد لديهم وقت كاف لمتابعتهم.
وترجع حاجة الطلبة لدروس خصوصية خاصة في المرحلة الأساسية غالبا لتقصير الأهل وليس المدرسة، تقول هناك طلاب وضعهم الأكاديمي جيد، لكنهم يأخذون دروس خصوصية من أجل المتابعة وحل الواجبات البيتية، وبعضهم لديهم صعوبات أو بطء تعلم وهذه الفئة بحاجة لمتابعة إضافية لأن وقت المعلم في غرفة الصف غير كاف، وان هناك نسبة قليلة بحاجة إلى الدروس والدورات بسبب تقصير المعلم وقلة كفاءته خاصة في المرحلة الثانوية.
ومن المفارقات ايضا، ان المعلم او المعلمة الذين يعطون المادة في المدرسة هم أنفسهم من يعطون الطلبة دروسا “خصوصية” خارج المدرسة، ولكن بأسلوب وطريقة مختلفة عن داخل المدرسة.
ويعلل المعلم الذي طلب عدم ذكر اسمه ذلك بأن الظروف الاقتصادية والرواتب التي يتقاضاها المعلمون تلعب دورا مهما في مدى حبهم وعطائهم من قلبهم وجهدهم المبذول، مشيرا الى أن المعلم غير قادر على العيش من خلال راتبه الحكومي فقط، وهو اصبح بحاجة الى دخل اضافي منعا من وصوله الى “الشحدة” للانفاق على اسرته.
وكانت بيانات صادرة عن وزارة المالية والتخطيط أظهرت أن الأجور الممنوحة في قطاع التربية سجلت ارتفاعا نسبيا نحو 31% خلال أربع سنوات، صعودا من 193 مليون شيقل بعد نهاية تموز 2020، وصولا إلى 245 مليون شيقل مع نهاية تموز الماضي (متوسط الفاتورة الشهرية). وبمقارنة مجموع نفقات الأجور على قطاع التربية نلاحظ أنها ارتفعت إلى 1.69 مليار شيقل في نهاية تموز الماضي وصولا 1.29 مليار شيقل في نهاية تموز 2020.
ويتم إعطاء الدروس “الخصوصية” إما في مراكز تعليم خاصة، أو بمنزل الطالب أو بمنزل المعلم وهو الأكثر انتشارا، بشكل فردي أو مجموعات من الطلبة.
والكثير من الشبان وجدوا بالدروس الخصوصية فرصة عمل لهم، عوضا عن البطالة على اختلاف تخصصاتهم.
زينب التي درست التكنولوجيا وتخرجت منذ اربع اعوام لم تجد وظيفة لها في مجال دراستها ووجدت في اعطاء الدروس الخصوصية للمراحل الاساسية، فرصة لجلب المال والانفاق على نفسها وتحمل مسؤولياتها.
ويقول الوكيل المساعد للشؤون التعليمية في وزارة التربية والتعليم الدكتور أيوب عليان، إن المراكز الثقافية والتعليمية ترخص من قبل التربية ليس من أجل الدروس الخصوصية بالدرجة الأولى او لدروس التقوية بل ترخص بشكل رسمي من أجل طلاب الدراسات المسائية والخاصة والذين يلتحقون بها.
وأوضح ان وزارة التربية والتعليم تسعى لئلا يحتاج الطالب الذي على مقاعد الدراسة لدروس خصوصية، من خلال ثلاث وسائل هي: المنصة التعليمية، والمحطة الفضائية الفلسطينية، والثانوية “اون لاين”، وهي تفاعلية يتمكن الطالب من خلالها أن يسأل عما يريد ويتلقى جوابا من المعلمين، وبالتالي يستغني الطلبة عن الدروس الخصوصية.
ويتابع “المراكز الثقافية والتعليمية يرتادها طلبة الدراسات الخاصة الذين يدرسون في المنازل ويقدمون الثانوية العامة، فهم لا مانع ان يلتحقوا بها”.
وتعتبر وزارة التربية والتعليم الدروس الخصوصية قطاعا غير منظم، وقد يستهدف جني المال بطريقة غير مشروعة، عكس المراكز التعليمية المرخصة بشكل رسمي من قبلها وتتابعها الوزارة، والتي تجد فيها ما لا يمنع ان وجد عند الطالب ضعف او حاجة للالتحاق بدورات تقوية ان يلتحق بها.
وأشاد عليان بالنظام التعليمي الفلسطيني الحكومي، قائلا: “هو نظام تعليمي كبير يوجد به مليون طالب موزعون على 1898 مدرسة حكومية، ومشهود له بالكفاءة”.
وتابع: “لكن هناك بعض الأسر تجد ان ابنها ضعيف وتوجهه للدروس الخصوصية، كما انه ربما يوجد بعض نقاط الضعف عند بعض المعلمين واستهتار لكن اجمالا النظام التربوي الفلسطيني جيد”.
وناشد عليان الأهالي الابتعاد عن الدروس الخصوصية لأنها أصبحت ظاهرة غير ايجابية، مشيرا الى أنه في الفترة الاخيرة لاحظ اقبالا مرتفعا عليها اكثر من أي فترة سابقة.
ونوه إلى أن المعلم الذي يعطي نفس مادته خارج المدرسة فانه يسيء الى المعلم ومهنة التعليم، والأصل أن يكون المعلم وقته للطلاب ويعطي بضمير.
وتمنى عليان أن يتم تفعيل مجالس التعليم المجتمعية في قانون التربية والتعليم، والتي تتضمن معلمين متقاعدين ومعلمي جامعات وتربويين وتأخد على عاتقها معالجة نقاط الضعف ووضع خطة علاجية للفاقد التعليمي أو الضعف التعليمي في جانب معين وتعتمد على مبدأ العونة حيث انه للمجتمع دور فيها.
وتعد مجموعات الغذاء، والسكن ومستلزماته من كهرباء ومياه وغاز، والنقل المواصلات ( وتشمل أسعار الوقود والتراخيص وتعرفة المواصلات العامة) السلات الأعلى وزنا في مؤشر علاء المعيشة إذ تصل إلى 51.48% من أصل 13 مجموعة يتم قياسها في المؤشر العام ما يعني أن أي تغيير فيها يترك أثرا اعلى من بقية المجموعات الاخرى، فيما يصل حصة التعليم من متوسط إنفاق الأسرة إلى4%. مع العلم أن متوسط انفاق الاسر الفلسطينية شهريا(أسرة مكونة من 5.5) تصل إلى قرابة 935 دينارا شهريا حسب الجهاز المركزي للإحصاء.وحسب احصائية صادرة عن الجهاز في العام 2017 فإن نسبة الفقر في فلسطين وصلت إلى 29%(آخر احصائية حول الفقر).