سناء حسن أبوهلال
يطالعنا منذ فترة مصطلح يكاد يكون لازمة لفظية لكل حديث أو سجال تربوي، سواء على المستوى الشعبي أو المستوى الأكاديمي ألا وهو مصطلح “الفاقد التعليمي” وما يترتب على مكنون هذا المصطلح من تداعيات. وأصبح حجة متاحة لتبرير أي خلل في نتاجات العملية التعليمية التعلمية وكأنه شماعة نحمل عليها مسؤولية واقع الطلبة الحالي. ويذكرني ذلك بفترة ماضية من تاريخ الشعب الفلسطيني وهي فترة الانتفاضة الشعبية الأولى بين نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات (وقد كنت إحدى طالبات تلك الفترة)، ولسنوات بعدها كان أي تفسير لتدني مستوى الطلبة أو واقع التعليم يُعزى لنتاجات الانقطاع التعليمي وعدم استقراره خلال سنوات الانتفاضة الشعبية، وقد يكون حال الانقطاع في حينها أسوأ مما هو عليه الآن، فلم يكن هناك وسائل للتواصل أو منصات إلكترونية كما هو موجود هذه الأيام وكان الانقطاع حقيقياً، والحلول بسيطة في حينها وعلى درجة من المخاطرة كإعطاء الدروس في المساجد أو الغرف النائية والمتهالكة وبشكل متقطع وخاصة لطلبة الثانوية العامة، وفي ظل منع مستمر للتجول وسيطرة احتلالية على كامل التراب الفلسطيني.
ونعود على ذي بدء والمفهوم المستحدث “الفاقد التعليمي”، الذي يشير في معناه المتداول إلى المفاهيم والمعرفة التي يفتقدها الطلاب في فترة تعليمية محددة نتيجة لعدة عوامل، بما في ذلك:
- نقص في جودة التعليم وقلة في الموارد التعليمية: إذا كان النظام التعليمي غير فعال أو لا يلبي احتياجات الطلاب، قد يكون هناك نقص في التدريس الجيد، والمواد الدراسية غير الملائمة، وقلة التحفيز والتفاعل في الصف.
- ظروف اجتماعية واقتصادية غير ملائمة: قد يواجه البعض ظروفًا اجتماعية صعبة مثل الفقر، وعدم توفر بنية تحتية تعليمية جيدة، وقد يؤثر ذلك على فرص الطلاب في الحصول على تعليم جيد ويؤدي إلى الفاقد التعليمي.
- انقطاع التعليم: في بعض الحالات، قد يتعرض الطلاب لانقطاع في التعليم بسبب الحروب، والنزاعات النقابية أو السياسية، والكوارث الطبيعية، والأوبئة، أو بسبب ظروف شخصية مثل الهجرة أو النقل المتكرر بين عدة مدارس.
وهنا أردت التركيز على الفاقد التعليمي الحالي الذي أراه يترنح بين مطرقة الكورونا (جائحة كوفيد- 19) وسندان إضرابات المعلمين المتكررة، حيث تسببت جائحة كوفيد-19 في تعطيل العملية التعليمية في معظم دول العالم. وتم إغلاق المدارس والجامعات واعتماد التعليم عن بُعد، وهذا أدى إلى العديد من التحديات التي يعاني منها الطلاب ومنها: قلة التفاعل والتواصل المباشر بين الطلاب والمعلمين وهو جانب مهم في عملية التعلم وتطوير المهارات الاجتماعية لدى الطلبة، وقلة الوصول إلى التكنولوجيا والاتصال لدى بعض الطلبة نتيجة لنقص الأجهزة الإلكترونية أو عدم توفر شبكة الانترنت، مما يعوق قدرة عدد من الطلبة على المشاركة في التعلم عن بُعد، وفقدان التسلسل الزمني في عرض الدروس مما يؤدي إلى خلل في تطوير المفاهيم الأساسية، بالإضافة إلى عدم توفر بيئة تعليمية مناسبة للتعلم في المنزل لدى بعض الطلبة كضيق المنازل أو وجود عدد من الأخوة في نفس المكان، وموقع المنزل نفسه مما يؤثر على تركيزهم وتحفيزهم.
أما سندان الفاقد التعليمي فيتجلى في تداعيات إضرابات المعلمين المتكررة، الناتجة عن نزاعات حقوقية بين المعلمين والحكومية في سبيل البحث عن حقوق لا يمكن إنكارها للمعلمين ولكافة العاملين في المنظومة التربوية، وتعامل بمستوى أقل من قيمة الحدث من قبل الحكومة، وهي إضرابات للمطالبة بتحسينات في البنية التحتية للتعليم أو ظروف العمل للمعلمين.
يمكن أن يؤدي الإضراب إلى توقف التعلم لفترة زمنية محددة، مما يتسبب في فقدان الوقت الدراسي وتأثير على الجدول الزمني للطلاب، وما شهدناه العام الحالي من إضرابات مفتوحة سواء لمدارسنا الحكومية أو لمدارس وكالة الغوث مثال واضح على تشكل فاقد تعليمي وفجوة معرفية كبيرة لدى الطلبة. ونحن لا نستطيع إنكار أن إضراب المعلمين قد يسهم في زيادة الفاقد التعليمي، حيث يتوقف التعلم خلال فترة الإضراب سواء بشكل جزئي أو كلي، ويترتب على ذلك عدة أمور تؤثر على تعليم الطلاب ومنها:
* انقطاع الدروس خلال فترة الإضراب مما يؤدي إلى فقدان الوقت الدراسي وتأثير على تسلسل التعليم وتنظيم المنهج الدراسي.
* تأثير على الاستقرار الأكاديمي مما يشعر الطلاب بعدم الاستقرار والتغيير في جداول الدروس والمناهج، وقد يؤثر ذلك على تركيزهم وتحصيلهم الدراسي.
* التأثير على أداء المعلمين أنفسهم فقد لاحظنا بعد كل عودة للدوام من وجود عدم استقرار لأداء المعلمين نتيجة للانقطاع وفقدان التسلسل في العمل، ناهيك عن الإحباط الشديد لديهم بسبب نتاجات الإضرابات، فلم تخرج تلك الإضرابات بحقوق وحلول توازي ما تم فقدانه من فاقد تعليمي. واضطرارهم للتعويض عن فترة الإضرابات رغم عدم تحصيل المطالب بما يناسب التوقعات، وهنا قد ينطبق عليهم المثل الشعبي القائل ” وكأنك يا أبو زيد ما غزيت”، وهو شعور مؤلم بالتأكيد.
*فجوة في المعرفة والمهارات، بسبب توقف الدروس وانقطاع التعليم. وإذا لم يتم تعويض فترة الإضراب بشكل حقيقي، فإن الطلاب سيفتقدون إلى مفاهيم ومهارات أساسية مهمة.
وهنا تستوقفني قضية التعويض للطلبة التي تطرح عدداً كبيراً من التساؤلات برسم البيع أتركها مفتوحة لأصحاب الشأن وأصحاب الضمائر في المنظومة التعليمية: هل كان التعويض حقيقياً أم مجرد برامج لحبر على ورق، هل يمكن تعويض أشهر من الفاقد التعليمي واختزالها في أسبوعين أو ثلاثة، هل كانت هناك مسائلة حقيقية لشكل وآليات التعويض، هل هناك ما يُلزم المعلم الذي عاد مضطراً من الإضراب إلى التعويض عما فقده الطلبة، كيف سنبدأ عاماً دراسياً جديداً في ظل هذا الوضع، ما النتاجات التي نتوقعها مستقبلاً لتداعيات هذه الانقطاعات التعليمية التعلمية المستمرة؟؟؟؟ هي أسئلة وغيرها كثير في ذهن كل تربوي تحتاج للتفكر والتأمل ووضع النقاط على الحروف وإيجاد الحلول الحقيقية، وليس مجرد لقاء تربوي هنا أو ورشة عمل هناك لمناقشة الأمر ولا تخرج بحلول جذرية لواقع أصبح مؤلماً للغاية.
وإذا كانت الانقطاعات التعليمية الناتجة عن جائحة كورونا خارج إطار السيطرة باعتبارها كارثة طبيعية تأثر بها العالم أجمع، فإن إضرابات المعلمين هي مشكلة محلية وحقيقية من الواجب بل من الملزم التمعن فيها وحلها من جذورها، فالضحية الوحيدة في كل الأحوال هم الطلبة، حيث أن إضرابات المعلمين هي وسيلة للتعبير عن المطالب والاحتجاجات من قبلهم، وغالبًا ما يكون لهم أسباب مشروعة وقضايا يسعون لتحسينها في مجال التعليم، وفي مجال تحسين وضعهم الاقتصادي المتدني. ولذا لابد من التعاطي مع هذه القضايا وتلبيتها بشكل فعال، للتقليل من تأثيرها على الفاقد التعليمي لدى الطلاب.