You are currently viewing بقلم:<a href="https://alquds.com/search?query=%D8%B9%D9%88%D8%B6%20%D8%B9%D8%A8%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%A7%D8%AD">عوض عبد الفتاح</a>

بقلم:عوض عبد الفتاح

العربية فارسی كوردی‎ עִבְרִית Türkçe Français Deutsch Italiano Español English
شبكة فرح الاعلامية:

مع تشكيل الحكومة الجديدة، تعيش إسرائيل سكرة القوة، ولم تعد ترى حاجة لأي نوع من التسوية مع الشعب الفلسطيني سوى الإخضاع، إما بالطرق العسكرية والأمنية، أو عبر ملهاة السلام الاقتصادي، أو كلها مجتمعة؛ وهي بذلك تترجم نسخة متجددة من عقيدة “الجدار الحديدي”.

لا يوجد طرف وازن داخل التجمع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، معنيّ بالاعتراف بحق تقرير المصير والاستقلال على أي جزء على هذا القطر العربي الذي جرى تحويله إلى مستعمرة يهودية أوروبية، فالحكومة السابقة، بقيادة بينيت ولبيد، سلكت السياسة الاستعمارية الدموية نفسها، واعتمدت الوحشية نفسها، بل فاقت الحكومات السابقة التي تزعّمها نتنياهو وسابقوه، وإن ما ميز “حكومة التغيير” أنها أولا استخدمت خطابا ناعما تجاه الخارج؛ وثانيا، حظيت بغطاء “إسلامي متأسرل”.

في دراسة نشرها الباحث الأميركي اليهودي، إيان لوستيك، المختص بالصراع العربي الإسرائيلي عام 2008، تحدث فيها عمّا أسماه “تخلي إسرائيل عن إستراتيجية الجدار الحديدي”، وهو لفترة طويلة جدا كان من المدافعين عن حل الدولتين. وفي عام 2020، أصدر كتابا بعنوان “النموذج الضائع… من حل الدولتين إلى واقع الدولة الواحدة”. والفكرة الأساسية في الدراسة والكتاب تقول إن إسرائيل ومن خلال النجاحات المتتالية، والهزائم التي ألحقتها بالدول العربية، خلقت واقعا لم تقصده، وهو واقع الدولة الواحدة الذي يحمل في طياته مكونات الثورة والتمرد، معتبرا أن ذلك تخلٍّ عن “إستراتيجية الجدار الحديدي” الذي يقوم منطقه على بناء قوة عسكرية صهيونية وخارجية (بريطانية في ذلك الحين) يجري تفعيلها ضد الفلسطينيين والعرب، وتحقيق هزيمة ساحقة يأتون بعدها صاغرين وموافقين على الوجود الاستعماري الصهيوني في فلسطين، للتفاوض على تسوية. ويوضح أن نجاحات إسرائيل بإخضاع الأنظمة العربية، لم تتبعه مفاوضات سلمية لتحقيق تسوية سلمية تقوم على فكرة الدولتين.

والجدار الحديدي، كما يعرف الباحثون في الحركة الصهيونية، هو عنوان مقال لقائد التيار التنقيحي في الحركة الصهيونية، زئيف جابوتنسكي، نشره باللغة الروسية عام 1923، ردا على تيار العمل الصهيوني بقيادة دافيد بن غوريون، الذي كان يسعى إلى تحقيق المشروع الصهيوني بالتحايل والمفاوضات. جابوتنسكي، وعلى خلاف نظرة تيار العمل الذي يحمل نظرة فوقية سافرة، اعترف بوجود الشعب الفلسطيني وكتب في مقاله أنه شعب حيّ، وأنه كأي شعب طبيعي سيقاوم أي محاولة للاستيلاء على أرضه. ليس هذا اعترافا بحقه بتقرير المصير للشعب الفلسطيني، بل إنه تأكيد على الحاجة الصهيونية لتهيئة القوة العسكرية المطلوبة لهزيمته. ومنذ الثلاثينيات من القرن الماضي، تبنّى بن غوريون هذه العقيدة، وباتت عقيدة الحركة الصهيونية كلها، وتجسيدها إسرائيل.

ليس صدفة أنه خلال العشرين عاما الأخيرة، يجري استحضار تراث جابوتنسكي من قِبل اليمين واليمين المتطرف، والذي تقوم عليه أيديولوجية الحكومة الحالية، الأكثر تطرّفا في تاريخ الكيان الصهيوني.

لقد حققت إستراتيجية الجدار الحديدي نجاحات صهيونية كبيرة، ليس بإقامة اسرائيل فحسب، بل في إحداث شرخ داخل الجسم العربي والفلسطيني، الذي انقسم إلى “معتدل” و”متطرف”، وتجلّى ذلك في عقد اتفاقيات استسلام مع أنظمة عربية وإخراجها من دائرة الصراع. أما اتفاق أوسلو، فقد اختلفت النظرة إليه؛ فتيار العمل الصهيوني رأى فيه تحقيقا لإستراتيجية الجدار الحديدي، في حين أن اليمين وريث جابوتنسكي، رأى فيه كسرا للجدار الحديدي بسبب قبول كيان فلسطيني متجسد بحكم ذاتي.

وكما يرى اليمين ومن خلال زعيمه نتنياهو أن تحقيق اتفاقيات تطبيع وتحالفات أمنية مع أنظمة خليجية إضافة إلى نظام المغرب، هو ترجمة للجدار الحديدي الذي تقوم فلسفته أصلا على تحييد العالم العربي عن قضية فلسطين، وحتى لا يبقى، كما كتب جابوتنسكي، بصيص أمل أمام الشعب الفلسطيني بإمكانية هزيمة المشروع الصهيوني.

ولكن أمام إسرائيل تحدٍّ حقيقيّ، وترى أمام عينيها هذا التحدي، ولكن دون إدراك مخاطره على مشروعها؛ ألا وهو تمسّك الشعب الفلسطيني بالأمل وبالإصرار على المقاومة مهما طال الزمن، والاستعداد لدفع الأثمان من أجل استعادة الوطن. ويتغذى هذا الأمل من الإيمان بالحق، ومن كون هذا الشعب يعيش على أرضه، وأن عدد أفراده يوازي عدد اليهود في فلسطين، الأمر الذي يخلق تحديا تاريخيا وأخلاقيا في مواجهة نظام الأبارتهايد الذي ترسَّخ عبر الإجراءات الإدارية والقانونية، وتحديدا قانون القومية.

وعليه، وعلى خلاف توقعات وتحليلات جابوتنسكي، فإن فاعلية الوكيل الفلسطيني رغم كل ما يعتري الجسم الفلسطيني من تشرذم وضياع وفقدان رؤية، هو الذي يمارس عملية قضم لإستراتيجية الجدار الحديدي. كما أن لاعبا ظنّ عُتاة الصهاينة أنه اختفى عاد للظهور، ألا وهو الشعوب العربية، التي أعادت تأكيدها أثناء مونديال قطر على مركزية القضية الفلسطينية في الوجدان العربي، ما يطرح علامة سؤال كبيرة على مستقبل التوسع والاختراق الذي أحدثته إسرائيل في العالم العربي.

نعم، في ظل هذه الحكومة الحالية يتوقع أن يشهد الشعب الفلسطيني في فلسطين التاريخية معاناة وعذابات جديدة وتهديدات أكبر، ولكن الثبات والصمود والإصرار على الحق هي معطيات ملموسة ودلائل قاطعة، ستبقي المشروع الصهيوني في حالة قلق على وجوده. ليس المشروع الصهيوني وحده القوة الفاعلة الوحيدة على الأرض وفي العالم، والذي لديه مصادر قوة مادية هائلة، وقدرات لافتة في التخطيط، بل أيضا شعب فلسطين، الذي لم يتوقف عن المقاومة منذ بدايات الغزو الصهيوني في نهاية القرن التاسع عشر، فمع هذه النسخة المتجددة للنظام الصهيوني الدموي، السافرة والخالية من الرتوش، تتوفر لشعب فلسطين ولأحرار العالم فرص جديدة للفعل وللمقاومة، ولتصعيد النشاط المدني لحصارها عالميا. عن “عرب ٤٨”

اطبع هذا المقال