بقلم: نعيم مرار
مهما تقدمت السنون وتقادمت الأجيال وما دام من يعمر الأرض بشرا لن يخلو زمن من المفسدين والمنافقين والمفتنين، وكذلك الطماعين الظالمين وهذا حتى في عز دولة الإسلام، لذلك كان على الدوام قانون العقوبات وهذا ثابت في القرآن الكريم والسنة النبوية. وهذا أيضا في المجتمعات الطبيعية المستقرة. فما بالكم نحن الذين نعيش في ظل الاحتلال، فإنه بالإضافة لذلك هناك متطوعون وعملاء مهمتهم الأساسية زرع الفتنة والإفساد بين الناس كي نفقد الأرواح والأملاك وننشغل ببعضنا عن الاحتلال، هذا في أسوأ الأحوال وفي حالات أخرى فإن النفس الطماعة والمريضة تدفع باتجاه خلق الفتن والمشاكل بين الناس، وفي إطار أخف فإن بعض المشاكل تنتج عن سوء فهم بين المتخاصمين وتحتاج إلى طرف ثالث مخلص لله والوطن ونقي السريرة والضمير كي يتدخل لحل هذه الخلافات.
لذلك ونتيجة الحالات الأولى فإنه لا بد من قوة رادعة تعيد الضالين إلى رشدهم والمفسدين عن غيهم.
سابقا قالوا إن الجاهة العشائرية قسمان: “قسم يلبس العبي والآخر يحمل العصي”.
وكان لا بد لرجل الإصلاح من سطوة لأنه أحيانا لا بد من القوة لانتزاع الحق لأصحابه، “إن الله ليزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن” وليس بالسهل أن تنتزع الحقوق ممن سطا عليها تحت قوة النفوذ أو سطوة العشيرة، ثم كان يحيط بالوجيه حشد من أبناء عشيرته أو مناصري الحق.
وبعد ذلك رأينا كيف كانت القوات الضاربة والأذرع النضالية للقوى الوطنية تساند التنظيم في الإصلاح وفرض السلم الأهلي لأهميته وقدسية مهمته، ثم بعد ذلك في ظل السلطة الوطنية الفلسطينية كان لا بد من قوة وسلطة حاضنة وداعمة للجان الإصلاح لذلك استخدم المحافظون صلاحيات استثنائية لفرض السلم الأهلي ودعم لجان الإصلاح في وجه كل المتنكرين للحقوق والمعتدين بقوتهم وبعائلاتهم، وربما بالاحتلال أحيانا، وهذا لا بد منه لأن السلم الأهلي جزء أساسي من فرض النظام والقانون. والعمل العشائري مساعد رئيسي ومكمل أساسي لعمل ومهمة الشرطة والأمن والقضاء؛ لأن الأمن والقضاء ربما يردعان ولكنهما قلما يصلحان ويجبران الخواطر ويهدئان النفوس، رغم أن التدخل الطارئ لتلك القوة المنظمة والقانونية والأوامر الإدارية للمحافظين لا يستوجب التدخل لأكثر من 2 إلى 5 بالمئة من مجموع القضايا التي يتدخل بها الإصلاح العشائري لأن المجتمع الفلسطيني في غالبه محترم وملتزم ويحترم الوجوه ويلتزم بقولهم.
ثم إن من المخاطر المحدقة بالسلم الأهلي ومنظومة الإصلاح العشائري. منظومة “المقاولات العشائرية الاسترزاقية ” الدخيلة على عادات وأعراف شعبنا والتي تضر بعمق السلم الأهلي والإصلاح العشائري، وهنا أقصد أولئك الذين يستغلون حاجة الناس ويتلقون أجر تحركاتهم ولبسهم للثوب، لا بل يطغون ويوغلون في طمعهم بحيث لا يكفيهم راتب ومهمة وكيل ولا وزير ويطغون ويعملون على إفساد الناس بدل إصلاحهم، وأعتقد أن معظم القضايا التي يتدخل بها أولئك النفر لا تستكمل ولا تصلح الناس بل تؤجل إلى إشعار آخر سرعان ما تنفجر مرة أخرى؛ لأن النية في الأساس لم تكن للإصلاح وإنما للاسترزاق، والهجرة كانت للمال والجاه ولم تكن لله.
وأخيرا ولأهمية السلم الأهلي ودوره في تعزيز الأمن الوطني والمجتمعي لا بد من التكامل بين مجموعة مكونات وعوامل مجتمعة، أهمها لجان إصلاح متطوعة خالية الطرف، وحاضنة تشريعية وقانونية، وقوى أمنية تنفيذية تعمل جنبا إلى جنب ويتكامل كل منها مع الآخر وألا تكون عملية الإصلاح منقوصة.
وفي الختام، فإن المجتمعات الأكثر سلما وأمانا هي الأكثر إنجازا وإبداعا. وكذلك المجتمع الأكثر هدوءا واستقرارا هو الأقدر على مواجهة التحديات.
وهل لمجتمعنا أكبر من تحدي الاحتلال وتبعاته. لذلك هو الأكثر حاجة للأمن والسلم والاستقرار. لذلك مهمة الإصلاح العشائري والسلم الأهلي في مجتمعنا هي مهمات وطنية بامتياز لا يصلح لها إلا فدائيون وطنيون.
” اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين”.