عبد الباسط خلف- يشرع إبراهيم صلاح مكرها برفقة أطفاله، في اقتلاع نبات الخيار قبل أوانه، على امتداد حقل واسع في مرج ابن عامر.
ويحتمي من شمس حزيران بقبعة بنية، وينتابه شعور بالمرارة، بعد تبدد أحلامه في موسم ينتظره بفارغ الصبر؛ لتوفير احتياجات عائلته في ظرف اقتصادي قاس.
ويقول وهو يفصل جذور الخيار من أرضه رطبة، إنه يشعر بالمرارة من هذا العمل، لكن الطرق كلها أقفلت في وجهه، عقب إغلاق الاحتلال للحواجز، وتوقف تصدير الثمار إلى المصانع، وعدم قدرة المعامل المحلية والأسواق على استيعاب كميات كبيرة.
ويعدد إبراهيم أسماء أطفاله: يزيد، وخلود، ودلال، وسجود، ومحمد وخمستهم برفقة زوجته ووالدته بنوا آمالا بالحصول على أجر مجز من قطاف الخيار.
ضربة قاسية
والأعقد، وفق صاحب الحقل علي سهمود، تلقي ضربة قاسية وسط الموسم، وتنفيذ “إعدام ميداني” للمحصول.
ويؤكد المزارع الستيني لـ”الحياة الجديدة” بأن الوسيط المحلي مع المصانع الإسرائيلية أبلغه باستحالة إدخال الكميات المتكدسة من المحصول، بسبب الحرب التي اشتعلت الجمعة بعد ضرب إيران.
ويقول بمرارة إن الدونم الواحد كلف هذا العام أكثر من 5 آلاف شيقل، وبرزت خلال الموسم تحديات جديدة، إذ قفزت أسعار البذور بشكل جنوني، وارتفعت الحاجة لمعالجة الآفات كثيرا.
ويقدر سهمود خسائره بمفرده بنحو 300 ألف شيقل، إذ أجبر على قلع المحصول قبل الموعد، في وقت عجز الدونم الواحد هذا العام عن إنتاج 2 طن من أصل نحو 6 أطنان في المواسم الذهبية.
ويطالب ووزارة الزراعة بالتدخل لإسناد الفلاحين، في ظل خسائر متلاحقة تكبدوها، إذ أجبروا على إتلاف محاصيل الزهرة (القرنبيط)، والملفوف، والشومر، واللفت، الشتاء الماضي، ولا يجدون أسواقا لتوريد البصل والبطاطا التي تباع بأقل من نصف سعر تكلفة إنتاجها.
وينشر فيديو لما سماه “فشل الموسم الزراعي”، ويختتم بحسرة: أتلفنا كميات كبيرة، وكان هذا الخيار الأخير أمامنا، فقد دفنا مصدر رزقنا بأيدينا، ونأمل أن تعيد لنا وزارة الزراعة الاسترداد الضريبي؛ لنعوض بعض الخسائر.
ويسترد سهمود الذي بدأ بزراعة الخيار عام 1992 محطات الخسائر المتلاحقة في موسم 2003، لكنه لا يجد بديلا عن مواصلة المحاولة في المهنة التي ورثها عن والده، الذي ذاع صيته في زراعة البطيخ وتصديره لأسواق الأردن والخليج مطلع الثمانينيات.
كساد وحسرة
ويقف الشقيقان ماهر وسمير العاصي في حقلهما، ويتألمان على وقع مشهد اقتلاع المحصول الأخضر أمام أعينهما.
ويقولان إن وقف الخسارة هي ربح، فهناك تكاليف يومية باهظة للإبقاء على المحصول، فهناك ري ومبيدات وأجور عمال ونقل، وكلها مكلفة.
ويشيران إلى تكدس أكياس الخيار لليوم الثاني، التي أجبرا على تركها في بركس مجاور، تمهيدا لتوزيع جزء منها على أهالي بلدتهما برقين، ولإتلاف القسم الثاني، ولإطعام جزء للأغنام.
ويوضح الأخوان العاصي، اللذان زرعا 50 دونما، إن خسائرهما ستتجاوز ربع مليون شيقل، مثلما ستنعكس الخسارة على 85 عاملا في مزرعتهما.
ويفيدان بأنهما كانا يخشيان من تراجع منسوب المياه وتعطيش جزء من حقلهما، لكن المفارقة أنهما اتخذا قرارا صعبا بقلع المحصول.
ويؤكدالثلاثيني مجاهد غانم أنه التحق بقطاف الخيار بعد فقدانه لعمله في الداخل المحتل منذ نحو 20 شهرا.
ويشير إلى أنه كان يبني آمالا كبيرة على الموسم؛ لتسديد ديونه، لكن خسر أكثر من ثلث العائد المنتظر.
ويواصل غانم الأب لطفل والموعد بآخر، اقتلاع المحصول، ولا يخفي حسرته عليه، فهو في أوج العطاء كما يفيد.
خسائر مليونية
بدوره، يحصي أيمن خمايسة، الذي يعمل في أراضي اليامون، الخسائر التي تكبدها، فقد كان يبني أماله على قطف 6 أطنان من كل دونم، لكن الموسم توقف عند 2 طن فقط، ما يعني خسارة محققة.
ويجلس خمايسة رفقة جيرانه المزارعين في بيت زراعي بطرف مرج ابن عامر، لتبادل خيارات حل الأزمة، فيعجزون كما يقولون عن التوصل إلى حل.
ويشير محمد سمودي إلى قراره بالتخلي عن هذه النبتة، وعدم العودة إليها بعد عجز كبير من 40 دونما كان يزرعها.
ويبين أن في بلدته نحو ألفي دونم خيار، تشغل أكثر من 4 آلاف عامل، ينتظرون جميعا الموسم، الذي يعتبر مصدر رزقهم الوحيد، لكن عليهم كما يصف “القبول بخسائر مليونيه”.
تعاقد وتخمة
ويوضح رئيس قسم الخضروات في مديرية زراعة جنين، جواد زكارنة، بأن الوزارة ليست طرفا في أزمة محصول الخيار الحالية، لأنها عملية تعاقدية بين المزارعين وعدة مصانع في الداخل.
ويقدر المساحة المزروعة في محافظة جنين بـ 3500 دونم، أغلبها في مرج ابن عامر، وبرقين، وميثلون.
ويشير إلى أن قطف الخيار في العادة يتوقف في نهاية حزيران ومطلع تموز، ولا ينسق المزارع مع الوزارة في المساحات أو قضايا التسويق، لكن “الزراعة” تواصلت مع هيئة الشؤون المدنية في محاولة للبحث عن مخرج للحواجز.
ويرى زكارنة بأن التحول إلى بديل عن الخيار لأصناف أخرى يجب أن يمكون مدروسا، ولا يمكن للوزارة ضمان تسويق أصناف جديدة كون ذلك مرهون بالعرض والطلب، كما أن الوضع الحالي استثنائي ويتعكس سلبا على القطاعات كلها.
ويبين مدير عام مصنع المحصول الوفير، علام خلوف، أن مصانع الداخل أقفلت أبوابها، كما سد الاحتلال الحواجز ونجم عن ذلك العجز في توفير مستلزمات الإنتاج والصيانة للمصنع، وعدم القدرة على تلقي الكميات المزروعة لحساب مصانع ووسطاء آخرين.
ويؤكد أن قدرته اليومية تستوعب نحو 120 طنا من حقول برقين، حيث أقيم المصنع الموسم الماضي، بينما تصله كميات مضاعفة من مناطق أخرى يتعذر عليه استقبالها بأي شكل.
ويتطرق خلوف إلى تراجع الإنتاج للموسم الحالي بنحو النصف بفعل الأحوال الجوية المتقلبة خلال الربيع وشح الأمطار، لكنه يستعيد أزمة 4 حزيران 2003، عندما أتلف المحصول في منتصفه، وبكميات كبيرة.
ويفيد مدير عام مصنع زادنا، نجم أبو حجلة، أن المصنع يتعاقد مع مزارعي الفارعة ومناطق أخرى في جنين، غير أنه لا يملك حاليا إمكانية التعاقد على كميات جديدة إضافية غير المتفق عليها مع المزارعين.
ويقول إن الوقود سينفد من المصنع خلال 48 ساعة، وطاقته الإنتاجية 60 طنا في الوردية الواحدة، ولديه حاليا أكثر من 400 طن تنتظر التعليب.
ويؤكد أبو حجلة بأن “زادنا” تنقصه بعض مدخلات الإنتاج، وسعى بكل إمكاناته للمساهمة في حل أزمة مزارعي الخيار الحالية، لكن الظروف التشغيلية الراهنة صعبة للغاية.
وتوفر” زادنا” أكثر من 2000 فرصة عمل للمزارعين كل موسم، عدا عن 120 من الموظفين والعاملين على مدار العام، وتمتاز بعلاقة طيبة وشفافة مع الفلاحين.