محمد الرجوب- واصلت قوات الاحتلال، يوم أمس، اجراءاتها غير المسبوقة المتمثلة بالاغلاقات وتقطيع أوصال المدن والبلدات والقرى الفلسطينية، تزامنا مع عدوان واسع على مدينة جنين ومخيمها، الأمر الذي سيوجه ضربة قاسية للاقتصاد في ضوء الارتفاع المتوقع على تكاليف نقل السلع والبضائع ومنع العمال والموظفين من الوصول إلى أماكن عملهم.
ويطال الاغلاق والتشديدات الحواجز الرئيسية التي تعبر منها آلاف الشاحنات المحملة بالبضائع والمنتجات الزراعية والاحتياجات الأساسية مثل “حاجز الكونتينر” الذي يربط جنوب الضفة بوسطها وشمالها، إضافة إلى حاجز جبع شمال القدس وحاجزي عين سينيا وعطارة شمال رام الله والبيرة وكافة الحواجز المحيطة بمحافظة نابلس، فضلا عن حاجز الحمرا في الأغوار.
ووضع الاحتلال، خلال الأيام الماضية، 17 بوابة حديدية جديدة على مداخل القرى والبلدات الفلسطينية، وأضاف عشرات الحواجز الطيّارة على الطرقات، ليرتفع مجموع الحواجز في الضفة إلى 898 بما يشمل الحواجز الثابتة والمؤقتة والبوابات الحديدية والعوائق الترابية والمكعبات الإسمنية وغيرها. واقع حوّل حياة الفلسطينيين إلى جحيم، ووجه ضربة قاسية للاقتصاد الوطني الذي انكمش بنسبة 27.5% خلال العام 2024 كنتيجة مباشرة للعدوان الإسرائيلي، بحسب البيانات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء.
وبدورها طمأنت وزارة الاقتصاد الوطني المواطنين بوفرة السلع الأساسية في الأسواق، وأشارت الى أنها تتابع بشكل حثيث سير الحركة التجارية لضمان وصول السلع إلى المدن والقرى والمخيمات كافة.
وأكدت وزارة الاقتصاد في بيان لها، يوم أمس، أن السلع الأساسية تكفي لـ6 أشهر، والطحين يكفي لـ3 ثلاثة أشهر، كما أن طواقمها تتابع حركة سير الحركة التجارية بين المدن والقرى في ظل وضع قوات الاحتلال لـ898 حاجزا عسكريا. ودعت إلى ضرورة الإبلاغ عن أي مخالفة عبر منصتها “بهمنا” أو عبر الرقم المباشر 129.
ومن جانبه أفاد مدير عام النشر والتوثيق في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان أمير داود في حديث مع “الحياة الاقتصادية” بأن أكثر من 146 بوابة حديدية أقامها الاحتلال بأنحاء الضفة بعد 7 تشرين الأول /أكتوبر 2023، منها 17 منذ بداية العام 2025.
مشتريات فلسطينيي 48
تتسبب الاغلاقات التي يفرضها جيش الاحتلال والعدوان على جنين بضربة للجهود التي تبذلها الغرف التجارية وجهات أخرى لتشجيع الفلسطينيين من أراضي 48 على القدوم إلى مراكز التسوق في الضفة خصوصا يومي الجمعة والسبت. ومثلت مشتريات فلسطينيي الداخل رافدا اقتصاديا رئيسيا طوال الاعوام الماضية خصوصا في ظل صلة القرابة بين العائلات في طولكرم ومدن المثلث، والقرب الجغرافي بين جنين والناصرة، والتنوع الذي توفره أسواق نابلس والخليل، والمطاعم والمقاهي والفنادق المميزة في رام الله.
وتشير التقديرات إلى أن اجمالي مشتريات فلسطينيي الداخل وصلت في العام 2019 إلى ما يزيد عن مليار دولار، بما يشمل مصروفات التعليم العالي للطلبة من الداخل في جامعات الضفة، ولكن الرقم تقلص بسبب تفشي جائحة الكورونا ومن ثم ظلت وتيرة زيارات أهل الداخل إلى الضفة ومشترياتهم متذبذبة منذ أن شرع الاحتلال الإسرائيلي بعملية عسكرية سماها “جز العشب” عام 2021، وما تلا ذلك العام من أحداث.
وفي الأشهر الاخيرة ورغم العدوان على قطاع غزة والتنغيص على حياة الفلسطينيين في الضفة، إلا أن مشتريات وزيارات فلسطينيي 48 انتعشت في عدد من المدن الفلسطينية -باستثناء جنين وطولكرم- الأمر الذي ساهم نسبيا في الحد من الآثار الاقتصادية الكارثية للعدوان الاسرائيلي المستمر منذ اكتوبر 2023. ويتوقع الآن ان تنتكس معدلات مشتريات أهل الداخل من اسواق الضفة مجددا مع الواقع الجديد.
ومع بدء العدوان الاسرائيلي الجديد على جنين والمخيم، بدأت جرافات اسرائيلية بتجريف الشوارع التي كان يسلكها الفلسطينيون من الناصرة لدى توجههم الى أسواق المدينة، في إشارة الى مدى انزعاج الاحتلال الاسرائيلي من الترابط الاقتصادي والاجتماعي بين الفلسطينيين على طرفي الخط الأخضر.
المالية العامة
ومن المتوقع أن يتسبب ضعف الحركة التجارية، نتيجة خسارة المستوقين من فلسطينيي الداخل، والتقييدات غير المسبوقة على الحركة التجارية، بتراجع الايرادات العامة، فمن جهة تقوم حكومة اليمين الفاشي بقرصنة ما يزيد عن 50% من أموال المقاصة، في وقت تراجعت فيه الايرادات المحلية للحكومة الى ما معدله 180 مليون شيقل شهريا، علما أن الرقم كان يصل إلى 400 مليون شيقل قبل العدوان الإسرائيلي.
وتضع هذه المعطيات علامات استفهام حول قدرة الحكومة على الاستمرار بصرف النسب المعتادة من الرواتب في ضوء الحصار المفروض على الاقتصاد الوطني والحصار المالي المستمر منذ العام 2017، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
معطيات مقلقة
ويفيد الجهاز المركزي للاحصاء بأن انهيار المنظومة الاقتصادية في قطاع غزة والتراجع الحاد في القاعدة الإنتاجية للضفة الغربية، تسببا بارتفاع غير مسبوق في معدلات البطالة خلال العام 2024، وأضاف في بيان استعرض فيه الحصاد الاقتصادي العام الماضي إلى أن “فلسطين تواجه كارثة اقتصادية، واجتماعية، وإنسانية، وبيئية، وصحية، وتعليمية، وغذائية أدت إلى انكماش القاعدة الإنتاجية وتشويه الهيكل الاقتصادي لفلسطين. فمع نهاية العام 2024، تشير التقديرات إلى استمرار الانكماش الحاد غير المسبوق في الناتج المحلي الإجمالي في قطاع غزة بنسبة تجاوزت 82%، رافقه ارتفاع معدل البطالة إلى 80%. كما امتد هذا التراجع إلى اقتصاد الضفة الغربية بنسبة فاقت 19%، مع ارتفاع معدل البطالة إلى 35%. وفي المحصلة، أدى ذلك إلى تراجع الاقتصاد الفلسطيني بنسبة 28% رافقها ارتفاع معدل البطالة ليصل إلى 51%”.
وذكر “الإحصاء في بيان أنه وفي ظل الاغلاقات والاجتياحات وتقطيع اوصال المدن الرئيسية خلال العام 2024، ورغم تراجع القوة الشرائية بشكل عام، الا ان تأثيرها يتباين على شرائح الدخل المختلفة، حيث ان الأثر اكثر حدة على الفئات المهمشة والأكثر فقرا، خاصة ان ارتفاعات الأسعار طالت بشكل رئيسي السلع الأساسية، في الأسواق الفلسطينية.