ميساء بشارات- في ظل الارتفاع المتزايد في تكاليف المعيشة وغلاء الأسعار الذي أرهق كاهل العديد من الأسر، انطلقت حملة وطنية تهدف إلى الحد من ارتفاع الأسعار وضمان توفير السلع الأساسية بأسعار معقولة.
في قرية قيرة الصغيرة، بمحافظة سلفيت، وبين شوارعها التي تعج بالحياة اليومية، قرر سائق التاكسي رمزي مصطفى زيادة (56) عاماً أن يتحول من ناقل للركاب على تاكسي عمومي إلى قائد لحملة شعبية تهدف إلى محاربة غلاء الأسعار غير المبرر. الحملة التي أطلق عليها اسم “دشرها ع الرف لترخص” جاءت تعبيرًا عن معاناة طويلة يعاني منها رمزي ومعه جمهور المستهلكين في مدن الضفة الغربية.
رمزي، الذي يعمل سائق تاكسي منذ عقود، لاحظ تزايد الضغط الاقتصادي على الركاب الذين ينقلهم يوميًا، حتى أن بعضهم بدأ يتحدث عن عجزه عن شراء أبسط الاحتياجات اليومية، بسبب الارتفاع الذي يحدث باستمرار على السلع الأساسية خاصة، دون تدخل من أحد لإيقاف الارتفاع نظرا لما يمر به الناس من تراجع في الدخل وانتشار للبطالة وخاصة بعد أحداث 7 تشرين الأول الماضي.
يقول رمزي: “كنت أسمع يوميًا شكوى الركاب، والكل يشكو من أسعار لا تتناسب مع الدخل، حتى أني كأب لعائلة شعرت بعبء أكبر، لذلك قررت أن أتحرك”.
بدأت الحملة بفكرة بسيطة نشرها رمزي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، داعيًا المستهلكين إلى التوقف عن شراء السلع التي ارتفعت أسعارها بشكل غير مبرر، ورفع شعار “دشرها ع الرف لترخص”، ليعبر عن نهج مقاطعة شعبي للضغط على التجار لخفض الأسعار.
يتابع رمزي: “إذا شعر التجار أن البضائع لا تُباع، سيضطرون إلى إعادة النظر في أسعارهم، والأمر يعتمد على وعي الناس واصرارهم على خفض الأسعار المرتفعة وخاصة للسلع الأساسية التي بات المواطن غير قادر على تأمينها لعائلته في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة والبطالة”.
وحول الإقبال على الحملة يقول رمزي: “الحملة بدأت من قراري بأخذ روح المبادرة في التغيير لما أشعر به من عجز لدى العديد من المواطنين للتعبير عن رفضهم للأسعار المرتفعة والغلاء غير المبرر، وبدأ السكان في مدينة سلفيت التابعين لها ومدن أخرى يشاركون منشوراتها على وسائل التواصل الاجتماعي”.
ويؤكد رمزي أن الفكرة لم تكن تستهدف التجار الصغار بقدر ما تهدف إلى كبح جشع الموردين والشركات الكبرى.
وتركز الحملة، التي يقودها رمزي، على مفهوم العرض والطلب كعامل رئيسي في تحديد أسعار السلع. ويوضح رمزي: “أن ترك السلع باهظة الثمن على الرفوف سيؤدي بشكل طبيعي إلى انخفاض أسعارها مع مرور الوقت، نظرًا لتراجع الإقبال عليها”.
ويتابع أنه كلما ارتفع وعي المستهلكين، استطاعوا الوقوف في وجه جشع بعض التجار، مستشهدًا بالمثل الشعبي: “شو فرعنك يا فرعون؟ ما لقيت حد يردني”.
ويؤكد رمزي أن محاربة الغلاء تتطلب وعيًا جماعيًا وإرادة حقيقية من الجميع، إلى جانب البحث عن بدائل أقل تكلفة للسلع المبالغ في أسعارها.
وتطالب الحملة بمزيد من العمل من قبل الجهات الرقابية في ضبط الأسواق، ويقول رمزي: “الأسعار ترتفع بسرعة عندنا بمجرد أن ترتفع عالميًا، لكنها لا تنخفض بنفس الوتيرة عندما تنخفض عالميًا”.
ورغم أن الحملة ما زالت في بداياتها، إلا أنها لاقت دعمًا وتشجيعًا من المواطنين، الذين يأملون في أن تسهم في كبح جماح الأسعار. ومع ذلك، يشير رمزي إلى أن نجاح الحملة مرهون بمستوى وعي المستهلكين واستمرارهم في مقاومة جشع التجار.
والمستهلك هو المفتاح الحقيقي للضغط على الأسواق، لكن ذلك يحتاج إلى قناعة حقيقية وإرادة جماعية، يقول رمزي، موضحا أن مقاومة شراء السلع المبالغ في أسعارها لمدة أسبوع أو أكثر يمكن أن يؤدي إلى انخفاض طبيعي في أسعارها نتيجة لقلة الطلب عليها.
الحملة تسعى إلى خلق حالة من التكاتف المجتمعي، وتشجع على البحث عن حلول عملية ومستدامة للتصدي للتضخم، مع التركيز على الدور الذي يمكن أن يلعبه المستهلك في تحقيق التوازن في الأسواق.
وينوه الى أن الهدف من الحملة ليس استهداف التجار الصغار بل دفعهم للتعاون مع المستهلكين في مواجهة سياسات الاحتكار، وخفض الأسعار للمستهلكين، ويضيف: “أن الحملة ليست ضد أحد، بل هي لأجل الجميع”.
ويأمل رمزي أن تؤدي الحملة إلى تغيير حقيقي في نمط الاستهلاك، وأن تدفع الجهات المسؤولة إلى التدخل للحد من ارتفاع الأسعار، مؤكدا على استمرارية الحملة حتى تتحقق نتائج ملموسة يشعر بها المواطن العادي.
أم أحمد، من سكان مدينة نابلس، سمعت بالفكرة عن وسائل التواصل الاجتماعي، تقول: “فكرة الحملة رائعة، وبدأت أطبقها، وأركز على شراء الحاجات الأساسية فقط، مع تجنب المنتجات مرتفعة الثمن، والبحث عن منتج بديل أرخص ثمنا، في خطوة لإيصال رفض المستهلك لهذه الأسعار المرتفعة”.
وتبقى حملة “دشرها ع الرف لترخص” رسالة واضحة بأن قوة المستهلك تكمن في وعيه وإرادته الجماعية، ونجاح هذه الحملة يعتمد على تكاتف المواطنين والتزامهم بالمقاطعة كأسلوب حضاري للضغط على الأسواق وكبح جشع التجار، ومع استمرار التوعية وزيادة الوعي المجتمعي، يمكن أن تتحقق تغييرات إيجابية تضمن عدالة الأسعار وتخفف الأعباء المعيشية على الجميع.