You are currently viewing موسم قطف الزيتون… لقمة مغمسة بالدم
A Palestinian harvests olives near the Israeli wall near Hebron in the Israeli-occupied West Bank October 26, 2023. REUTERS/Mussa Qawasma

موسم قطف الزيتون… لقمة مغمسة بالدم

العربية فارسی كوردی‎ עִבְרִית Türkçe Français Deutsch Italiano Español English
شبكة فرح الاعلامية:

مزارعون يتحدثون بمرارة عن خسائر تكبدوها بسبب استهداف المستوطنين لأشجارهم بالقطع والحرق

ميساء بشارات- في قرية بورين جنوب مدينة نابلس، يعيش محمد رجامزارع في الخمسين من عمره، كانت حياته تدور حول أشجار الزيتون التي ورثها عن أجداده إضافة إلى بعض الأراضي التي يضمنها من أصحابها لقاء قطف ثمارها، لكن في هذا العام، لم يكن الموسم كما اعتاد عليه أكرم، إذ أقدم المستوطنون على حرق ما يقارب الـ 80 شجرة زيتون من أرضه وقطعوا 70 شجرة أخرى، مما حوّل فرحة القطف إلى مأساة.

وكانت أشجار الزيتون جزءاً لا يتجزأ من حياة محمد، تشعره بالفخر عند قطف الثمار، ورؤية الإنتاج من الزيت.

يقول محمد المعيل لأسرة مكونة من ثمانية أفراد: “الشجرة تمثل جيلًا من العمل والتعب، وكنت أرى في كل ثمرة آمال عائلتي، ولكن الموسم منذ أعوام يتعرض لاعتداءات المستوطنين”.

وقبل أسابيع فقط، اقتحم المستوطنون أرضه وحرقوا العشرات من أشجاره ليمتد الحريق لمساحات شاسعة من الأراضي التي تقع جنوب القرية تحت الشارع الالتفافي، شعر حينها وكأن قلبه انكسر، فأشجار الزيتون تمثل حياته ومصدر رزقه الرئيسي هو وعائلته.

ومع تراجع عدد أشجار الزيتون كل عام بفعل اعتداءات المستوطنين ومنع الاحتلال المزارعين من الوصول الى أراضيهم الواقعة تحت الشارع الالتفافي جنوب القرية، أصبحالمزارعون يواجهون تحديات اقتصادية كبيرة، تؤثر على تأمين لقمة العيش لأسرهم.

يقول الرجل بغصة: “كنت مركنا على الله وعليها، والسنة الماضية خسرت ما يقارب الـ 150 تنكة زيت لعدم تمكني من الوصول الى الأرض لقطف الثمار، وهذا العام سأخسر أكثر من 40 تنكة إضافية بسبب قطع وحرق عدد من الأشجار قبل أسابيع معدودة، وعدم السماح لنا بالعناية بالأرض وحراثتها”.

يواصل محمد الصمود والأمل على أن يكون هذا الموسم رغم الحرق والقطع الذي لحق بأشجاره، ويتمكن من الوصول إليها بأمان، فهم يخططون للذهاب اليها بتنسيق أمني وبرفقة مجموعة من العمال الفلسطينيين والمتطوعين الأجانب.

وضمن التنسيق يستطيع محمد وعماله ومتطوعين الوصول إلى الأرض لعدة أيام ضمن ساعات محددة لقطف الزيتون. ويضمن محمد مئة دونم من أشجار الزيتون كل عام من أجل قطف ثمارها لتكون مصدر رزقه الأساسي، لكنهم العام الماضي لم يستطيعوا الوصول الى  70% من الأرض الواقعة جنوب القرية.

يقول محمد بغصة: المشهد الجميل الذي اعتدنا رؤيته وتصويره خلال موسم الزيتون من مأكولات شعبية وشاي على النار وقلاية بندورة وغيرها أصبحت في الماضي، فهنا أثناء القطاف لا يوجد أمان على حياتنا وكل همنا استغلال أيام التنسيق لقطف ما نستطيع قطفه من ثمار، قبل اعتداءات المستوطنين علينا وسرقة المحصول، فالموسم محفوف بالخطر.

وتصاعدت حدة الهجمات على أشجار الزيتون في السنوات الأخيرة، حيث يقوم المستوطنون بعمليات قطع وحرق وكسر تستهدف الأشجار المزروعة في الأراضي المحيطة بالمستوطنات.

وينهي محمد: “أشجار الزيتون ليس مجرد شجر بل هي عائلتي، وكل شجرة تمثل جيلًا من العمل والتعب”.

المزارع أكرم إبراهيم (55)عاما من قرية بورين، عند سؤاله عن موسم الزيتون لهذا العام قال: “الله يستر من هاي السنة كمان”.

وتابع: “يمثل هذا الموسم فرصة لتحقيق العائد الاقتصادي والدخل وتأمين لقمة العيش لعائلات كثيرة على مدار العام، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي نواجهها”.

ولم يعد أكرم الأب لسبعة أولاد وهو يملك مساحات واسعة من الأراضي المزروعة بالزيتون في قرية بورين جنوب نابلس متأكدا من قطف ثمار زيتونه هذا العام ام لا،فقد تعرضت العشرات من أشجاره أيضا للحرق والقطع من قبل المستوطنين بحماية جيش الاحتلال، ما سيقلل من انتاج موسمه ويلحق به خسائر مالية.

يشير أكرم أن ثلثي أشجاره التي لا تقل أعمارهن عن الثمانين عاما، والتي اعتاد على قطف ثمارها كل عام قد اتلفت من قبل المستوطنين.

ويؤكد أنه العام الماضي لم يستطع الوصول لـ 48 دونما من الأراضي التي اعتاد قطف ثمارها على نسبة مع أصحاب الأراضي، كل عام والواقعة جنوب القرية جهة الشارع الاستيطاني الالتفافي، ما الحق به خسائر مالية.

ويحرص أكرم على رش الأرض الأعشاب بالمبيدات الحشرية وحراثة الأرض تجنبا لحرقها من قبل المستوطنين، الا أنهم نجحوا قبل أسابيع في حرقها لأنه لم يسمح لهم بحراثتها ورشها هذا العام، كما أن المستوطنون جلبوا معهم إطارات السيارات واشعلوها في الأشجار لتتمكن من حرقها، ليمتد الحريق لآلاف الأشجار في المنطقة.

وكان يستغرق جد الزيتون مع أكرم وبعض العمال معه قرابة الشهرين، ولا يستطيع أخذ زوجته وأولاده معه خوفا من اعتداءات المستوطنين، وأثرت الانتهاكات التي يتعرض لها شجر الزيتون على المردود المالي لدى أكرم ما أثر على نمط المعيشة لديه.

وكان أكرم ينتج بالعام قرابة أربعة أطنان ونصف الطن من الزيت، بينما العام الماضي لم يستطع عمل سوى طن من الزيت نتيجة عدم تمكنه من الوصول للأراضي التي يقطف ثمارها.

من جانبه، يقول مدير مديرية الشمال في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان مراد شتيوي إن أبناء شعبنا في كل محافظات الضفة يتعرضون لانتهاكات واعتداءات مختلفة ومتنوعة من قبل المستوطنين بحماية جيش الاحتلال أثناء قطف الزيتون.

تبدأ هذه الاعتداءات من منع المواطنين من الوصول إلى أراضيهم القريبة من المستوطنات، مرورا بقطع أشجار الزيتون وانتهاء بحرقها، وهي اعتداءات يتعرض لها المواطن الفلسطيني في كل موسم لقطف الزيتون.

ويشير شتيوي إلى أن الإنتهاكات هذا الموسم والذي سبقه بدأت بشكل مبكر، وأقدم المستوطنون على حرق مئات الأشجار هذا العام في مختلف محافظات الضفة، وتحديدا في شمالها، وعلى وجه الخصوص قرى جنوب نابلس التي تتعرض لاعتداءات كبيرة جدا ومؤلمة بحق شجرة الزيتون.

ويتوقع شتيوي بأن يكون موسم الزيتون هذا العام موسما ساخنا أيضا، ومحفوفا بالمخاطر كالذي سبقه، مستذكرا الخطورة التي تعرض لها الموسم العام الماضي، حيث إن نسبة عالية من أشجار الزيتون لم يتم قطفها بسبب الإجراءات الأمنية التي اتخذتها قوات الاحتلال، والاعتداءات التي نفذها المستوطنين بحماية جيش الاحتلال، لمنع المواطنين من الوصول إلى أراضيهم، والتي أثرت سلبا على المردود الاقتصادي لآلاف الأسر الفلسطينية.

 وفي هذا العام أعدت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان بالتعاون مع المحافظات ومديريات الزراعة ولجان المقاومة الشعبية خطة من أجل مساندة المزارعين في تأمين قطف ثمار الزيتون بأقل الخسائر والأضرار.

ويوضح شتيوي أن الخطة مبنية على عدة محاور، أولها تحديد خطة زمنية واضحة المعالم باليوم والتاريخ لقطف الثمار في كل محافظات الضفة، وبمساندة الكادر البشري الملتزم في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان ولجان المقاومة الشعبية، وتوفير الحماية المدنية الدولية لأبناء شعبنا.

وأوضح شتيوي أنه تم التنسيق مع لجان المقاومة الشعبية لجلب مزيد من المتطوعين الأجانب من مختلف دول العالم، والذين أبدوا استعدادهم للتواجد مع أبناء شعبنا في القرى التي تتعرض لاعتداءات المستوطنين، للمشاركة معهم ضمن النشاطات التي سيتم تنفيذها والإعلان عنها لقطف ثمار الزيتون مع المواطنين الفلسطينيين.

ويشير إلى أن مساحة الأراضي المزروعة والتي سيحرم أصحابها من الوصول اليها لقطف الثمار تضاعفت بشكل كبير جدا عما كانت عليه قبل السابع من تشرين الاول، خاصة بعد اعلان وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريش عن نيته اقامة مناطق عازلة قرب المستوطنات وجدار الفصل العنصري.

ووفق تقديرات وزارة الزراعة، يبلغ عدد أشجار الزيتون في فلسطين حوالي 11مليون شجرة زيتون، منها نحو 9.3مليون شجرة مثمرة، ونحو 1.7مليون شجرة لم تصل بعد إلى مرحلة الإنتاج.

ومتوقع هذا العام انتاج ما يقارب 18 الف طن زيت، يستهلك منها ثلثيها ويصدر الثلث الثالث إلى الخارج.

وتبقى قصة المزارعين أكرم ومحمد مثالاً حيًا على معاناة الفلسطينيين جراء الاعتداءات المستمرة على أشجار زيتونهم، لكنها أيضاً تعكس روح الصمود والأمل الذي لا ينطفئ، فعلى الرغم من التحديات، يبقى الفلسطينيون متمسكِين بأرضهم وزيتونهم، مؤكدين أن كل شجرة تمثل جزءًا من هويتهم وتاريخهم.

اطبع هذا المقال