ميساء بشارات-يخشى سكان مخيم بلاطة شرق مدينة نابلس أكبر المخيمات في الضفة الغربية، من تناقص عدد ساكنيه ونزوحهم نحو المدينة أو القرى المجاورة، بسبب الاجتياحات الإسرائيلية المتكررة وبعض الإجراءات التعسفية من حصار مشدد وحظر تجوال وحملات دهم.
وتبدأ الاقتحامات عادة بليالي المخيم الهادئة التي تُقطَع فجأة بصوت الطلقات النارية والمداهمات، وأحيانا أخرى بقصف طائرات مسيرة، ليستيقظ الأهالي على أصوات الانفجارات.
مخيم بلاطة للاجئين الفلسطينيين يعتبر أكبر المخيمات في الضفة الغربية، حيث يبلغ عدد اللاجئين المسجلين فيه 41,672 لاجئا، وبات سكانه يعانون من ارتفاع معدلات البطالة والفقر فضلا عن الاجتياحات الإسرائيلية المتكررة، إضافة إلى مشاكل حادة تعصف بشبكتي المياه والمجاري، وتفاقم هذا الوضع بسبب تقليص الخدمات التي انتهجتها وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا” بسبب نقص التمويل.
التاجر توفيق أبو لقية (64) عاماًصاحب محل مواد تموينية في قلب مخيم بلاطة، تضرر كثيرا نتيجة الاقتحامات المستمرة للمخيم، الذي اعتاد على مجيء الزبائن من خارج المخيم للتبضع منه بسبب أسعاره المميزة مقارنة بغيره من المحلات التجارية خارج المخيم.
يقول أبو لقية وهو يجلس على باب محله الذي يعد الأقدم في المخيم: “اعتدنا على الزبائن من خارج المخيم للتبضع بسبب الأسعارالمنخفضة التي نقدمها، لكن مع تخوف الناس من الاقتحامات المفاجئة من جيش الاحتلال اختفى الزبائن”.
ويضيف”قبل عامين كان سوق المخيم يعج بالمشترين من داخل المخيم وخارجه، والاعتماد الأكبر على الزبائن من الخارج، أما اليوم فيوجد كساد كبير بالحركة الشرائية، وخصصنا دفترا للزبائن الذين يشترون البضائع بالدين”.
ويتابع”سابقا كان المحل مليئا بالبضائع التموينية بسبب الحركة الكبيرة، أما اليوم تقلصت هذه الكميات لأنه لم يعد هناك مشترون كثر وبكميات كبيرة كما في السابق”.
أبو لقية لم يكن الوحيد ممن تضرر، فالكثيرون من أصحاب البسطات تضرروا كذلك نتيجة الاقتحامات، أبو أحمد (55) عاماً المعيل لأسرة مكونة من ستة أفراد عبر بسطة الخضار، فقد زبائنه من خارج المخيم ليتراجع دخله ما أثر على مستواه المعيشي وقدرته على تلبية احتياجات أسرته.
يقول أبو أحمد”بعد الاقتحامات المستمرة، وجدت نفسي في مأزق كبير اقتصاديا، تراجع الدخل، ولم أعد قادرا على تلبية جميع الاحتياجات كما في السابق، فالناس لم يشعروا بالأمان ليعودوا للتسوق من المخيم كما في السابق”.
ويتابع “بسبب تدمير البنية التحتية ووضع السواتر الترابية على مداخل المخيم لم يعد الناس يدخلون المخيم بسياراتهم إلى السوق”
من جانبه، يقول عضو اللجنة الشعبية لخدمات مخيم بلاطةأحمد ذوقان، إن خسائر المحلات التجارية تختلف من محل لآخر، ويبلغعدد المحلات المتضررة 158 محلا تجاريا في المخيم، موضحا أن بعض المحلات تم الاعتداء عليها أكثر من مرة.
ويشير إلى أن الاحتلال منذ السابع من تشرين الأول اقتحم المخيم ما يقارب الـ67 مرة، بجرافاتهم ومعداتهم، وتم اعتقال ما يقارب التسعين شخصاً من المخيم. وما زال البعض من المتضررين من هدم المنازل غير قادرين على العودة إلى بيوتهم، المهدومة كليا أو جزئيا، والآن هم يستأجرون المنازل.
ينوهذوقان إلى أنها المرة الرابعة التي يتم فيها رفع احصائية للحكم المحلي بالأضرار الناتجة عن اقتحامات الاحتلال لمخيم بلاطة، مشيرا الى أن عدد المنازل المتضررة كبير جدا وتقوم “الأونروا” بإحصاء أضرار المخيم، لكن لم يتم تعويض أحد، باستثناء بعض الأضرار البسيطة.
ولم تحصل المحال التجارية المتضررة على دعم، سوى دعم بسيط من قبل مؤسسات غير حكومية لعدد من المحال لم تتجاوز مبلغ الـ1640 شيقلاً لمرة واحدة بجهود من اللجان الشعبية ودائرة شؤون اللاجئين.
وتحاول اللجنة الشعبية إعادة تأهيل الشوارع المتضررة وتقليل الضرر فيها، ليستطيع الناس المرور منها وتعود الحركة كما في السابق، عبر إزالة الحفر وتجنب حدوث مكاره صحية، من خلال اللجنة الشعبية والأشغال العامة وبلدية نابلس التي تساعد في بعض الأمور حسب امكانياتهم.
ويشير ذوقان إلى أن ما تم حصره من خسائر في المحال التجارية تقدر قيمتها بـ475 ألف شيقل، إضافة إلى خسائر بالبنية التحتية نتيجة تجريف الاحتلال تقدر بـ750 ألف دولار، ويبين أنه تم العمل بمشروع لإعادة تأهيل البنية التحتية من صرف صحي وشبكات مياه بمبلغ 340 الف دولار.
وحول الدمار الذي لحق بالمنازل، يقول إن اللجنة الشعبية لا يتوفر لديها احصائية حول المنازل،و”الأونروا” هي المسؤولة عن حصرأضرار المنازل.
بدورها، تقول مدير دائرة شؤون اللاجئين في شمال الضفة، نسرين ذوقان، إن الاقتحامات المفاجأة للمخيم أثرت بشكل كبير على حركة البيع والشراء في السوق، وأصبح هناك تخوف لدى المواطنين من التسوق في المخيم كما في السابق، خاصة مع إغلاق المداخل الرئيسية للمخيم بالسواتر الترابية التي منعت السيارات من الدخول الى سوق المخيم.
وتضيف أن هدم البنية التحتية غير المبرر، والعقاب الجماعي الذي يتخذه الاحتلال والأذى والتخريب، سبب تراجعا كبيرا في الحركة الشرائية.
وتؤدي اقتحامات الاحتلال المستمرة لمخيم بلاطة إلى تزايد المشاكل الاقتصادية لأهالي المخيم، فلم يعد أحد من خارجه قادراً على الشراء من محاله التجارية، ولم يستطع أصحاب البسطات والخضار فتح بسطاتهم كالمعتاد والاسترزاق، ما يعمق أزمة الفقر في المخيم.