You are currently viewing <strong>أساليب الاحتلال العشرة لتمزيق اقتصاد الضفة</strong>

أساليب الاحتلال العشرة لتمزيق اقتصاد الضفة

العربية فارسی كوردی‎ עִבְרִית Türkçe Français Deutsch Italiano Español English
شبكة فرح الاعلامية:

 تمضي سلطات الاحتلال منذ قرابة 11 شهراً في سياستها الرامية لتمزيق اقتصاد الضفة إلى جانب حرب الإبادة التي تشنها على أبناء شعبنا في قطاع غزة، في مسعى واضح لقتل مقومات الصمود وبسط مخطط اليمين الإسرائيلي المتطرف للسيطرة على الضفة ومنع إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

فلم يكتف الاحتلال ببطشه العسكري تجاه شعبنا، بل كان الخنق الاقتصادي عنواناً واضحاً يسعى إلى تحقيقه عبر أساليب متنوعة، في محاولة لوأد حلم الفلسطيني في البقاء والعيش فوق أرضه.

يوصف الاقتصاد الفلسطيني بشكل عام بأنه اقتصاد “هش” يتحكم الاحتلال الإسرائيلي  بمفاصله، ويمنع عوامل نموه منذ احتلاله للضفة منذ عام 1967، في ظل سيطرته على الأراضي والموارد الطبيعية، لكن إنشاء السلطة الوطنية عام 1994 شكل  بارقة أمل ببناء اقتصاد مستقل رغم أن بروتوكول باريس الاقتصادي الموقع بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي وضع قيوداً عدة على هذا الاقتصاد، لكنه في الوقت ذاته شكل فرصة لإنشاء مؤسسات اقتصادية  وطنية على الأرض، ووفر لهذا الكيان الناشئ ضمن “حل مرحلي”   فرصة الحصول على إيرادات ضريبية مباشرة(مثل ضريبة الدخل ورسوم التراخيص) وغير مباشرة عبر الاستيراد المباشر (مثل ضريبة المقاصة وهي تطلق اصطلاحا على عدة ضرائب منها القيمة المضافة، والمشتريات، والجمارك)، مقابل أن تقوم سلطات الاحتلال بجباية هذه الضرائب على الحدود نظير عمولة نسبتها3%، ليشكل هذان الإيرادان نحو 80% من إيرادات السلطة الوطنية، والـ20% المتبقية عبارة عن منح ومساعدات دولية، قبل ان تتراجع المساعدات الدولية خلال السنوات الأخيرة إلى ما دون الـ5% من حجم الإيرادات العامة في ظل ضغوطات سياسية على السلطة الوطنية.

ورغم أن الحرب الاقتصادية على شعبنا وسلطته الوطنية ظلت مستمرة على مدار السنوات الماضية، غير أن الاحتلال استغل أحداث 7 تشرين الأول لشن حرب اقتصادية على شعبنا في الضفة عبر 10 وسائل على الأقل، بهدف حرمان الاقتصاد الوطني من الحصول على الأوكسجين اللازم للبقاء.

أولا: سرقة الإيرادات الضريبية

تبلغ موازنة السلطة الوطنية خلال العام الحالي 19 مليار شيقل أي نحو 5.3 مليارات دولار، بينما بلغ الناتج المحلي لفلسطين بالأسعار الثابتة خلال عام 2021 نحو  15 مليار دولار، والناتج القومي الإجمالي نحو 19 مليار دولار(بإضافة أجور العمال داخل الخط الأخضر والتحويلات النقدية من الخارج)،  بمعنى أن الإنفاق الحكومي يشكل نحو ثلث الناتج المحلي الإجمالي وربع الناتج القومي الإجمالي، ومعظم النفقات الحكومية تذهب على شكل رواتب إذ تبلغ فاتورة الرواتب وأشباه الرواتب الشهرية(نحو مليار شيقل شهريا أي نحو 12 مليار شيقل سنويا)، تمثل محركاً اقتصادياً لعجلة الاقتصاد الوطني سواء للضفة أو لقطاع غزة. وقد سعت سلطات الاحتلال منذ عام 2019 إلى البدء بعملية قرصنة لأموال المقاصة التي تشكل نحو 68% من إجمالي الإيرادات العامة، باقتطاع نحو 50 مليون شيقل شهريا مقابل ما تدفع السلطة الوطنية من أجور للأسرى وأسر الشهداء والجرحى،  لكن سلطات الاحتلال منذ 7 تشرين الأول استباحت أموال المقاصة بشكل غير مسبوق باحتجاز قرابة 280 مليون شيقل شهريا مقابل ما تدفع السلطة الوطنية أجور لصالح الموظفين في قطاع غزة، ما فاقم الأزمة المالية للسلطة الوطنية قبل أن تقر الحكومة الإسرائيلية المتطرفة اقتطاع أموال إضافية لصالح مستوطنين بحجة التعويض عن عمليات أصيبوا فيها أو قتل أقارب لهم فيها، ليصل غجمالي الاقتطاعات الإسرائيلية من أموال المقاصة إلى قرابة 7 مليارات شيقل كانت كفيلة بمساعدة السلطة الوطنية على معالجة جزء كبير من أزمتها المالية، وخاصة على صعيد تسديد مستحقات الموظفين المتراكمة منذ سنوات.

وبهذا لم يعد يصل من أموال المقاصة لخزينة السلطة الوطنية أكثر من 250 مليون شيقل شهرياً أي ربع قيمة ضريبة المقاصة الحقيقية ما قبل اندلاع حرب الإبادة والتي كانت تصل إلى قرابة مليار شيقل شهريا، ما حرم السلطة الوطنية الفلسطينية من الإيفاء بالتزاماتها كاملة وحال دون صرف رواتب كاملة، وحرم الأسواق من أحد أهم مصادر السيولة النقدية، وحال دون صرف قرابة مليار شيقل شهريا كانت تسهم بشكل كبير في تحريك عجلة الدورة الاقتصادية.

ثانيا: رفع نسبة البطالة في صفوف القوى العاملة

عمدت سلطات الاحتلال إلى رفع نسبة البطالة في صفوف القوى العاملة الفلسطينية بعد أحداث 7 تشرين الأول، ففي إجراء انتقامي منعت قرابة 200 ألف عامل فلسطيني من التوجه إلى أعمالهم داخل الخط الاخضر، ما يعني تحويل قرابة خمس القوى العاملة الفلسطينية إلى صفوف البطالة.

فقد ارتفعت معدلات البطالة في الضفة الغربية -خلال الربع الرابع من 2023- إلى 32%، مقارنة مع حوالي 13% بالربع الثالث من العام ذاته.  حرمان العمال من التوجه إلى أعمالهم حرم الأسواق في الضفة من 1.5 مليار شيقل شهريا ما تسبب بتراجع إضافي للدورة الاقتصادية.

ثالثا: إعاقة عمليات الاستيراد

عرقلت سلطات الاحتلال كافة عمليات الاستيراد لتجار فلسطينيين، عبر تعقيد إجراءاتها وتأخير نقل البضائع، عبر الموانئ، الأمر الذي زاد كلفة الاستيراد على التجار الفلسطينيين، وشجع ذلك بعض التجار الفلسطينيين على الاستيراد غير المباشر أي عبر تجار اسرائيليين، ما يعني حرماناص إضافيا للسلطة الوطنية من ضريبة المقاصة.

وأشارت بيانات صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء إلى أن الصادرات إلى إسرائيل انخفضت خلال شهر نيسان من عام 2024 بنسبة 3% مقارنة مع شهر نيسان من عام 2023، كما انخفضت الواردات خلال شهر نيسان من عام 2024 بنسبة 28% مقارنة مع شهر نيسان من عام 2023، حيث بلغت قيمتها 420.3 مليون دولار.

ويقول الباحث والخبير الاقتصادي مسيف مسيف من معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) إن عدم سيطرة السلطة الوطنية على المعابر التجارية جعل سلطات الاحتلال تتحكم بآليات الاستيراد والتصدير، وحدّ من قدرة السلطة الوطنية من تعظيم ايرادتها الضريبية بسبب وجود قدرة على التسرب والتهرب الضريبي، في ظل تحكم الاحتلال بكافة المداخل والمعابر.

رابعاً: تجفيف مصادر السيولة النقدية

نهج الاحتلال سياسة مبرمجة لحرمان الأسواق الفلسطينية من مصادر السيولة النقدية، بالإضافة إلى التهام أموال المقاصة، وحرمان العمال من التوجه إلى أعمالهم داخل الخط الأخضر، تعمد منع المتسوقين من فلسطينيي 48 من الوصول إلى أسواق الضفة الغربية، إما بحواجز عسكرية مباشرة لمنعهم من الوصول، او من خلال استمرار اجتياحه لمناطق فلسطينية مختلفة ومتكررة ما خلق تخوفات حقيقة من الوصول إلى مناطق الضفة.

خامساً: تعقيد التجارة البينية داخل الضفة عمد الاحتلال إلى إعاقة التجارة بين المحافظات الفلسطينية في الضفة، ما زاد كلفة النقل، وحد من فرصة التنقل، من خلال إيجاد إعاقات مستمرة، وذلك من خلال تقطيع مناطق الضفة إلى مربعات، عبر نصب الحواجز والبوابات، واعاقة حرية الحركة، الأمر الذي انعكس أحيانا على صعيد وجود نقص في بعض السلع وتسبب بزيادات في الأسعار.

سادساً: التهام مناطق “ج” وسرقة المواد الطبيعية

تشكل مناطق “ج” قرابة 61% من مساحة الضفة الغربية، وتتجه سلطات الاحتلال  بموجب توسع استيطاني مناف لكل قرارات القانون الدولي، إلى التوجه لابتلاعها عبر مخطط طويل المدى يسير بوتيرة سريعة، واستغلت سلطات الاحتلال أحداث 7 تشرين الأول لشرعنة بؤر استيطانية واقامة عشرات آلاف الوحدات السكنية ومصادرة آلاف الدونمات، بوتيرة لم يسبق لها مثيل. كما سعت سلطات الاحتلال إلى السيطرة على الأراضي الخصبة في الأغوار، ما يعني أن الاقتصاد الفلسطيني حرم فعليا من فرص استثمارية حقيقة في تلك الأراضي، لصالح المشاريع الاستيطاينية، وتسبب ذلك بمزيد من الخنق لاقتصاد الضفة.

سابعاً: التضييق على البنوك والتعاملات المالية: تدرك سلطات الاحتلال أن القطاع المصرفي الفلسطيي يمثل محركاً أساسياً للدورة المالية في الضفة، لذا سعت إلى محاربة البنوك عبرعدة طرق، تارة التلويح بوقف التعاملات المالية معها ما يعني حرمان إتمام التعاملات المالية مع الجانب الإسرائيلي، وتارة برفض تحويل فائض عملة الشيقل ما يعني ضغط 13 بنكا عاملا ووافدا وعدم القدرة على صرف مليارات الشواقل المتكدسة، الأمر الذي يعني ضياع فرص استثمارية لتلك الأموال.

من جانب آخر، فإن تعمق الأزمة الاقتصادية في فلسطين، سواء من خلال التدمير الممنهج في قطاع غزة، وفي أماكن مختلفة من الضفة الغربية، أو من خلال تعطل العديدد من القوى العاملة، سيلقي بكثير من الفئات المقترضة إلى مصير المجهول، ما يرفع من نسبة القروض المتعثرة، وهو امر قد يهدد من استقرار القطاع المصرفي، خاصة أن البنوك العاملة في فلسطين منحت حتى نهاية تموز الماضي نحو 11.85 مليار دولار تسهيلات ائتمانية، وغن كانت نسبة القروض الممنوحة في قطاع غزة لا تتجاوز 9% من حجم التسهيلات الاائتمانية، لكن تعمق الازمة الاقتصادية في الضفة في ظل استمرار الظروف السائدة ربما يخلق مشاكل كبيرة خاصة على صعيد تسديد عدد من أقساط القروض الممنوحة.

ثامناً: تدمير البنية التحتية أمام عدسة الكاميرات، وفي مشهد تحدد للعالم بأسره،كانت قوات الاحتلال تتعمد تجريف البنية التحتية للعديد من المخيمات والمدن الفلسطينية خاصة في شمال الضفة خلال عمليات، إلى درجة على سبيل المثال اعلنت بلدية جنين ان نحو 70% من شوارعها قد تعرضت للتدمير، وليس الوضع بافضل حال في طولكرم، التي حدثت عن تكبدها خسائر بملايين الدولارات نتيجة التدمير الممنهج للبنية التحتية.

يقول المحلل الاقتصادي د. ثابت أبو الروس إن الاحتلال يسعى  من وراء استهداف البنية التحتية إلى تدمير أمرين مهمين، الأول هو البنية التحتية بحد ذاتها باعتبارها أحد أركان ومقومات السلطة الوطنية،  والثاني تدمير عجلة الاقتصاد الفلسطيني”، منوهاً إلى أن تدمير البنية التحتية مدروس وممنهج لتدمير الكينونة الفلسطينية، ويأتي في إطار حرب اقتصادية تشن على السلطة الوطنية.

تاسعاً: استهداف مباشر للمصالح التجارية في الوقت الذي كان يتعمد فيه المستوطنون اتلاف المحاصيل الزراعية في القرى والبلدات الفلسطينينية، وحرق وتدمير ممتلكات فلسطيينة، فإن قوات الاحتلال كانت تكمل المهمة من خلال استهداف المصالح التجارية في المدن إما بالحرق أو بالتدمير.

ويبين فياض فياض مدير عام مجلس الزيت والزيتون الفلسطيني إن اعتداءات المستوطنين خلال موسم الزيتون العام الماض خسرت الإنتاج في الضفة قرابة 20%، مشيراً إلى مخاطر حقيقة ستكون حاضرة هذا العام ايضا في ظل حالة التوحش الاستيطاني السائدة.

ويقول د. ابو الروس”يهدف الاحتلال من استهداف المصالح التجارية إلى الانتقام من الفلسطيني من أجل الانتقام، لكنه من جهة ثانية يهدف من جراء عمليات تخريب المصالح التجارية  إلى تشجيع الهجرة الداخلية، بطريقة غير مباشرة، فأصحاب المشاريع أصبحوا يتوجهون إلى المناطق الأكثر أماناً.

ويبين أن استهداف المصالح التجارية سيكون له انعكاسات اقتصادية خطيرة إذ ستؤثر أولاً على ديمومة هذه المصالح، وستكبدها خسائر كبيرة، وبعضها لن يكون قادراً على تسديد التزاماته إذا كان حاصلاً على قروض، كما أن هذه المصالح التجارية تشغل مئات العمال، وسيكون هؤلاء معرضين للتسريع والانضمام إلى صفوف البطالة.

ويؤكد أبو الروس أن الاحتلال يسعى كذلك إلى قتل روح الاستثمار بزرع المخاوف لدى أصحاب المشاريع ورؤوس الأموال من الإقدام على استثمارات مستقبلية.

ويؤكد أبو الروس أن الاحتلال مارس خطوات تدميرية للاقتصاد الفلسطيني بعد أحداث 7 تشرين الاول لم يسبق لها مثيل، إلى درجة أصبحت فيها عجلة الاقتصاد حالياً شبه متوقفة، فنهب أموال المقاصة حال دون تمكين السلطة الوطنية من صف رواتب كاملة منذ عام 2021، والعمالة داخل الخط الأخضر توقفت تماما، ويضاف عمليات التدمير الحالية لتعطل العجلة الاقتصادية في الضفة.

عاشراً: استخدام المياه سلاحاً استخدمت سلطات الاحتلال المياه كسلاح ضد محافظات الضفة ما شكل أزمة كبيرة سواء على الصعيد الإنساني الشخصي او على صعيد الصناعات والمنشآت التجارية، واعلنت الشركات المزودة عن خفض نسبة المحافظات الفلسطينية من المياه ما بين 40-50%، ما يعني دخول المياه على خط الحرب الاقتصادية ، بالإضافة إلى سيطرة قوات الاحتلال ومستوطنينه على العديد من ينابيع المياه ومصادر المياه الجوفية في الضفة.

نظرة اقتصادية تشاؤمية

انخفضت الناتج المحلي الإجمالي في فلسطين خلال الربع الأول من عام 2024 بنسبة 35% بالمقارنة مع الربع المناظر، فقد سجلت جميع الأنشطة الاقتصادية تراجعاً حاداً بالقيمة المضافة، حيث سجل نشاط التعدين، الصناعة التحويلية والمياه والكهرباء تراجعاً بنسبة 63% في فلسطين بواقع (29% للضفة الغربية، 95% لقطاع غزة.و بلغت قيمة الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الأول من العام 2024 في الضفة الغربية 2,474 مليون دولاروفي قطاع غزة 92 مليون دولار أمريكي.

وانخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في فلسطين بنسبة الثلث خلال الربع الأول 2024، إذ بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في فلسطين بالأسعار الثابتة 491 دولاراً خلال الربع الأول من العام 2024 مسجلاً انخفاضاً بنسبة 36% بالمقارنة مع الربع المناظر، حيث تراجع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الضفة بنسبة 26% مقارنة مع الربع المناظر، أما في قطاع غزة فقد انخفض بنسبة 86% مقارنة مع الربع المناظر.

ومع ضبابية المشهد وعدم اليقين بشأن آفاق عام 2024، توقع البنك الدولي  حدوث انكماش اقتصادي يتراوح بين 6.5% و9.6% خلال العام الحالي،  توقعت بي.إم.آي شركة الأبحاث التابعة لفيتش سوليوشنز أن ينكمش الاقتصاد الفلسطيني حوالي 15% في 2024 بعدما تباطأ 5.5% في 2023.

اطبع هذا المقال