ودعت محافظة جنين، أسبوعها المنصرم بشهيدين، ارتقيا في عدوان إجرامي شنه الاحتلال على بلدة قباطية جنوب جنين، حيث استشهد كل من حبيب الله محمد كميل برصاص أصابه في رأسه، فيما استشهد عبد الهادي فخري يوسف نزال 18 عاماً متأثراً بإصابته بعيارات نارية في منطقة الصدر، وشيعت جماهير قباطية ومحافظة جنين الشهيدين في موكب جنائزي صباح الجمعة، بعد الصلاة عليهما في مساجد البلدة.
ليأتي مساء السبت ويحمل معه أخباراً حزينة، صدرت عن مستشفى ابن سينا التخصصي في جنين، لتضيف إلى حزن جنين حزناً آخر بإعلان استشهاد الشاب يزن سامر الجعبري من بلدة اليامون الذي أصيب قبل عشرة أيام خلال اقتحام قوات الاحتلال لبلدة كفر دان، حيث تقرر أن يتم تشييعه يوم أمس السبت.
وفي صباح أمس داهم الاحتلال بلدة جبع، فاشتبك أبناء البلدة مع جنود الاحتلال، قبل أن يقدم جنود الاحتلال على تصفية شابين من شباب جبع، ويرتقي كل من أمجد عدنان خليلية (21 عاماً)، عز الدين باسم حمامرة (22 عاماً) شهيدين، لتكون بداية أسبوع في جنين بوداع ثلاثة شهداء.
محافظة جنين المستهدفة من الاحتلال، والتي تدفع أثماناً باهظة من دماء أبنائها، تقف وحيدة أحياناً، ويتحرك لنصرتها بعض الشرفاء في مواقع أخرى، فيما يصعد الاحتلال من جرائمه بحق المحافظة مدينة وريف ومخيم، ويمهد لكل ما يقدم عليه من جرائم برسم صورة وهمية بتحول جنين إلى غابة من السلاح، وأنها تضم آلاف المقاتلين المجهزين بالسلاح والمتفجرات، ويحاول أن يعظم من خطرها ليبرر كل جرائمها بحقها.
أما في الجانب الفلسطيني، فينقسم الناس ويتفرقون فهذا فريق يبكي الشهداء، ويضمد جراحه، ويتألم بصمت لإدراكه عدم وجود من يخفف من الألم والجراح، وفريق آخر يتكسب من هذه الجرائم التي يرتكبها الاحتلال بحق شبابنا، فتجده يتماشى مع رواية الاحتلال، ويحاول أن يرسم صورة تعطي انطباعا أن جنين عبارة عن منجم غني بالشهداء، وأن لديها مصانع السلاح، ولديها وحدات مدربة، فتجد البعض يطلق أوصاف على شهدائنا، فيصف شهيد بأنه قائد الوحدة المقاتلة، وثاني رئيس جهاز الرصد، وثالث مهندس متفجرات، وهناك أوصاف ما أنزل الله بها من سلطان، إلى جانب محاولة تصوير شبابنا فيما يطلق عليها البعض استنفاراً، أو مناورات عسكرية، استعداداً للمواجهة.
ولم يقتصر المشهد على هاتين الفئتين، فهناك في المستوى الذي يتقلد زمام القيادة انقسام كذلك، فهناك من يصم الآذان، ولا يفعل شيء تجاه الجرائم، وكل ما يقوم به توصيف للجرائم، مع ملاحظة أن بعض ليس لديه القدرة على تكييف قانوني للمصطلحات التي يستخدمها، اللهم أنه يحاول أن يظهر أمام عدسات الكاميرا أنه مسؤول، فتراه يشطح بإطلاق مصطلحات متضاربة في وصف ما يجري، واستجداء العالم التدخل، والمضحك المبكي أن بعضهم يصر على أن ما يقوم به الاحتلال ينذر بانفجار الوضع وزيادة العنف، وهذه الفئة لو تصمت الدهر أفضل مما تنطق به.
أما المستوى الثاني الذي يتخذ من بعض العواصم مقرات له، فيحاول أن يرسم صورة تفيد بقرب تحرير كل فلسطين، وتجد في خطابه الكثير من اللامنطق، عندما يخرج ليتحدث فتعتقد للحظة أن هذا المتحدث يصف ما يجري في كرواتيا. وتجد لديه مخزونا كبيرا من مصطلحات التعظيم التي يتقن ترتيبها في جمل ليرفع من شأن جماعته، ويكتب بدماء أبنائنا سيرة كاذبة لمجده الزائف.
أما الشهداء فلهم المجد، فهم من دفعوا حياتهم ثمناً لفلسطين، ومسكوا زمام المبادرة، بعد أن تخلى عنهم الكثير ممن يستثمرون دماءهم، فهؤلاء قلت وأقول هم الألم الكبير الذي يصيب فلسطين، فلو كان لنا قيادة لكان الشهداء نواة جيش لتحرير فلسطين، فيما يرتضي البعض أن تكون دماؤهم ثمناً لبقائه في المشهد. عزائي وحزني أشارك به عائلات الشهداء، وليس لدي سوى الكلمة والدعاء لله أن يكتبهم من الصابرين، الذين يدخلون الجنة بما صبروا.