عزيزة ظاهر- لم يكن الفتى طارق عبد الرزاق الزبيدي (15) عاما، يتوقع أن نزهته بصحبة خمسة من أصدقائه في أراضي “بلدة سيلة الظهر” القريبة من مستوطنة “حومش” ستعرضه لخطر الملاحقة والخطف والتعذيب على يد ثلة من المستوطنين الذين تجردوا من أدنى معاني الإنسانية، لحظات مرعبة عاشها طارق قبل نحو أربعة أشهر، أعادت لذاكرته جريمة خطف وحرق المستوطنين للطفل المقدسي محمد أبو خضير، وجريمة حرق عائلة دوابشة من دوما وهم نيام في منزلهم الآمن، ففي تلك اللحظات توقف الزمن بطارق وهو يواجه ذات المصير، لولا تدخل العناية الإلهية.
ففي ذلك اليوم وبينما كان الأصدقاء الستة يتناولون طعامهم تحت شجرة صنوبر معمرة غرسها أجدادهم، تقدمت نحوهم سيارة تقل مستوطنين، وآخرون باغتوهم من بين الأشجار وانهالوا عليهم بالحجارة، تمكن الفتية من الفرار نحو بلدتهم، إلا أن طارق وقع فريسة بين مخالب هذه الجماعة الإرهابية بعد أن صدموه بسيارتهم، وكبلوا يديه ورجليه وانهالوا عليه بالضرب المبرح بالعصي والهراوات، وبعد أن ربطوه بمقدمة السيارة بجنزير معدني وجروه إلى داخل مستوطنة “حومش”، تفننوا في تعذيبه بأبشع وأقسى الأساليب، وبأدوات الموت الأكثر رعبا في التاريخ.
لم يتمكن طارق هذا العام من استكمال دراسته والالتحاق بأقرانه في الصف العاشر، فلا يزال يرقد على سرير العلاج، قبل أيام خضع لعملية جراحية في باطن قدمه، وبعد أيام سيخضع لعملية جراحية أخرى، وبصوت راجف متألم يروي لـ”الحياة الجديدة” تفاصيل ما حدث معه، “صلبوني على مقدمة السيارة مقيدا بجنازير، علقوني على الشجرة وأشعلوا بقدماي النار، وشرحوا باطن قدمي بأدوات حادة وبالسكاكين، رشوني بغاز الفلفل وصعقني أحدهم بالكهرباء، صرخت بشدة وتألمت كثيرا، وتوسلت لهم ليتوقفوا عن تعذيبي، مستوطن عصب عيني بقطعة قماش، في هذه الأثناء سمعتهم يشتمونني وهم يبصقون علي، كنت أصرخ وأبكي من شدة الألم والخوف إلى أن ضربني أحدهم على رأسي فأغمي علي” يقول طارق.
ويضيف: “استفقت وأنا داخل جيب عسكري محاط بعدة جنود مدججين بسلاحهم، حققوا معي طويلا، وعبر هاتف أحدهم سمعت شخصا يتحدث معي باللغة العربية ويهددني قائلا “نحن الآن نعرف عنك كلّ شيء، وإذا رشق أحدهم الحجارة نحو المستوطنين في هذه المنطقة فسوف نأتي إلى منزلك ونعتقلك”، وبعد عدة ساعات تمكن أخي الكبير هشام وخالي من الوصول لمنطقة حومش ونقلوني عبر سيارة إسعاف فلسطينية إلى المستشفى”.
هشام الشقيق الأكبر لطارق يوضح أن شقيقه كان في حالة إغماء كامل، الدم ينزف من باطن قدميه ومن رأسه، وعلامات الحروق ظاهرة على كل أنحاء جسده، ولفت إلى أن شقيقه يعاني من وضع نفسي صعب، تلاحقه الكوابيس ليل نهار، لا يستطيع النوم لا سيما في فترة الأحداث الأخيرة، بعد أن هدده أحدهم باعتقاله في أي لحظة، مؤكدا أن شقيقه بحاجة إلى علاج طبي طويل الأمد حتى يسترد عافيته.
ومن الجدير بالذكر أن مستوطنة حومش أقيمت في عام 1978 على قمة جبل “القبيبات” الذي يضم آلاف الدونمات التي تعود لأهالي بلدتي برقة وسيلة الظهر، وفي عام 2005 أخلت قوات الاحتلال المستوطنة وأبقت عليها منطقة عسكرية مغلقة، ومنذ عام 2009 أصبحت مزارا وهدفا للمستوطنين المتدينين، يقتحمونها بشكل متكرر بحماية من جنود الاحتلال لوجود “مدرسة حومش الدينية” وبهدف التأكيد على ضرورة التراجع عن قرار إخلائها.